«الشرق الأوسط» في مهرجان كان (9): {المخدوع} بنكهة أخرى في كان

صوفيا كوبولا تعيد صناعة فيلم لأول مرّة

النسخة الأولى من فيلم (The Beguiled) عام 1971 بطولة كلينت ايستوود وجيرالدين بيج بتوقيع دون سيغل
النسخة الأولى من فيلم (The Beguiled) عام 1971 بطولة كلينت ايستوود وجيرالدين بيج بتوقيع دون سيغل
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان كان (9): {المخدوع} بنكهة أخرى في كان

النسخة الأولى من فيلم (The Beguiled) عام 1971 بطولة كلينت ايستوود وجيرالدين بيج بتوقيع دون سيغل
النسخة الأولى من فيلم (The Beguiled) عام 1971 بطولة كلينت ايستوود وجيرالدين بيج بتوقيع دون سيغل

العمل السينمائي الوحيد الذي نُقل إلى الشاشة الكبيرة كان للمؤلف توماس كولينان (1919 - 1995)، هو The Beguiled من إخراج دون سيغل عام 1971. وتعمد إليه ثانية المخرجة صوفيا كوبولا في نسخة جديدة عرضها المهرجان الفرنسي في مسابقته قبل يومين.
ليس سهلا احتواء العنوان الإنجليزي بتفسير واحد: Beguiled ومعناه، المخدوع الواقع تحت فعل مراوغة أو خطّـة ناتجة عن إغواء. يمكن تسمية الفيلم بـ«المخدوع» (أو «المنخدع») وفي نسخة صوفيا كوبولاً تنطبق الكلمة على الإناث الست لدى تسلل الجندي الشمالي إلى مدرستهن الخاصة، فوقعن تحت تأثير جاذبيته كونهن يعشن في حرمان ما، وكونه الرجل الوحيد في ذلك المكان، بالتالي هن «منخدعات» أكثر من خادعات كما ورد في نسخة سيغل.
حاولت طوال مدة عرض الفيلم الجديد (94 دقيقة)، تجاهل الفيلم الأصلي، لكن ذلك لم يكن ممكناً. ينقل الفيلم الجديد الحكاية كلّها والتغييرات التي في عمل المخرجة ليست حاسمة أو جديدة بحيث تمكن المشاهد من إلغاء فيلم سيغل إذا ما كان شاهده.
* براءة ورجولة
في الأصل، وكما ورد على الغلاف الأخير من نسخة «بينغوين» البريطانية للنشر، عندما اشترت حقوق الرواية الأميركية الصادرة سنة 1966. تلعب القصّـة على نسيج من العوامل النفسية والعاطفية والمرح الداكن. هذا المزيج ما بين العمق والترفيه الذي تقترحه الرواية والذي عمد إليه المخرج دونالد سيغل جيداً، هو ذاته المفقود في فيلم صوفيا كوبولا في أول فيلم لها تعيد تصويره (أو كما يسمى بـRemake).
الحكاية الواردة هي بالخطوط العريضة والمتوسطة ذاتها: جندي جريح (كولن فارل في الفيلم الجديد وكلينت إيستوود في النسخة الأولى) من الجيش الشمالي، خلال الحرب الأهلية الأميركية في مطلع ستينات القرن التاسع عشر، يسقط جريحاً بالقرب من مدرسة فتيات في الجنوب الأميركي وبمعزل عن باقي رفاقه. تكتشفه فتاة صغيرة فيُنقل إلى داخل المدرسة التي لم تعتد على أن يدخلها رجل.
يُداوى الجندي من جراحه، لكن خلال الفترة التي يستغرقها العلاج، يغوي الرجل فتاتين راشدتين، واهماً كلا منهما بإخلاصه لها، فيقع الخلاف بينهما وبين الإناث الأخريات. في النهاية يكون ضحية فعلته فيُقتل مسمما (باقتراح من فتاة صغيرة) للتخلص منه.
تختلف نسختا الفيلم في التفاصيل. في فيلم ابنة فرنسيس فورد كوبولا، هناك مدرّسة واحدة (نيكول كيدمان) مسؤولة عن حفنة من الفتيات (ست). في نسخة سيغل هناك مدرّستان وعدد أكبر من الطالبات. أيضاً، يخلو فيلم كوبولا من امرأة سوداء تخدم في المدرسة وتقوم بمهام التنظيف والعناية بالمكان وهو الأمر الطبيعي (الوارد في الحكاية أصلاً)، لكنّ هذا لم يغب عن نسخة سيغل. وفي فيلم كوبولا تُقطع ساق الرجل، بينما البطل في نسخة 1971، يحتفظ بساقه.
ثم هناك ما هو أهم من الفروقات بين العملين.
