غني لـ «الشرق الأوسط»: نريد الصلح مع باكستان لا الحرب

خمسة أشهر وهو ينتظر وعودا من الجانب الباكستاني في إنهاء بعض الدمار الذي حل على أفغانستان، لكن النتيجة كانت سيلا من الدماء التي شهدتها بعض المدن الأفغانية، نتيجة عمليات إرهابية، بعضها تبنته «طالبان»، حيث استهدفت شخصيات، وكذلك المصلون خلال صلاة الجمعة، ولا يزال الشعب الأفغاني وحكومته يوجهون اتهاماتهم إلى باكستان، لاحتضانها عناصر الإرهابيين من طالبان.
الرئيس الأفغاني، أشرف غني، قدم إلى العاصمة الرياض، ليطلب من دول العالم العربي والإسلامي خلال القمة العربية الإسلامية الأميركية، التدخل لإيقاف جريان دماء الأبرياء من العمليات الإرهابية، لا سيما أن عددا من قيادات تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين تم اصطيادهم على الحدود الأفغانية - الباكستانية، وآخرين يستقرون في باكستان، حيث هناك المأوى والسكن، ويعملون على جمع الأموال.
أكد غني أن بلاده لن تسمح أبدا باختطاف الإسلام من مجموعة متطرفين مختلين، وأن القمة العربية الإسلامية الأميركية نقطة تحول لمحاربة التطرف، وأن جميع الدول المشاركة في القمة العربية الإسلامية الأميركية تعهدت بالتشديد على منابع التمويل والتطرف في العالم الإسلامي.
ندر ما لاحظت الابتسامة على محياه، إلا حينما ذكر أثناء حواره مع «الشرق الأوسط»، أن مليون نسمة من الشعب الأفغاني بدأوا بالعودة إلى وطنهم، وقدموا من باكستان وإيران يبحثون بعد متاعب الغربة على محاولة استقرار على تراب وطنهم، وأن بعض الشعب الأفغاني بدأ الآن بالعمل على طرد فلول التنظيمات الإرهابية من «القاعدة» و«داعش»، إلى خارج المحافظات.
وفي ما يلي نص الحوار:
* ماذا بعد القمة العربية الإسلامية الأميركية؟
- يعد هذا المؤتمر الخطوة الكبرى الأولى نحو استعادة خطاب مجد الإسلام بصفته حضارة عالمية تقوم على العلم والسلام والتسامح. نحن القادة الشرعيون للعالم المسلم، نحمل بداخلنا القناعة والشجاعة للتعبير عن تطلعات وقيم شعوبنا.
والقمة العربية الإسلامية الأميركية نقطة تحول لمحاربة التطرف، فالشعب الغربي ينتقد زعماء العالم العربي والإسلامي ويقول إنهم مغيبون تماما عن مكافحة التطرف والإرهاب، إلا أنهم تأكدوا أن خادم الحرمين الشريفين وقادة دول العالم العربي والإسلامي يدافعون عن الإسلام المعتدل ضد الإسلام الوهمي.
والنقطة المهمة أن أقلية المتطرفين في العالم لا يستطيعون أن ينوبوا عن مليار ونصف المليار نسمة من المسلمين، وهذا مهم جداً، وهذه الرسالة لا بد من تكرارها في السنوات المقبلة.
وجميع الدول الحاضرة في القمة تعهدت بالجدية والصراحة في المستقبل، وفي النقطة الأولى تعهدت بالتشديد على منابع التمويل والتطرف في العالم الإسلامي، وهذا يتعلق بالخطوات العملية بعد القمة العربية الإسلامية الأميركية.
وتتعلق النقطة الثانية بتمويل الشبكات الإرهابية مثل «داعش» و«القاعدة» وغيرهما، وعملية انتقالها من بلد إلى بلد، وهذا يحتاج إلى خطوات قوية وجدية وعملية، كي نوضح للعالم بأننا أخذنا خطوات عملية بعد انعقاد القمة العربية الإسلامية الأميركية التي تكللت بالنجاح في الرياض، أول من أمس.
أما النقطة الثالثة فتتعلق بالمركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)، الذي دشنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والنجاحات التي سيحققها خلال الفترة المقبلة، في مكافحة التطرف وتعزيز الاعتدال، ومهامه في رصد وتحليل نشاطات الفكر المتطرف، ومواجهته.
