هل تعوق معضلة فرانكفورت العقارية أحلامها في خلافة لندن؟

«المصرف الأوروبي» دفع السوق إلى ارتفاعات «لا تعرف حدوداً»

مدينة فرانكفورت الألمانية من المدن الأوروبية التي بدأت تتحضر منذ إعلان الانفصال البريطاني لكي تكون المكان البديل للندن  (رويترز)
مدينة فرانكفورت الألمانية من المدن الأوروبية التي بدأت تتحضر منذ إعلان الانفصال البريطاني لكي تكون المكان البديل للندن (رويترز)
TT

هل تعوق معضلة فرانكفورت العقارية أحلامها في خلافة لندن؟

مدينة فرانكفورت الألمانية من المدن الأوروبية التي بدأت تتحضر منذ إعلان الانفصال البريطاني لكي تكون المكان البديل للندن  (رويترز)
مدينة فرانكفورت الألمانية من المدن الأوروبية التي بدأت تتحضر منذ إعلان الانفصال البريطاني لكي تكون المكان البديل للندن (رويترز)

منذ أن أقرَّت الحكومة البريطانية الخروج من الاتحاد الأوروبي، وكثير من البلدان تعمل على تطوير البنى التحتية في مدنها الكبيرة، التي تتمتع بمركز مالي دولي، وذلك لكي تحل مكان لندن عاصمة المال والأعمال. وظلت فرانكفورت طوال عقود غير قادرة على منافسة لندن، لكن اليوم قد تكون الظروف متوفرة لذلك، فمواصلة عاصمة الضباب احتلال مركزها المالي الأوروبي الحالي يتناقض مع قوانين الاتحاد الأوروبي التي تنص على أن تكون المؤسسات الأوروبية في بلدان تابعة للمجموعة الأوروبية وتعمل تحت مظلَّتِها.
لكن يجب أن تتوفر لدى المدينة أو العاصمة البديلة شروط لا يمليها الاتحاد الأوروبي، بل شروط مالية تفرض نفسها. فلندن تعتبر عاصمة لسوق الأعمال المصرفية الأوروبية، وهذا القطاع كان يستمد جاذبيته من ثلاثة عناصر رئيسية: أولها اللغة الإنجليزية، باعتبارها اللغة الاقتصادية والمالية العالمية. وثانيها منظومة القوانين واللوائح البريطانية المنظمة لعمل المصارف وقطاع الأعمال المالي... وأخيراً البنى التحتية وموقع لندن المركزي بالنسبة إلى أوروبا. فكل هذه العناصر جعلت كثيراً من المصارف تختارها مركزاً لها، وهو ما فعلته أيضاً مؤسسات مالية غير أوروبية كالمؤسسة الأميركية «غولدمان ساكس» التي قررت بناء مركز أوروبي لها في لندن، يفترض أن يكون جاهزاً عام 2019... لكن هذه الخطط لا يُعرَف مصيرها بعد خروج بريطانيا.
ولقد أجبر الوضع الجديد مؤسسات كثيرة على إعادة حساباتها والبحث عن مكان بديل، بعضها حسم الأمر، مثل مصرف «إتش إس بي سي» البريطاني الذي أعلن عن عزمه نقل خُمس موظفيه من لندن إلى العاصمة الفرنسية باريس، والمصرف السويسري «يو بي إس» الذي عزم على تغير مركزه الأوروبي وقد يكون في فرانكفورت. إضافة إلى أن هجرة مؤسسات مالية مهمة «غير أوروبية» سترفع عدد الموظفين والعاملين في قطاع المال الأوروبي ليصل إلى نحو 80 ألف شخص.
والجانب الآخر الذي يدعو المصارف إلى سرعة الانتقال إلى مدن لها تبعية للمصرف المركزي الأوروبي، يتصل بأن مواصلة بقائها في لندن يجعلها تخسر جزءاً من حقوق الدخول إلى سوق المال والأعمال الأوروبي.
* أبرز المنافسين
ومع أن خبراء اقتصاد ومال يستبعدون حدوث هجرة فورية تامة لقطاع المال وشركات الخدمات المالية من العاصمة لندن في المدى القصير، أي الخمس سنوات القادمة على الأقل، فإن الكثير من العواصم والمدن الأوروبية الكبيرة بدأت تتحضر منذ إعلان الانفصال البريطاني، لكي تكون المكان البديل للندن، ومن بينها فرانكفورت التي وضعت على لائحة المدن المنافسة لها، ومنها باريس الفرنسية ودبلن الآيرلندية وإمارة لوكسمبورغ، ومدريد الإسبانية، وأمستردام الهولندية.
