هاكان فيدال.. كاتم أسرار أردوغان

رئيس الاستخبارات التركية.. «الشاويش» المتدين متهم بدعم المنظمات الراديكالية في سوريا

هاكان فيدال.. كاتم أسرار أردوغان
TT

هاكان فيدال.. كاتم أسرار أردوغان

هاكان فيدال.. كاتم أسرار أردوغان

خلال الأسبوعين الماضيين، حفلت الصحافة الغربية بسلسلة مقالات ذات طابع سلبي عن الدور التركي في المنطقة، كان قاسمها المشترك واحدا، وهو رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان، الذي اتُّهم بدعم المنظمات الراديكالية في سوريا وتنمية نفوذها، وصولا إلى تسليم جواسيس إسرائيليين لإيران.. لكن تركيا تصرفت على أساس أن هذه الانتقادات تتخطى فيدان ودوره لتطال رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان.
المعروف عن فيدان أنه قريب جدا من أردوغان إلى درجة أن البعض حار في توصيفه على أنه الرجل الثاني بعد أردوغان، أو الثالث في تركيا بعد أردوغان والرئيس عبد الله غل.
الوصف الذي اختاره له أردوغان كان.. «إنه حافظ أسراري. إنه حافظ أسرار الدولة»، بينما يقول الكاتب التركي المعروف جنكيز قاندار إنه بمثابة «كعب أخيل» لأردوغان، في إشارة إلى أن استهدافه غربيا هو استهداف لدور أردوغان.
يشير قاندار إلى الأهمية التي تعاملت فيها تركيا مع هذه الأخبار التي وردت في مقالات متعددة في صحيفة «وول ستريت جورنال» في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث تحدثت الصحيفة عن الدور المهم لفيدان في دعم المنظمات الراديكالية في سوريا، ثم في صحيفة «واشنطن بوست» في 16 أكتوبر التي تحدث تقريرها عن تسليم فيدان 10 جواسيس إسرائيليين لإيران، تلاه في 18 من الشهر ذاته تقرير لـ«نيويورك تايمز» يتحدث عن تراجع التعاون التركي - الإسرائيلي بسبب مخاوف من تسريب فيدان المعلومات إلى الاستخبارات الإيرانية وإلى المجاهدين في سوريا.
وعلى الرغم من أن تركيا كانت عند نشر التقارير في عطلة عيد الأضحى، فإن الردود انهمرت من كل حدب وصوب، فتحدث نائب رئيس الوزراء بشير بوزداغ دفاعا عن فيدان، مؤكدا أن ولاء ووطنية رئيس الاستخبارات التركية «هاكان فيدان» ليست موضوعا للنقاش. وقال بوزداغ: «على الجميع أن يعي هذه الحقيقة، وأن حكومة حزب العدالة والتنمية هي من وضعت فيدان على رأس عمله، ولن تعزله ولن تسمح لأحد بعزله».
أما وزير الخارجية أحمد داود أوغلو فقال إن «هذه المعلومة الخاطئة تظهر مدى امتياز العمل الذي يؤديه فيدان»، منددا بهذا «الافتراء» الهادف إلى تلطيخ «السمعة المحترمة»، التي تحظى بها تركيا.
وبينما تبارت الصحف الحكومية، أو تلك القريبة منها، في الرد على الاتهامات، مذكرة - كصحيفة «صباح» - بالأصول الأرمينية للكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس، وصف مسؤولون في أنقرة تقرير الصحيفة بأنه جزء من محاولة لتشويه سمعة تركيا من جانب قوى خارجية لا تشعر بالارتياح لتنامي نفوذ تركيا في الشرق الأوسط.
ويرى البار بيردال رئيس تحرير جريدة «صول» المعارضة، أن الحملة التي تشن الآن من أميركا وإسرائيل على فيدان هي «نتاج لبداية توسيع الهوة في وجهة النظر بين أميركا وتركيا حيال ما يجري في الشرق الأوسط».