دون سيغل، وقد عمل مع كلينت إيستوود خمس مرات، كان «المخدوع» ثالثها، جعل من الرجل المحور الظاهر في الفيلم وليس البعد العاطفي المستتر. إنه من يسقط فريسة الإناث اللواتي أدخلنه جريحاً وعملن على العناية به. صحيح أنّه جلب على نفسه النهاية الوخيمة، بعد أن غرر بالفتيات وألب بعضهن على بعض، لكنّه خُـدع بدوره مصدقاً ما تبدّى من براءتهن وقبولهن به، بينما كنّ قد خططن لقتله بشوربة فطر مسموم.
في نسخة صوفيا كوبولا تركيز على أنّ الفتيات هن المنخدعات اللواتي صدّقن الرجل وألفن إليه وترددن في تسليمه إلى الجيش الجنوبي، فبادرهن بعد ذلك بمحاولة فرض سيطرته عليهن.
* بين ممثلين
مع وجود العدد الكبير من الشخصيات النسائية في نسخة دون سيغل، هناك قدر أوسع من تباين الشخصيات النسائية. مثلاً يجد الرجل نفسه، في كلا الفيلمين، في جنة مليئة بالنساء وعليه أن يقتنص الفرصة. كذلك فإن إحدى أهم الشخصيات الثانوية هي الخادمة الأفرو - أميركية، لكونها تعكس وضعاً واقعياً. غيابها في نسخة كوبولا يخلق تساؤلات، فالحرب الأهلية نشبت على مبدأ تحرير «العبيد»، ووجودها يجسد هذه الحقيقة كما أنّها، في الفيلم السابق، واحدة من الإناث الجميلات التي سوف تخلق لإيستوود بديلاً عاطفياً محتملاً.
في أسلوب كوبولا المتمحور حول أنثوية الوضع أكثر من ذكوريته، فقدت المخرجة كوبولا وجهة النظر المتوسطة الذي وفرها الروائي معايناً الموضوع والتاريخ والمكان والإشكالات المترتبة جميعاً. في الوقت ذاته، يفشل الممثل البريطاني كولين فارل (المحتفظ بلكنته الآيرلندية المخففة)، في تقديم تشخيص ثري وقوي وليس مجرد أداء تنفيذي. هو ربما جيد فيما أتيح له: تقديم دور الجندي الذي يحاول السيطرة على نساء المكان بالخديعة. لكن إيستوود نفّـذ مشروعاً أكثر أهمية كدراما: هو الرجل الذي يحاول السيطرة على نساء المكان بالخديعة، لكنه الأقدر على تجسيد الشخصية الرجولية (الماتشو)، وهو ما كان مقصوداً في الأساس لشحذ الدراما بالتناقضات الحادة وخدمة لإيستوود كنجم واثب.
فارل، حجماً، لا يقنع في هذا المجال، والأهم أنّ المخرجة خلعت أنيابه، فإذا به أضعف جسدا وشخصاً، من أن يجسد تلك الذكورية.
«المنخدعات»، حسب كوبولا، عليه أن يكون فيلماً نسائياً لأنّها امرأة. وهذا أضعف مبرر يمكن اعتماده في هذه الحالة. لقطاتها بعيدة ومتوسطة وكذلك التمثيل من الجميع: بعيد عن إثارة الاهتمام أو متوسط. لا ألفة يمكن أن يشعر بها المرء حيال أي من الأوضاع أو الشخصيات، ولا يستطيع الفيلم تجسيد أبعد مما يعرضه. وإذا كانت مشكلة فيلم سيغل أن الجمهور لم يُعجب بدور إيستوود - الأيقونة، لكونه أكثر دكانة من المتوقع له، فإن الجمهور هنا لن يكترث لأن تكون العصمة بيد النساء، لأن الشخصيات الواردة منها ضعيفة حتى وإن بدت، في نموذجين هما دور نيكول كيدمان ودور كيرستين دانست، غير ذلك.
فيلم كوبولا يفتقد عمق الدلالات. في جل أفلامها تعتبر كوبولا أنّ حكايتها تستطيع أن تسرد نفسها بنفسها. لا تحتاج لأن تكترث للتفاصيل التي تؤلف - بصرياً - الكيان التفاعلي بين المشاهد وبين الفيلم.
يتضح ذلك منذ مشهد البداية: الفتاة الصغيرة في المدرسة كانت تجوب الغابة بحثاً عن الفطر، فتجد الجندي جريحاً على الأرض. هذه البداية تحمل تمهيداً مقبولاً، لكنه غير مركّـز. فيما يبدأ فيلم سيغل بالجندي الجريح وهو يسقط أرضاً ثم يتدحرج من مرتفع إلى آخر قبل أن يستقر شبه غائب عن الوعي. هذه البداية تحمل الخلفية والتشويق والتركيز على الرجل في محنته أمام الحرب، ولاحقاً أمام عواطفه والمرأة عموماً.
بالمقارنة بين تمثيل جيرالدين بايج وإليزابيث هارتمان وجون آن هاريس بذلك المتوفر في فيلم كوبولا، تتبدّى أسباب لتفضيل التمثيل في الفيلم الأول عنه في الفيلم الجديد. إنّه اختيار المخرجة، غير الصائب، في إبقاء الحدة الناتجة عن هذا الوضع في أدنى قدرة لها على التجسيد.



