قوات النظام تتقدم شرق حلب... وتراجع «داعش» في بادية حمص

المعارضة تستهدف قوات النظام شرق دمشق أمس (أخبار دمشق)
المعارضة تستهدف قوات النظام شرق دمشق أمس (أخبار دمشق)
TT

قوات النظام تتقدم شرق حلب... وتراجع «داعش» في بادية حمص

المعارضة تستهدف قوات النظام شرق دمشق أمس (أخبار دمشق)
المعارضة تستهدف قوات النظام شرق دمشق أمس (أخبار دمشق)

حققت قوات النظام السوري والميليشيا الإيرانية الموالية تقدماً جديداً على «داعش» في ريفي حمص وحلب وسط أنباء عن «انسحاب» عناصر التنظيم من مساحات جغرافية واسعة و«تسليمها» إلى النظام.
ولم تتوقف المعارك بين قوات النظام و«داعش» على خطوط التماس بين الطرفين في البادية الشرقية والجنوبية الشرقية لحمص. وأعلنت مصادر ميدانية أن «وتيرة الاشتباكات تراجعت نسبياً (أمس) بعد التقدم الواسع الذي حققته قوات النظام على حساب التنظيم في المنطقة». وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن قوات النظام «تحاول تحقيق تقدم في المنطقة الواقعة بين تل الفري الذي يسيطر عليه تنظيم داعش ومنطقة الهلبة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، بغية إبعاد التنظيم عن المرتفعات المطلة على مناطق سيطرته تجنباً لاستهداف قواته المتمركزة في المنطقة».
ويبدو أن التقدم الميداني السريع في ريف حمص الشرقي سببه انسحاب «داعش» من المناطق التي يسيطر عليها، وفق تقدير الخبير العسكري والاستراتيجي السوري العميد أحمد رحّال، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا معارك فعلية في البادية السورية»، لافتاً إلى أن «(داعش) ينسحب من هذه المناطق، لاقتناعه بعدم إمكانية الصمود في مساحة صحراوية واسعة، لذلك هو يتراجع إلى مناطق يمكنه الثبات والقتال فيها لوقت أطول»، لافتاً إلى أن التنظيم «سلّم في الآونة الأخيرة مناطق كانت تحت سيطرته منذ 4 سنوات، وكأن هناك اتفاقاً ضمنياً بين الطرفين، رغم المواجهات التي تحصل بين الطرفين من وقت لآخر».
وتمكنت قوات النظام وميليشيا عراقية وأفغانية وإيرانية ولبنانية في الأيام الماضية من السيطرة على ألف كيلومتر مربع على مناطق «داعش». بذلك استعادت نحو 6 آلاف كيلومتر مربع من البادية السورية في ريفي دمشق وحمص منذ التاسع من شهر مايو (أيار) الحالي مستفيدة من مئات الغارات الجوية التي نفذتها قاذفات روسية وسورية على مناطق التنظيم.
وذكر رحال، أن النظام «في حاجة إلى منابع النفط والفوسفات، لذلك هو يستخدم كل طاقته للسيطرة على البادية، كما أن إيران بحاجة إلى الحدود لوصل بغداد بدمشق وبيروت، كما أن روسيا تريد الحصول على موطئ لها على حدود الأردن والعراق»، معتبراً أن «العوامل السياسية هي التي تدفع باتجاه تقدم النظام وحلفائه على الأرض وليس فقط القوة العسكرية».
وعلى جبهة موازية، شهدت بادية حمص الجنوبية الشرقية اشتباكات متفاوتة، بين قوات النظام والمسلحين الموالين من جهة، والفصائل المقاتلة المدعومة أميركياً من جهة أخرى. وأفاد «المرصد» أمس بأن قوات النظام «تمكنت بدعم من مسلحين من جنسيات سورية وعراقية ولبنانية وإيرانية وأفغانية، وبإسناد من الطائرات الحربية والمروحية، من تحقيق تقدم جديد في المنطقة والسيطرة على قرية العليانية وسط استمرار الاشتباكات في محيط المنطقة».
على جبهة أخرى، لا تزال الأطراف الشرقية لمحافظة حلب مسرحاً للمعارك بين قوات النظام وميليشياته وبين عناصر «داعش». ودارت اشتباكات عنيفة بين الطرفين على مشارف بلدة مسكنة، التي تعد آخر البلدات المتبقية تحت سيطرة التنظيم في شرق حلب. وأفادت أنباء بأن «المنطقة الواقعة بين خط تقدم النظام نحو بلدة مسكنة وسبخة الجبول بالريف الشرقي لحلب تشهد معارك عنيفة»، لافتة إلى أن قوات الأسد والميليشيا الحليفة «تمكنت من استعادة أكثر من 10 قرى ومزارع كان يسيطر عليها التنظيم، وجاءت عملية التقدم نتيجة إجبار قوات النظام لعناصر التنظيم على الانسحاب نتيجة للقصف المكثف الذي استهدف مناطق الاشتباك».
وتحاول قوات النظام وبدعم من عناصر «حزب الله» وبإسناد من المدفعية الروسية، التقدم إلى استعادة كامل المناطق المتبقية تحت سيطرة «داعش» في ريفي حلب الشرقي والجنوبي الشرقي وتأمين مساحة جديدة من الشريان الرئيسي لحلب (طريق حلب - خناصر - أثريا – السلمية)، الذي يتعرض لهجمات متكررة من قبل عناصر «داعش»، على طول الطريق الممتدة من حلب إلى السلمية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.