فباريس تعتبر نفسها المركز المالي العالمي «تاريخياً»، مما يجعلها - حسب تقديرها - المحرك المهم في سوق المال والأعمال الأوروبي. ويذكّر الراغبون في جلب المؤسسات المالية التي سوف تنتقل من لندن بأن لدى باريس كل المميزات. فقطاعها المصرفي يضم أكثر من 145 ألف موظف وفيها مجلس الإشراف الأوروبي على الأوراق المالية وخمسة من أكبر مصارف أوروبا. والمصارف الموجودة في باريس تشرف على إدارة أصول قيمتها 1.5 تريليون يورو. كما أنه لا يوجد مركز مالي آخر تصدر فيه سندات شركات سوى في باريس، ولديها النية لخفض نسبة الضريبة على الشركات من 28 إلى 33 في المائة... لكن نقطة الضعف فيها أن قرابة 40 في المائة من الفرنسيين العاملين في قطاع المال لديهم إلمام بسيط باللغة الإنجليزية أو لا يتقنونها بطلاقة.
وتبرز لوكسمبورغ، هذه الإمارة الصغيرة، لتبارز المدن الكبيرة، وتتربع على قائمة المدن المالية العالمية، فمن أصل 540 ألف نسمة يعمل، في قطاعها المالي 26 ألف موظف، وتعطي حكومتها أهمية كبيرة للصناعة المالية، وكثير من سكانها يتقنون إلى جانب الألمانية الفرنسية والإنجليزية بطلاقة.
إلا أن العامل السلبي لديها مساحتها الصغيرة. وقد يحدث انتقال عشرات الآلاف من الموظفين العاملين في المؤسسات المالية انفجاراً سكانياً. والسلبيات الأخرى أن فيها القليل من خبراء الاجتهادات القانونية، فكلية الحقوق افتتحت قبل سنوات قليلة فقط. والمنافس العنيد هي دبلن، فانخفاض الضرائب فيها يجذب رؤوس الأموال والشركات الأجنبية، وبالأخص الأميركية، ومن بينها «غوغل» و«فيسبوك»، وعدد من مصانع التقنيات المتطورة... ولا تحتاج الشركات المهاجرة إليها إلى التفكير الطويل، فنظام آيرلندا القانوني «أنغلو سكسوني»، أي متشابه مع البريطاني، ولا توجد حواجز لغوية، فاللغة الرسمية هي الإنجليزية... لكن المشكلة في اقتصادها الذي سوف يعاني بشدة إذا ما استقَلَّت عن بريطانيا.
* أزمة فرانكفورت
وحيال واقع هذه المدن يعتقد كثيرون أن فرصة مدينة المال والأعمال فرانكفورت قد تكون الأكبر. فإلى جانب مقر مؤشر داكس للبورصة العالمية، يتربع في وسطها التجاري المصرف المركزي الأوروبي، ويعمل اليوم نحو 60 ألف موظف في قطاع المال والمصارف والبورصة، ولأغلب المصارف الدولية فروع هناك.
وهذه النقاط تجعل انتقال هذه المصارف أقل كلفة وأسهل، فهي ليست بحاجة إلى ترخيص عمل. يضاف إلى ذلك وجود مؤشر بورصة يوراكس والمئات من المؤسسات المالية العريقة والمصارف الكبيرة ومطارها الضخم الذي لا يبعد كثيرا عن قلب المدينة... لكن مشكلتها في انخفاض مستوى اللغة الإنجليزية لدى العاملين في الأوساط المالية والمصرفية، وإذا ما انتقلت المؤسسات المالية إليها سيكون هناك أكثر من 15 آلاف مكان عمل جديد خلال خمس سنوات، وعليه، يجب توفير مساكن لموظفيها... والمدينة بالأصل تعاني من أزمة سكن خانقة، وزاد من الأمر حدة ارتفاع بدل الإيجارات وثمن العقارات في الآونة الأخيرة، كما الحال في معظم المدن الألمانية.
