«أوبك» تمدد تخفيضات إنتاج النفط 9 أشهر

بموافقة دول غير أعضاء لمواجهة تخمة المعروض وتصريف المخزونات

وزير الطاقة السعودي ونظيره الروسي وأمين عام أوبك يترأسون اجتماع المنظمة في فيينا أمس (رويترز)
وزير الطاقة السعودي ونظيره الروسي وأمين عام أوبك يترأسون اجتماع المنظمة في فيينا أمس (رويترز)
TT

«أوبك» تمدد تخفيضات إنتاج النفط 9 أشهر

وزير الطاقة السعودي ونظيره الروسي وأمين عام أوبك يترأسون اجتماع المنظمة في فيينا أمس (رويترز)
وزير الطاقة السعودي ونظيره الروسي وأمين عام أوبك يترأسون اجتماع المنظمة في فيينا أمس (رويترز)

قرر منتجو النفط أمس الخميس، تمديد تخفيضات إنتاج النفط 9 أشهر إلى مارس (آذار) 2018، في الوقت الذي تواجه فيه تخمة عالمية في معروض الخام، بعد أن شهدت الفترة الماضية انخفاضاً في الأسعار إلى النصف، وتراجعت الإيرادات بشكل حاد في السنوات الثلاث الأخيرة.
وصرح وزير الطاقة السعودي خالد الفالح عقب اجتماع 24 من الدول في مقر «أوبك» في فيينا: «فكرنا في مختلف السيناريوهات من 6 إلى 9 أشهر، حتى إننا فكرنا في خيارات زيادة الخفض».
وأضاف الفالح الذي تولى رئاسة الاجتماع مع وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك: «جميع المؤشرات قوية، إلا أن التمديد لمدة 9 أشهر هو الأفضل، وسيوصلنا إلى مخزونات في إطار معدل خمس سنوات بنهاية العام».
ومن المقرر أن تشترك نحو 10 دول غير أعضاء بقيادة روسيا، أكبر منتج للنفط في العالم في التخفيضات، كما فعلت بالتزامن مع منظمة البلدان المصدرة للبترول منذ بداية يناير (كانون الثاني).
كانت تخفيضات «أوبك» ساعدت في العودة بأسعار النفط فوق 50 دولاراً للبرميل هذا العام مما أعطى دفعة مالية للمنتجين الذين يعتمد الكثير منهم اعتمادا كثيفا على إيرادات الطاقة وقد اضطروا إلى السحب من احتياطيات النقد الأجنبي لسد فجوات في ميزانياتهم.
وشجع ارتفاع الأسعار هذا العام على زيادة إنتاج النفط الصخري بالولايات المتحدة غير المشاركة في اتفاق الإنتاج مما كبح استعادة التوازن بالسوق لتظل مخزونات الخام العالمية قرب مستويات قياسية مرتفعة.
وانخفض خام برنت نحو 4 في المائة إلى 51.33 دولار للبرميل، بعدما خابت آمال المراهنين على صعود السوق بسبب إحجام «أوبك» عن تعميق التخفيضات أو تمديدها لـ12 شهراً.
كانت «أوبك» اتفقت في ديسمبر (كانون الأول) على أول خفض للإنتاج خلال 10 سنوات وأول تخفيضات مشتركة مع المنتجين المستقلين بقيادة روسيا في 15 عاما. واتفق الجانبان آنذاك على خفض الإنتاج نحو 1.8 مليون برميل يوميا في النصف الأول من 2017 بما يعادل اثنين في المائة من الإنتاج العالمي.
ورغم تخفيضات الإنتاج، فقد أبقت «أوبك» على صادراتها مستقرة إلى حد كبير في النصف الأول من العام الحالي مع إقدام المنتجين على البيع من المخزونات.
وأبقت هذه الخطوة على مخزونات النفط العالمية قرب مستويات قياسية مرتفعة، مما اضطر «أوبك» لاقتراح تمديد الخفض لستة أشهر، لكنها اقترحت في وقت لاحق تمديدها تسعة أشهر بل واقترحت روسيا تمديدا أطول لمدة 12 شهرا.
وقال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح قبل الاجتماع: «ثمة مقترحات (بتعميق التخفيضات) وكثير من الدول أبدت مرونة لكن... ذلك لن يكون ضروريا».
وأضاف الفالح: «انخفاض مخزونات الخام الأميركية على مدار 7 أسابيع وتقلص المخزونات العائمة أخبار ممتازة»، مشيراً إلى أن الصادرات إلى الولايات المتحدة آخذة في الانخفاض بشكل ملموس. وأكد الفالح أن صادرات النفط ستنخفض مع ارتفاع الاستهلاك المحلي في الصيف.
* إعفاء نيجيريا وليبيا