ويقول بيردال لـ«الشرق الأوسط»: «لو نظرنا إلى الفترة التي بدأت بها الحملة لرأينا أنها أتت مباشرة بعد الادعاءات باستخدام سوريا السلاح الكيماوي، ومن ثم الاتفاق بين روسيا وأميركا على حل الأزمة السورية بالطرق السلمية، مما أدى إلى وقوع فراغ كبير وخيبة أمل من قبل حزب العدالة والتنمية، الذي كان يعد العدة للحرب على سوريا وابتلاعها، ولهذا بدأ أردوغان الانتقاد اللاذع للولايات المتحدة، وبدأ الخلاف يظهر على الساحة». ويستنتج أن «الولايات المتحدة التي بدأت تشعر بالقلق من تصرفات وتصريحات أردوغان اختارت هاكان فيدان، ليكون عنوانا لتوجيه انتقاداتها وهجومها لأردوغان».
وإذ يعترف بيردال بوجود «خلاف بين الحكومة والجماعات الدينية (في تركيا) حول اقتسام المناصب»، فهو يشير إلى أن «جماعة فتح الله غولان تعمل بأوامر من واشنطن، ولهذا لا أستغرب أن تكون الجماعة شنت الحملة على فيدان، ولكن لا أعتقد أن هناك تعاونا أو تنسيقا بين الجماعة ومخابرات دول أخرى»، مشددا على أن الولايات المتحدة «تريد أن توصل رسالة إلى أردوغان وطاقمه مباشرة، وسنرى تأثيراتها في الانتخابات المقبلة».
أما الكاتب إمري أوصلو من جريدة «طرف»، فيرى أن فيدان يعتبر الرجل الثاني في تركيا بعد أردوغان، في إدارة العمليات العسكرية والاستراتيجية، ومن الطبيعي أن يهتم الإعلام والشارع بهذا الرجل الغامض الذي يدير أهم العمليات في تركيا، ولا يظهر للإعلام مباشرة، مثل رئيس الوزراء أو الوزراء الذي نشاهدهم كل يوم، كما أن هذا الشخص هو المسؤول عن أهم العمليات التي تقوم بها تركيا في منطقة الشرق الأوسط، كما أنه هو الشخص الأكثر تأثيرا على أردوغان، وهو الذي يوجه في أغلب الأمور، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، سواء كانت هذه المعلومات أو هذا التوجيه على صواب أم على خطأ».
وإذ يستبعد أوصلو وجود حملة غربية ضد فيدان، يقر بوجود حملة إسرائيلية يضعها في إطار «الصراع بين الاستخبارات التركية والموساد»، ملاحظا أن «بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تعدت حدود المتعارف عليه إعلاميا، وهددت بتفجير سيارته».
تزامن بروز فيدان على الساحة التركية مع سياسة «العودة إلى الجذور» التي اتبعها رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان وعرابها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، صاحب نظرية «العمق الاستراتيجي» وسياسة «صفر مشكلات» مع دول الجوار، التي تُرجمت بعودة تركيا إلى العالم العربي، بعد انقطاع طويل فرضته سياسة التتريك، التي أطلقها مؤسس الجمهورية مصطفى كمال وسياسة الاتجاه غربا التي عمل عليها.
لم يكن فيدان بعيدا عن داود أوغلو؛ فهو من المقربين منه، وكذلك من أردوغان الذي احتضن «ضابط الصف» المتدين الذي لم يكن لأحد أن يتوقع له هذا البروز، باعتبار أن «الشاويش» لا مستقبل عسكريا له.
