حملة جديدة للنظام لـ«سوق الشباب إلى الموت»... و«معركة البادية»

أنباء عن جهود لتوفير بين 70 و100 ألف عنصر

عنصر تابع للنظام السوري يتحدث إلى مقاتلين معارضين لدى تهجيرهم من حي الوعر في حمص قبل أيام. (رويترز)
عنصر تابع للنظام السوري يتحدث إلى مقاتلين معارضين لدى تهجيرهم من حي الوعر في حمص قبل أيام. (رويترز)
TT

حملة جديدة للنظام لـ«سوق الشباب إلى الموت»... و«معركة البادية»

عنصر تابع للنظام السوري يتحدث إلى مقاتلين معارضين لدى تهجيرهم من حي الوعر في حمص قبل أيام. (رويترز)
عنصر تابع للنظام السوري يتحدث إلى مقاتلين معارضين لدى تهجيرهم من حي الوعر في حمص قبل أيام. (رويترز)

يشن النظام السوري حاليا حملة جديدة لأخذ الشباب إلى الخدمة الإلزامية والاحتياط في الجيش لتعويض النقص الكبير الذي أصابه جيشه بسبب فرار الكثير من عناصره وهجرة نسبة كبيرة من الشباب إلى دول أوروبية ومجاورة هربا من الموت على الجبهات، وسط تسريبات بأن الحملة تضمنت توفير بين 70 ومائة ألف عنصر.
وسربت مواقع إلكترونية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لأمر صادر من وزير دفاع النظام العماد فهد جاسم الفريج صادر في 16 الشهر الحالي وممهور بخاتمه وتوقيعه يطلب فيه من «الجهات ذات العلاقة» استدعاء مائة ألف عنصر «لخدمة الاحتياط لصالح جيش النظام «منهم 14452 صف ضابط و85584 فرداً»، بعد يوم حيث نشر صفحات على موقع «فيسبوك» موالية للنظام خبرا عن تحضيره لـ71 ألف دعوة احتياطية تشمل جميع المحافظات، وستطال من هم بين مواليد 1976 - 1984.
وتشهد الطرق الرئيسية في العاصمة دمشق وأطرافها منذ ثلاثة أيام حالة ازدحام غير مسبوقة بالسيارات بسبب التدقيق غير المسبوق من قبل عناصر الجيش النظامي والأمن والميليشيات ببطاقات الأشخاص. ولوحظ تجمع عشرات من الشباب أمام تلك الحواجز بانتظار استعادة بطاقاتهم ووجود حافلات في المكان احتجز بداخلها بعض الشباب لسوقهم بعد التأكد أنهم مطلوبون إما للخدمة الإلزامية أو الاحتياطية.
ولا يقتصر التدقيق على السيارات التي تمر عبر الحواجز، وإنما تشمل المارة في الطرقات، إضافة إلى عمليات تفتيش يقوم بها عناصر الأمن للمنازل في الأحياء بحثاً عن المتخلفين عن الخدمتين، إضافة إلى الحافلات والأماكن العامة والحدائق.
أحد المطلوبين لخدمة الاحتياط ويعمل مدرسا وبعد أن تبلغ أهله رسميا أنه مطلوب لخدمة الاحتياط مكث في المنزل وانقطع عن الدوام في وظيفته لأكثر من شهرين خوفا من إلقاء القبض عليه في إحدى الطرقات أو على حواز النظام، لكنه، بحسب ما تحدث ذويه لـ«الشرق الأوسط»، سيطرت عليه حالة من الخوف والرعب مع حملات التفتيش التي يشنها النظام للمنازل، الأمر الذي دفعه إلى الهروب إلى تركيا من خلال مهربين. ويقول أحد ذويه: «هكذا أفضل. لم نربيهم لكي يموتوا دفاعا عن نظام دمر البشر والحجر للبقاء على كرسي الحكم».
ويهرب معظم من هم في سن الخدمة الإلزامية إلى خارج البلاد خوفاً من إلحاقهم بجيش النظام لتأدية هذه الخدمة، التي بات من غير المعروف موعد انتهائها ومصير من يلتحق بها، خصوصاً أن غالبيتهم يتم الزجّ بهم في الصفوف الأمامية للجبهات الساخنة في القتال ضد مقاتلي المعارضة، وغالباً ما ينتهي مصيرهم إلى الموت، فيما يمتنع كثر من المنتسبين إلى «قوات الدفاع الوطني» عن الذهاب إلى تلك الجبهات، بحجة أنهم انتسبوا إلى هذه القوات لحفظ الأمن في أحيائهم والدفاع عنها. وبدا الثراء السريع في صفوف هؤلاء من طرق غير مشروعة، وهو ما ظهر جلياً عليهم، من خلال امتلاكهم سيارات فارهة، والبذخ الذي يقومون به على حياتهم المعيشية.
وقدّر تقرير سوري عدد المهاجرين خلال السنوات الأربع الأخيرة بأكثر من مليون شخص، فيما قالت مصادر الأمم المتحدة أن جداولها تضم 4.3 مليون سوري في خمس دول مجاورة، إضافة إلى 800 ألف لاجئ في أوروبا، معظمهم سوريون. وتحدّث التقرير عما يزيد عن مليوني عامل فقدوا وظائفهم، وهذا ما عرض حياة ومعيشة أكثر من 6.4 مليون نسمة للخطر وأدخل معظمهم دائرة الفقر المدقع.