«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
TT

«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)

عندما يتساءل البعض أين هم النجوم الكبار؟ فهناك أكثر من جواب.

إذا كان السؤال عن عمالقة التمثيل في الفن السابع، أمثال مارلون براندو، وكلارك غيبل، وباربرا ستانويك، وجاك نيكلسن، وصوفيا لورِين، وجوليانو جيما، وهمفري بوغارت، وجيمس ستيوارت، وكاثرين دينوف، وأنتوني كوين، وعشرات سواهم، فإن الجواب هو أن معظمهم وافته المنية ورحل عن الدنيا. القلّة الباقية اعتزلت أو تجهدُ لأن تبقى حاضرة. المثال الأبرز هنا، كاثرين دينوف (81 سنة) التي شوهدت خلال عام 2024 في 3 أفلام متعاقبة.

أما إذا كان السؤال مناطاً بنجوم جيل الثمانينات والتسعينات ممن لا يزالون أحياء، أمثال سيلفستر ستالون، وأرنولد شوارتزنيغر، وسيغورني ويڤر، وسوزان ساراندون، وأنتوني هوبكنز، وميل غيبسن، وجيسيكا لانج، وكيم باسنجر، وغلين كلوز، وهاريسون فورد، وستيفن سيغال، وروبرت دي نيرو، وآل باتشينو وسواهم من الجيل نفسه، فحبّهم للبقاء على الشاشة مثالي يدفعهم للظهور إمّا في أدوار مساندة أو في أفلام صغيرة معظمها يتوفّر على منصات الاشتراكات.

أما بالنسبة للزمن الحالي، فإن الأمور مختلفة، فعلى الأقل تمتّع من ذُكروا أعلاه بأدوارٍ خالدة لا تُنسى في أنواع سينمائية متعدّدة (أكشن، دراما، كوميديا، ميوزيكال... إلخ).

الحال أنه لم يعد هناك من ممثلين كثيرين يستطيعون حمل أعباء فيلمٍ واحدٍ من نقطة الانطلاق إلى أعلى قائمة النجاح. أحد القلّة توم كروز، وذلك بسبب سلسلة «Mission‪:‬ Impossible» التي قاد بطولتها منفرداً، ولا تزال لديه ورقة واحدة من هذا المسلسل مفترضٌ بها أن تهبط على شاشات السينما في مايو (أيار) المقبل.

بطولات جماعية

بكلمة أخرى: لم يعد هناك نجوم كما كان الحال في زمن مضى. نعم هناك توم هانكس، وروبرت داوني جونيور، وجوني دَب، وسكارليت جوهانسون، ودانيال كريغ، ونيكول كيدمان، لكن على عكس الماضي البعيد، عندما كان اسم الممثل رهاناً على إقبالٍ هائل لجمهور لا يفوّت أي فيلم له، لا يستطيع أحد من هؤلاء، على الرغم من ذيوع اسمه، ضمان نجاح فيلمٍ واحدٍ.

ما يُثبت ذلك، هو استقراءُ حقيقة سقوط أفلامٍ أدّى المذكورة أسماؤهم أعلاه بطولاتها منفردين، لكنها أثمرت عن فتورِ إقبالٍ كما حال توم هانكس، وجنيفر لورنس، وجوني دَب، وروبرت داوني جونيور.

الحادث فعلياً أن «هوليوود» قضت على نجومها بنفسها.