ولد هاكان فيدان في العاصمة أنقرة عام 1968. درس وتخرج في مدرسة قوات المشاة المحاربة عام 1986، ومن ثم درس في مدرسة اللغات التابعة للقوات المشاة. كذلك فإن لديه خبرة عملية في ميدان الاستخبارات، وعمل بين عامي 1986 و2001، في «وحدة التدخل السريع» التابعة للحلف الأطلسي، وعمل في صفوف فرع جمع المعلومات السريعة في ألمانيا. وفي تلك الفترة نال إجازة في العلوم السياسية من جامعة ميريلاند الأميركية، قبل أن ينجز الماجستير والدكتوراه في جامعة بيلكنت في أنقرة، مسقط رأسه. ويلقي أوصلوا بمجموعة من علامات الاستفهام حول دور فيدان، الذي كان «شاويشا»، وهو منصب لا مستقبل له في الجيش التركي، لأنه لن يترفع كثيرا من خلاله مهما طالت مدة خدمته، مشيرا في هذا الإطار أيضا إلى أن فيدان ذهب للخدمة في قواعد «الناتو» لمدة أربع سنوات، وكان يُعرف عن هاكان فيدان أنه متدين، ولكن في تلك الفترة كان المتدينين يطردون من الجيش التركي، فكيف يكافئ متدينا ويرسل للعمل في أهم مؤسسات «الناتو»؟ وهنا تكثر الشبهات حول فيدان، لأن الفترة التي أرسل بها هاكان إلى ألمانيا كانت تركيا تعيش فترة انقلاب 28 فبراير (شباط)، ولهذا بالنسبة لي يبقى إرساله على أساس أنه متدين إلى ألمانيا محلا للسؤال والشك!
ويضيف: «ولكن الذي يثير اهتمامي أن هاكان فيدان بعد الاستقالة مباشرة بدأ العمل في السفارة النمساوية في أنقرة كمستشار سياسي. واللافت للنظر هو أن هناك شخصين مهمين الآن في تركيا أيضا كانا قد عملا مستشارين للسفارة النمساوية في أنقرة، أحدهما وزير المالية محمد شمشيك، والآخر سعاد كينيكلي أوغلو، وهو عضو في اللجنة المركزية للعدالة والتنمية وعضو برلمان عن الحزب وأيضا من أصول عسكرية».
وتابع: «السؤال الذي يطرح نفسه هل الجهات التي فتحت لمحمد شمشيك وسعاد كينيكلي أبواب السفارة النمساوية هي التي فتحت أبواب السفارة لهكان فيدان؟».
وبعد أن أنهى فيدان فترة خدمة استمرت 15 عاما في صفوف القوات المسلحة استقال عام 2001 وهو برتبة ضابط صف، والتحق مباشرة بوزارة الخارجية مستشارا سياسيا واقتصاديا، ومن ثم عُيّن رئيسا لإدارة مؤسسة التعاون والتنمية التابعة لرئاسة الوزراء، وفي الوقت نفسه مساعدا لمستشار لرئاسة الوزراء، ومن ثم عين مستشارا للمسؤول عن السياسة الخارجية والأمن الدولي، ومن ثم عمل موفدا خاصا لرئاسة الوزراء.
وفي تلك الفترة، كان يرافق مستشار رئاسة الوزراء للسياسة الخارجية أحمد داود أوغلو في رحلاته الإقليمية، كما كان يعمل عن قرب ويرافق نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية آنذاك عبد الله غل في رحلاته الخارجية، كما كان يشارك في كثير من الوفود التي ترافق أردوغان في زياراته لخارج تركيا، أو عند استقباله للضيوف الأجانب من رؤساء ومسؤولين.
وبعد أن اعتلى غل منصب رئاسة الجمهورية، كان فيدان من بين المرشحين لرئاسة السكرتارية في القصر، لكنه عين في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008 لعضوية وكالة الطاقة الدولية. كما كان عضوا في منتدى التعاون والتنمية بين الشعوب التابع للأمم المتحدة، وعضو في هيئة إدارة جامعة أحمد يوسفس التركية في كازاخستان، وعضو في هيئة إدارة جمعية يونس أمري. عمل كثيرا من الأبحاث والدراسات في الأمن الدولي وفي التنمية الدولية والسياسة الخارجية التركية، كما قام بتدريس مادة العلاقات الدولية في جامعة حجة تبا وبلكنت.
ولم تكن الاستخبارات بعيدة عن طموحات فيدان، الذي كانت أطروحته لنيل الدكتوراه تحمل عنوان: «دراسة مقارَنة بين أنماط عمل أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية والتركية»، ومن ثم عين مساعد لمستشار المخابرات التركية.