قال الفالح إن من المقرر استمرار إعفاء نيجيريا وليبيا عضوي «أوبك» من التخفيضات حيث لا تزال الاضطرابات تكبح إنتاجهما. وأشار أيضاً إلى أن صادرات النفط تتجه للهبوط كثيراً بدءا من يونيو (حزيران) مما سيساعد على تسريع وتيرة إعادة التوازن للسوق. وسلط اجتماع أمس في فيينا الضوء على الحاجة لتعاون طويل الأمد مع المنتجين غير الأعضاء.
وقال جاري روس المسؤول المعني بشؤون النفط لدى بيرا إنرجي التابعة لستاندرد آند بورز جلوبال بلاتس: «روسيا لديها انتخابات وشيكة، وأمام السعوديين إدراج أسهم (أرامكو) العام المقبل، ومن ثم فإنهما ستتخذان في الواقع أي خطوات لدعم أسعار النفط». وتستهدف «أوبك» تقليص المخزونات من مستواها القياسي المرتفع البالغ 3 مليارات برميل إلى متوسط خمس سنوات البالغ 2.7 مليار.
وقال الفالح: «شهدنا تراجعا كبيرا في المخزونات ستتسارع وتيرته... ومن ثم سنحقق ما ننشده في الربع الرابع».
وتواجه «أوبك» أيضاً معضلة عدم دفع الأسعار للارتفاع إلى مستويات أعلى من اللازم، لأن ذلك سيشجع من زيادة الإنتاج الصخري في الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم، التي تنافس السعودية وروسيا حاليا على صدارة منتجي الخام في العالم. وقال جيمي وبستر مدير شؤون النفط لدى مجموعة بوسطن كونسلتنج: «التمديد لتسعة أشهر غير كافٍ في ظل الاتجاه الحالي للنفط الصخري. لم يحدث بعد التغلب على التحدي الاستراتيجي للنفط الصخري».
وقال وزير النفط الفنزويلي نلسون مارتينيز أمس الخميس، إن القضية الأهم لـ«أوبك» هي جلب الاستقرار إلى سوق النفط وتقليص المخزونات العالمية.
وأبلغ الصحافيين قائلا: «القضية الأهم هي تنظيم السوق وتحقيق الاستقرار بها... وخفض المخزونات إلى متوسط خمس سنوات».
وقال مارتينيز: «هذه مشكلة للمنتجين لا المصدرين. للمرة الأولى ندرك نحن من نملك مرافق لإنتاج النفط في بلداننا ضرورة تنظيم السوق وتحقيق الاستقرار بها... ونخفض إنتاجنا لخفض مستويات المخزون إلى متوسط خمس سنوات».
وأضاف أن فنزويلا، التي تعاني من ركود حاد وتشهد تظاهر آلاف المحتجين يوميا، تنتج حاليا نحو 1.97 مليون برميل يوميا من الخام. وقال مارتينيز إنه يتوقع تمديد الاتفاق الحالي تسعة أشهر لكن تمديده ستة أشهر «خيار مطروح» أيضا.
* تراجع عملات السلع الأولية نتيجة اجتماع «أوبك»
تراجع الدولار الكندي والأسترالي والنيوزيلندي تراجعاً حادا أمس، مقتدين بانخفاض في أسعار النفط بعد أن أخفق منتجو النفط الأعضاء في «أوبك» المجتمعة في فيينا في تخفيضات الإنتاج إلى ما هو أبعد من توقعات الأسواق. وتراجع الدولار الأميركي، الذي استقر بعد أسوأ أسبوع له في أكثر من عام، 0.1 في المائة مقابل سلة عملات، بينما ارتفع ارتفاعا طفيفاً إلى 111.75 ين و1.1213 دولار لليورو.
كان نظيره الكندي سجل في وقت سابق أعلى مستوياته في شهر عند 1.3385 دولار كندي للدولار الأميركي، بعد أن أصدر بنك كندا المركزي تقييماً أكثر تفاؤلا للاقتصاد عما توقعه بعض المستثمرين.
لكن العملة تخلت عن مكاسبها لتتراجع 0.2 في المائة إلى 1.3427 دولار كندي مع مواجهة النفط صعوبة في العودة للصعود على هامش اجتماع «أوبك». وانخفضت الكرونة النرويجية، المرتبطة هي الأخرى بالنفط في بادئ الأمر، ثم ارتفعت 0.1 في المائة إلى 9.3320 كرونة لليورو. وانخفض الدولار الأسترالي نصفا في المائة إلى 0.7466 دولار أميركي بعد تراجعه أمس الأربعاء إلى 0.7443 دولار أميركي، إثر خفض وكالة موديز تصنيفها الائتماني للصين.
ويستخدم الدولار الأسترالي عادة كوسيط عالي السيولة للمعاملات المرتبطة بالصين لكنه، شأنه شأن الدولار الكندي، يقتفي عادة أثر تحركات أسعار السلع الأولية الرئيسية.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».