وفي النقطة الأخيرة، تتحدث بعض دول العالم عن إرهابي جيد وإرهابي سيئ، حيث إن الإرهابيين الذين يقومون بعمليات إرهابية خارج بلدانهم يتم وصفهم بالإرهابيين الطيبين، والإرهابيون الذين يقومون بأعمال إرهابية داخل بلدانهم هم سيئون، ونظرتنا لهم أنه لا بد أن يسقط الاثنان، ومن هذه الجهة يجب أن توجد معايير لإيضاح أي دول تمول الإرهاب، وكذلك الأنظمة التي تعمل وراء دعم الشبكات والتنظيمات الإرهابية.
* ولكن هناك من يحاول اختطاف الإسلام عبر تحريض المتطرفين؟
- نحن قادة العالم المسلم المجتمعين هنا مع الرئيس ترمب، نبدي إصرارنا وعزمنا السياسي على تكريس طاقاتنا ومواردنا لمحو الخطر الدائم. واحتشدنا في السعودية حاضنة الكعبة وحامية الحرمين الشريفين، لنعبر عن تطلعات أكثر من 1.8 مليار مسلم والوقوف صفا واحدا ومتناغما وموحدا في وجه التطرف السياسي والإرهاب السياسيين. ولن نسمح أبدا باختطاف الإسلام من قبل مجموعة من المتطرفين المختلين.
وبطبيعة الحال، يحتاج الخطاب المقنع إلى عمل يفرض نفسه. وباعتباري رئيس بلد يعاني غزوا من شبكات إرهابية عابرة للحدود ومنظمات إجرامية دولية، أدعو إلى ضرورة التحرك سريعاً.
* التحرك عبر ماذا؟
- إقرار تعريف موحد للإرهاب، وتجنب التمييز السخيف والمضلل بين الإرهاب الصالح والآخر الطالح، وإقرار معايير تحدد ماهية رعاية الدول للإرهاب، وخلق آليات للتحقق والعمل الجمعي، وتحسين آليات التتبع ووقف التمويل الإرهابي، كما يتعين العمل على تعزيز الأمل من خلال برامج تعنى بالقضاء على الفقر والإقصاء والبطالة، وبالتالي خلق فرص أمام نسائنا وشبابنا وفقرائنا كي يصبحوا مواطنين منتجين.
* تحدث خادم الحرمين الشريفين، والرئيس الأميركي ترمب في القمة عن دور النظام الإيراني في دعم الإرهاب؟
- هذا الموضوع لا يقتصر على إيران فقط، بل كل الدمار يأتينا من باكستان، نحن اشتكينا مرارا وتكرارا أن باكستان تحرض الإرهابيين وتساعدهم عبر تمويل الإرهاب.
شبح الإرهاب يهدد عالمنا المترابط، في الوقت الذي تمكنت فيه الشبكات الإرهابية العابرة للقارات من تحويل العنف إلى مشهد متكرر. وتبدي مثل هذه المنظمات عزمها غرس بذور الفتنة والشقاق والخوف بين الحضارات والثقافات والشعوب والحكومات المختلفة. وهل ثمة حاجة إلى دليل أكبر من عزمهم على مهاجمة الحرم النبوي بالمدينة المنورة؟
المشكلة الأساسية هي باكستان، نحن قلنا تكرارا إن باكستان غير واعية لهذه المشكلة الرئيسية، بأن هناك حربا بدأت وهي غير إعلامية، بين باكستان وأفغانستان، ونحن نريد الصلح بين الدولتين، لا الحرب.
* في حواري السابق معكم في كابل، سألتك عن تواصل قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد بأجوا معكم للتهنئة بالعام الجديد، ووعدك بأن يكون هناك حالة مستقرة بين البلدين. هل التزم قائد الجيش بأجوا بذلك؟
- مع الأسف لم تحدث أي نتائج إيجابية، والسنة الماضية والجارية هما سنتان دمويتان لأفغانستان، وأطلب من العالم العربي والإسلامي إيقاف جريان الدم.
* هل باكستان حاضنة للجماعات الإرهابية؟
- أين قتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي السابق؟ هل أجابت باكستان أن بن لادن كان يعيش في مدينة عسكرية في باكستان؟ وماذا عن الحادث الذي وقع في مسجد في مزار شريف واستهدف 140 من الجيش الأفغاني الشهر الماضي، فالحادث كان إرهابيا، وجميع أفراد الجيش كانوا يؤدون صلاة الجمعة، دون أن يحملوا أسلحتهم معهم، أما «طالبان» فاعترفت أنها نفذت هذه العملية.
«طالبان» لديهم اليد العليا في باكستان، ومستقرون فيها من حيث السكن والمأوى، ويجمعون الأموال في باكستان.