مدير مديرية التجنيد العامة التابعة للنظام اللواء سامي محلا وفي تصريحات له نشرت أخيراً أكد على ملاحقة النظام الشباب لزجهم في القتال لجانبه، بقوله: إن «المديرية معنية برفد القوات المسلحة بالمكلفين بخدمة العلم الإلزامية والاحتياطية بدءاً من 18 وحتى 42 سنة، وهي معنية بتعزيزها بالقوى البشرية»، واعتبر أنه يجب تأمين مقومات ما سماه «الانتصار وأولها الرجال المكلفين بالالتحاق بالقوات المسلحة».
وأفاد شهود لـ«الشرق الأوسط» باعتقال قوات النظام خلال الأيام الثلاثة الماضية العشرات من الشباب المتخلفين عن الخدمة الإلزامية في الأماكن المزدحمة وسط دمشق واقتيادهم للتجنيد الإجباري.
وتشهد العاصمة دمشق منذ اندلاع الحرب في البلاد بين جيش النظام والمعارضة قبل أكثر من ست سنوات، حملات للسوق للتجنيد الإلزامي والاحتياط كل شهرين أو ثلاثة طالت مئات الشبان.
وعلى خلفية تلك الحملات تزايد انحسار وجد شريحة الشباب في أحياء دمشق وشوارعها الرئيسية، وباتت غالبية المارة في الشوارع هم من النساء والفتيات، وممن تجاوزوا سن الخدمة الاحتياطية من الرجال وطلاب المدارس والجامعات والمسنين، إضافة إلى المتطوعين في الميليشيات التي تقاتل إلى جانب قوات النظام، وسط تقديرات تشير إلى أرقام المتخلفين عن الخدمة الإلزامية يصل إلى مئات الآلاف منهم 50 ألفا من اللاذقية.
جاءت هذه الحملة مع عزوف الكثير من الشباب والموظفين لا بل ندرة الإقبال على التطوع فيما أسماه الروس والنظام «الفيلق الأول» الذي تم الإعلان عن تشكليه قبل عدة أشهر، وذلك رغم المرتبات المغرية التي يتم عرضها والتي تتراوح ما بين 300 إلى 700 دولار أميركي. ويمكن الاستدلال على ذلك من تصريحات لمحافظ القنيطرة أحمد شيخ عبد القادر نشرت مؤخرا عتب فيها على أهالي المحافظة لأن عدد من تطوع في الفيلق لا يتجاوز الـ«60» شخصا. ويعتقد الكثيرون الآن الحملة الحالية تهدف إلى زج من يتم سوقهم في معارك بادية الشام على الحدود السورية - الأردنية - العراقية التي ارتفعت وتيرتها مؤخرا وأن النظام وحلفاءه خصوصا إيران يولونها أهمية كبيرة لقطع الطريق على المعارضة.
في المقابل، قالت مصادر معارضة أن هذه الإجراءات تدل إلى مأزق ا يعاني منه النظام بعد ست سنوات من الحرب. واعتبرت أن توقيت هذا القرار يعود لسببين أساسيين، هما أن النظام يحاول الاستفادة من المناطق التي خضعت لما بات يعرف بـ«المصالحات القسرية» ليفرض على الرجال والشباب الذين فضلوا البقاء في مناطقهم تحت سلطته القتال إلى جانبه، بعدما كان أجبر الشباب الهاربين من الخدمة على الالتحاق بمراكزهم، وهو بذلك سيستفيد من «الهدنة» التي فرضها «اتفاق تخفيف التصعيد» للاستعداد إلى بعض المعارك أهمها معركة الجنوب وبالتالي زج هؤلاء على الجبهات.
وفي هذا الإطار، يقول العقيد مهنّد الطلاع، قائد، مغاوير الثورة، في الجيش الحر، لـ«الشرق الأوسط» «النظام وفي كل مرّة يقوم باتفاقات تهدئة يستفيد قدر إمكانه بإعادة ترتيب صفوفه استعداد للعودة إلى المعارك، وهو ما يحصل اليوم بعد اتفاق آستانة»، مرجّحا أن النظام يحاول أن يحشد بما يستطيع من قوة للقتال في البادية ومعركة الجنوب المرتقبة.
من جهته، قال وائل علوان المتحدث الرسمي باسم «فيلق الرحمن» لـ«الشرق الأوسط» إن «النظام يستغل كل الظروف والاتفاقات لتعزيز نفوذه وتوسيعها على الأرض، كل يكون جاهزا وحاضرا في أي لحظة يتم فيها التوصل إلى حل للأزمة بحيث يكون الواقع على الأرض لمصلحته، من هنا يحاول الاستفادة من اتفاق (تخفيف التصعيد) ولا سيما في المناطق غير الخاضعة له للتقدم وفرض سيطرته على أكبر مساحات ممكنة». ويوضح «وبالتالي تأتي دعوة النظام للشباب إلى الالتحاق في صفوف الجيش للاستفادة منهم في هذه المهمة بعدما كان قد بدأ يستفيد من الشباب في المناطق التي خضعت لسيطرته نتيجة ما أطلق عليها تسمية «المصالحات القسرية» في ريف دمشق وحمص ومحافظات أخرى»، مضيفا: «ومما لا شك فيه تبقى الوجهة الأساسية بالنسبة إلى النظام اليوم هي معركة البادية باتجاه دير الزور حيث السباق عليها بينه وبين المعارضة، لا سيمّا أن هذه المنطقة تعرف بأهميتها الجيوسياسية، لغناها بالنفط وبهدف إبقائها طريقا مفتوحا إلى العراق وإيران، وهذا الهدف يحتاج بلا شك لعدد كبير من المقاتلين والعناصر.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.