وقبل تعيينه في 27/ 5/ 2010 مستشارا للمخابرات التركية، حصلت حادثة أظهرت النفوذ الذي يتمتع به فيدان. فقد استدعى قاضي التحقيق في قضية التنظيم السري لحزب العمال الكردستاني المحظور (بي كي كي) فيدان للتحقيق معه كمشتبه به مع أربعة من قيادات جهاز المخابرات، بعد الاشتباه في تقديمه الدعم للحزب الكردستاني المحظور، أو غض بصره عن معلومات مسبقة عن عمليات مسلحة وهجمات نفذها الحزب ضد رجال الأمن في تركيا، لكن حكومة أردوغان عمدت فورا إلى إرسال قانون يعطي الحصانة لرجال المخابرات من الإدلاء بأقوالهم أمام المحاكم الجنائية. وواجه القانون، الذي جرى إقراره خلال 48 ساعة فقط، انتقادا شديدا من المعارضة.
وفيدان هو المستشار الثاني الذي يعتلي ذلك المنصب من خارج المؤسسة الاستخباراتية، حيث كان تبتان جوسال هو المستشار الأول الذي عُيّن من خارج المؤسسة عام 1992. المعترض الأول على تعيينه كان «الموساد» الإسرائيلي؛ فحينها نشرت صحيفة «هآرتس» تقريرها عنه، ونقلت فيه مخاوف «الموساد» إزاء تعيينه، وذلك بسبب دوره في تنظيم «أسطول الحرية»، وبسبب قربه اللصيق من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم («العدالة والتنمية»)، ولدفاعه عن المصالح النووية الإيرانية.
لكن أردوغان كان يريد (وفق الصحف التركية) من تعيين الرجل المقرب منه المزيد من تحديث «وكالة الاستخبارات الوطنية» ومأسستها، وإبعادها عن سطوة العسكر، بما أنه لا يزال 50 في المائة من موظفيها من سلك الجيش. فعمل فيدان على تقسيم الاستخبارات إلى جهازين، أحدهما للداخل، والآخر للخارج، على غرار مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية، لتعزيز حضور الاستخبارات التركية في المناطق الساخنة، ولتلبية حاجات دور تركيا المتنامي، بدءا من الشرق الأوسط وجيرانها الروس والقوقاز وآسيا وأفريقيا وحتى الأميركيتين وأوروبا وإسرائيل.
بعد دوره البارز في كثير من الملفات، تصاعدت أصوات في تركيا توحي بوجود «دور مستقبلي» لفيدان في السياسة التركية الداخلية، لكن بيردال يستبعد أن يكون الأمر عبارة عن «تلميع» لصورة فيدان لإعداده لمنصب رئيس الوزراء أو وزير الخارجية في المستقبل، كما تردد في بعض الأروقة التركية. ويقول: «المتابع للسياسة التركية يرى أن الأمور لا تسير بهذا الشكل؛ فأردوغان يحكم قبضة على الحزب بكل قوة، وفيدان هو فقط رجل من رجال طيب أردوغان الذين يعتمد عليهم ويثق بهم، والدليل على هذا أن استخرج من أجله قوانين تحميه من ملاحقة القضاء له»، معتبرا أن «ما يجري الآن في كواليس السياسة هو مستقبل أردوغان، وليس مستقبل فيدان».
وإذ يدحض أوصلو «نظريات المؤامرة»، التي تتحدث عن تحضير فيدان لدور سياسي قد يكون رئاسة الوزراء، يشير إلى أن فيدان نفسه قد يعمل من أجل هذا من تلقاء نفسه. ويربط أوصلو مصير فيدان بمصير مرحلة الحل مع الأكراد، مشيرا إلى أنه إذا «نجحت الحكومة في إنجاح مرحلة الحل، فإن جميع الإيجابيات ستُسجل في خانة فيدان، وسيقوم الجميع بتقديره، وإذا عمّ السلام في الجنوب التركي فإن فيدان من الأوفر حظا للترشيح لرئاسة الوزراء لأن نجاحاته ستكون هي الدافع له، ولكن إذا عاد حزب العمال الكردستاني لحمل السلاح، وفشلت مرحلة الحل، إلى جانب الفشل الذريع الذي نالته الحكومة في سوريا وعلاقة الحكومة مع مصر التي لا تبشر بالتفاؤل، وبما أن فيدان لعب دورها في الثلاثة محاور، فإن الفاتورة سيدفعها فيدان، أي هو الآن على كف عفريت».



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.