وباعتبار أفغانستان دولة تقف على خط المواجهة في الدفاع عن الأمن الإقليمي والعالمي، فإننا نقدم تضحيات هائلة، وكذلك شركاؤنا من داخل حلف «الناتو» وخارجه الذين قدموا تضحيات من دماء وأموال، لضمان حريتنا وأمننا، ونحن نأمل أن تثمر القمة العربية الإسلامية الأميركية إجماعا قويا حول أفغانستان مستقرة ومزدهرة تفيد العالم بوجه عام والعالم المسلم ونطاقها الإقليمي بوجه خاص، ومن جانبنا نحن على أهبة الاستعداد للقضاء على التنظيمات الإرهابية «داعش» و«القاعدة» والجماعات الإرهابية الموالية لهما.
* هل «طالبان» تسير خلف عباءة الدين؟
- مع الأسف هذه هي المشكلة، لكن أهم ما ذكره الملك سلمان بن عبد العزيز هو وجوب التفريق بين الإسلام والذين يستخدمونه لأهداف أخرى.
وجود حركة طالبان في المنطقة سيسهل تنفيذ الأعمال الشنيعة التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية مثل «القاعدة» و«داعش» وغيرهما، والشيء المهم الذي نتوقعه من هذا المؤتمر أن باكستان و«طالبان» يجب أن يعلموا جيداً، أن الدول العربية والإسلامية وأميركا وصلت إلى نقطة التفريق بين المسلم والإرهابي.
* هل ثبت تورط «طالبان» في التفجير الذي راح ضحيته السفير الإماراتي في كابل وآخرون معه؟
- التحقيقات كانت في قندهار بالتواصل مع الشبكات الدولية، والتنسيق مع الجانب الإماراتي حول ذلك، والأشخاص المتورطون في تلك العملية أسماؤهم في باكستان، ونرجو من باكستان أن تقدم لنا المعلومات.
* إلى أين وصلت المصالحة الوطنية بين الحكومة و«طالبان»؟
- المصالحة نجحت في ثلاث نقاط، الأولى هي أن قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني استجاب ومد يديه للمصالحة، وقبل بالقوانين الأفغانية، وهذه خطوة ممتازة، وله تأثير كبير على البقية، والثانية أن أكثر من مليون أفغاني رجعوا من باكستان وإيران، منهم 650 ألف رجعوا من باكستان، وهذا يدل على أن الشعب الأفغاني وصل إلى نقطة أن استقرار الشعب يأتي من التكتل والتوحد داخل أراضيهم، وبالتالي قرروا الرجوع إلى أفغانستان، والثالثة أن الشعب الأفغاني بدأ في بعض المحافظات بمحاربة التنظيمات الإرهابية، ومنها تنظيما القاعدة وداعش، وطرد عناصرهما من مناطقهم، وما هو أهم أن الحكومة الأفغانية تريد المصالحة، ونرجو من «طالبان» أن يخيروا، فلو انتخبوا الصلح فسيحصلون على كل ما يريدونه عن طريق السياسة والقانون، ونحن نرجو من «طالبان» أن تبتعد عن الإرهابيين.
ومع هذا، الغلبة ستكون حتما لنا، لأننا نتحدث بلسان التعاون والتحضر والحوار والأمل في مواجهة الدمار والخوف والكراهية. بيد أن تحويل هذا الهدف إلى نتيجة ملموسة يتطلب تفاهما مشتركا وسياسات متناغمة وعملا دقيقا. ومن أجل إيجاد الزخم اللازم والمضي قدماً، نحن بحاجة إلى تعزيز التعاون القائم بالفعل، مثل منظمة التعاون الإسلامي، بجانب بناء آليات أخرى.
* هل لا يزال الطريق مسدودا بينكم؟
- الدستور الأفغاني يعطي كل مواطن حقه الكامل، وأنا بصفتي رئيسا للجمهورية مسؤوليتي لو أستطيع ألا تسيل قطرة دم أي مواطن أفغاني، فهذا واجبي، ونحن نستخدم كل الطرق التي تساعدنا على الحل، ولكن مع الأسف «طالبان» ليس لهم زعامة شخصية كحزب إسلامي.
* عقدتم لقاءات ثنائية على هامش القمة؟
- نعم، التقينا مع الجانب الأميركي، وتبادلنا سير العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، ولدينا اليوم (أمس)، لقاء مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
* هل ستطرحون موضوع التدخل في المصالحة مع الجانب السعودي؟
- نحن نرحب بدور السعودية في المصالحة الوطنية بين الحكومة و«طالبان».