كيف فعلت ذلك؟ وما المنهج الذي اتبعته ولماذا؟

الذي حصل، منذ 3 عقود وإلى اليوم، هو أن هوليوود أطلقت، منذ مطلع القرن الحالي، مئات الأفلام ذات الأجزاء المتسلسلة بحيث بات اهتمامُ الجمهور منصبّاً على الفيلم وليس على الممثل الذي لم يَعُد وحده في معظمها، بل يؤازره ممثلون آخرون من حجم النجومية نفسها.

كثير من هذه المسلسلات يضعُ ممثلين مشهورين في البطولة كما حال سلسلة «The Avengers»، التي ضمّت روبرت داوني جونيور، وسكارليت جوهانسن، وجوينيث بالترو، وصامويل ل. جاكسون، ومارك رافالو، وكريس إيڤانز تحت مظلّتها.

في مسلسل «كابتن أميركا»، وإلى جانب داوني جونيور، وسكارليت جوهانسون، وإيڤنز، أيضاً تناثر بول رود، وتوم هولاند، وإليزابيث أولسن. كلُ واحدٍ منهم قدّم في هذا المسلسل وسواه من أفلام الكوميكس والسوبر هيروز نمرته، وقبض أجره ومضى منتظراً الجزء التالي.

أيّ فيلم خارج هذه المنظومة مرجّح فشله. بذلك تكون «هوليوود» قد ساهمت في دفن نجومها عبر توجيه الجمهور لقبولهم الجميع معاً على طريقة «اشترِ اثنين واحصل على الثالث مجاناً».

ولا عجب أن أعلى الأفلام إيراداً حول العالم كسرت إمكانية تعزيز العودة إلى أيامٍ كان اسم ممثلٍ كبيرٍ واحدٍ، (لنقل كلينت إيستوود أو أنتوني هوبكنز)، كفيلاً بجرِّ أقدام المشاهدين إلى صالات السينما بسببه هو.

الأفلام العشرة التي تقود قائمة أعلى الأفلام رواجاً حول العالم، تتألف من 4 أفلام من «الأنيميشن» هي، «Inside Out 2»، و«Despicable Me 4»، و«Moana 2»، و«Kung Fu Panda 4».

بعض هذه الأفلام جاءت بممثلين مجهولين، وأُخرى جلبت بعض الأسماء المعروفة. في «إنسايد آوت 2»، اعتُمد على عددٍ من الممثلين غير المعروفين أمثال مايا هوك، وليزا لابيرا، وتوني هايل، ولويس بلاك.

في «مونا 2»، استُعين باسم معروف واحد هو، دواين جونسون الذي تقاضى 50 مليون دولار وأُحيط بممثلين مجهولين. نعم الإقبال على هذا الفيلم أثمر عن 441 مليونَ دولارٍ حتى الآن (ما زال معروضاً)، لكن ليس بسبب اسم بطله جونسون، بل بسبب تطبيع جمهور مستعدٍ لأن يرى الفيلم حلقةً مسلسلةً أكثر مما يهتم لو أن جونسون أو دنزل واشنطن قام بالأداء الصوتي.

سقوط وونكا

أحد الأفلام العشرة كان من بطولة وحشين كاسرين هما غودزيللا وكينغ كونغ. معهما من يحتاج لممثلين معروفين، أشهر المشتركين كانت ريبيكا هول، أما الباقون فهم مجموعة جديدة أخرى لم يعد باستطاعة كثيرين حفظ أسمائهم.

يتمتع الفيلم الخامس في القائمة «Dune 2»، بوجود ممثلين معروفين أمثال تيموثي شالامي، وزيندايا، وخافيير باردم. لكن الكل يعرف هنا أنه لو لم يكن شالامي أو زيندايا أو باردم لكان هناك آخرون لن يقدّموا أو يؤخّروا نجاح هذا الفيلم، لأن الإقبال كان، كما كل الأفلام الأخرى، من أجله وليس من أجل ممثليه.

لهذا نجد أنه عندما حاول شالامي تعزيز مكانته ببطولة منفردة في «Wonka»، سقط الفيلم وأنجز أقلَّ بكثيرٍ ممّا وعد به.

ما سبق يؤكد الحالة الحاضرة من أن نظام إطلاق أفلام الرُّسوم والمسلسلات الفانتازية أثمر عن إضعاف موقع الممثل جماهيرياً. غداً عندما ينتهي كروز من عرض آخر جزءٍ من «المهمّة: مستحيلة» سينضمُّ إلى من أفُلَت قوّتهم التجارية أو كادت. سينضم إلى جوني دَب، مثلاً، الذي من بعد انقضاء سلسلة «قراصنة الكاريبي» وجد نفسه في وحول أفلام لا ترتفع بإيرادها إلى مستوى جيد.