العثور على مليارات الروبلات في أنفاق الصواريخ الباليستية

أثناء التجوال في الغابات الروسية اللامتناهية، يمكن أن يتوقع المرء أي مفاجأة، مثل أن يظهر له دب من حيث لا يدري، أو أن يعثر على كميات كبيرة من الفطر تنتشر في الحقول، وقد يتعثر بقطعة حديد، ليكتشف بعد التدقيق أنها طائرة مفقودة منذ الحرب العالمية الثانية، لكن أن ينفتح المشهد أمامه على مستنقع تغطيه ربطات كثيرة جداً من الروبلات، فهذه مفاجأة من عيار آخر لا يأخذها أحد بالحسبان، لكنها سرعان ما تولد خيبة أمل، لأن ذلك الكنز لم يعد يمثل أي قيمة، وكل تلك المليارات لا أهمية لها، فهي روبلات سوفياتية مسحوبة من التداول.
كانت مجموعة من الشبان من هواة المغامرات والبحث قد عثرت في منتصف مايو (أيار) الحالي على عملة ورقية سوفياتية قديمة بالقرب من نفق كان مخصصاً كمنصة إطلاق لصاروخ باليستي هجومي مزود برأس نووية. ومع أن «الكنز» الذي عثر عليه هؤلاء الشبان فاقد للقيمة المادية، فلا الروبلات روبلات يمكن الاستفادة منها، ولا هناك صاروخ في النفق يذكرهم بأمجاد دولة مضت مع التاريخ، فإن اكتشافهم يمثل قيمة تاريخية إلى حد ما لأنهم عثروا على أوراق وأنفاق كانت ترمز للقوة الاقتصادية والعسكرية لدولة كانت عظمى طيلة 7 عقود من الزمن.
ولم يكن اكتشاف الشبان في مايو لأطنان من العملة الورقية السوفياتية حادثة أولى من نوعها، إذ سبق أن اكتشف آخرون مواقع مشابهة في أكثر من منطقة في روسيا، ودوما يحدث الأمر بمحض الصدفة لأن تلك المواقع كانت سرية نظراً لطبيعتها العسكرية، وهي تنتشر في أماكن غالباً ما تكون بعيدة المنال عن تجوال المواطنين في الغابات. أما الخلفية التاريخية لتلك «الكنوز»، فهي ببساطة ثمرة تقاطع حدثين حاسمين تاريخياً؛ الأول: توقيع اتفاقية للحد من القوات النووية الهجومية، وسحب الروس لعدد من الصواريخ الباليستية من أنفاقها بموجب تلك الاتفاقية، وبهذا أصبحت تلك الأنفاق وملحقاتها الخدمية العسكرية خاوية. والحدث الثاني: استبدال العملة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بعملة روسية، لا مكان فيها لرموز الماضي، وبصورة خاصة صورة فلاديمير لينين أب الثورة البولشيفية. حينها قررت السلطات الروسية إتلاف العملة القديمة، واختارت مصنعاً في أوكرانيا لحرق تلك الأوراق النقدية، غير أن حجمها الكبير حال دون نقلها كلها للحرق، بينما تعذر حرقها في أي مكان غير مخصص، ذلك أن الألوان وغيرها من المواد الكيماوية المستخدمة في صناعة العملة تخلف غازات ضارة، كما أن بقاياها بعد الحرق تلحق الضرر بالتربة، لذلك حولت تلك الكميات الإضافية من العملية الورقية السوفياتية إلى الأنفاق التي هجرتها صواريخها. ومن جديد، وبعد أن كانت الصواريخ الهجومية الاستراتيجية تلتهم يومياً، وهي «على قيد الحياة»، إبان الحرب الباردة وسباق التسلح، مليارات من تلك الروبلات، فقد عادت لتأخذ معها بقايا تلك الأوراق النقدية، بلا رجعة.