فالسكن بحد ذاته لسكان فرانكفورت يشكل أزمة منذ زمن، إن كان من حيث بدل الإيجار أو العدد... فعدد سكانها بازدياد بحسب إحصائيات عام 2016، وصل إلى ما يناهز 730 ألف نسمة، بزيادة أكثر من 5000 ساكن، خلال الأعوام الخمس الماضية. وهذا رقم قياسي جديد، ويُعدّ ارتفاعاً أكبر من أي وقت مضى، كما يقول أوليفر شفانك مدير شركة «ناسبا» للعقارات في فرانكفورت.
والارتفاع طال أيضاً بدل الإيجارات وثمن الشقق والمباني السكنية والمكاتب والمباني التجارية، مما دفع بكثير من سكانها إلى تفضيل السكن في الضواحي أو المدن القريبة، مثل فيسبادن التي ترتفع فيها أسعار العقارات، لكن ببطء.
ولا يبالغ شفانك إذا ما قال إنه يتوقع ارتفاعاً صاروخياً لبدل الإيجارات السكنية والتجارية، إذا ما حَلّت فرانكفورت محل لندن، فسعر بيع المتر المربع حالياً في المباني الجديدة يتجاوز 16.5 ألف يورو، وأصبحت المدينة غير قادرة على تلبية الطلب المتزايد على المساكن بسبب النمو السكاني... وسوف تتفاقم المشكلة إذا ما زاد التدفق البشري إليها.. وهذا يتطلب زيادة مساحات البناء، وقد تكون فرصة لمن يريد طلب قرض مصرفي للمشاركة في موجة التعمير والبناء بسبب انخفاض نسبة الفوائد للقروض نتيجة سياسة المصرف المركزي الأوروبي.
وإلى جانب فرانكفورت، سوف تتوسع أيضاً مناطق محيطة بها، مثل منطقة تاونوس، التي تبعد عن فرانكفورت 30 كيلومتراً، وفيسبادن التي تبعد عنها بزمن قدره 38 دقيقة فقط بالسيارة، والتي تقل فيها أسعار العقارات عن فرانكفورت بنسبة نحو 50 في المائة.
* مدينة لا تنام
وفرانكفورت من المدن التي لا تنام... ويقول سكانها عنها إنها «مدينة يسكن فيها العالم بالكامل»، وذلك رغم أن البريطانيين يرونها «مملة». ونسبة الأجانب في فرانكفورت تقارب 28.8 في المائة من السكان... فواحد من بين كل أربعة من قاطني المدينة لا يحمل الجنسية الألمانية، وقد تضاهي مدينة نيويورك الأميركية من حيث التنوع البشري، إذا ما انتقلت إليها المؤسسات المالية التي ستهاجر من لندن.
والقائمون على المدينة يريدون الآن استغلال كل الفرص لتكون البديل عن لندن، فهناك خطط لإنشاء مواقع مؤسسات بحوث مالية وتجارية إلكترونية «أون لاين» باللغة الإنجليزية.
ولا يحتاج المرء للبحث طويلاً داخل فرانكفورت، ففيها كل وسائل الترفيه والراحة والاستجمام والرياضة، من متاحف ومعارض ودور مسرح وحتى حقول لعب غولف. وتعرض مؤسسات بلدية المدينة على الوافدين الجدد خدماتها من نصائح عند البحث عن مدارس للأولاد ورياض أطفال أو جامعات أو معاهد تعليم أو مساكن والخدمات متوفرة على شبكة الإنترنت باللغة الإنجليزية على مدار 24 ساعة. وتنافس فرانكفورت ميونيخ في قطاعها الطبي، حيث فيها أفضل الأنظمة الصحية الألمانية لكل التخصصات والعلاجات، وبالإضافة إلى ذلك لديها بنية تحتية جيدة وشبكة مواصلات بسبب وجود المطار الدولي فيها مع قطار سريع يربط المدينة بالمطار، ووضعت هذا العام في المرتبة الثانية بعد ميونيخ وفي الترتيب السابع كأقل نسبة ارتكاب جرائم فيها.
* أسعار ترتفع من دون توقف
ولقد أحدث وجود المصرف المركزي الأوروبي في شرق مدينة فرانكفورت في حدوث تغييرات سريعة في هذا الحي بالذات، فتحول إلى تجمع سكني فخم جداً بسبب تفضيله من قبل عدد كبير من موظفي المصرف، لأن إدارة المصرف تمنحهم دعماً مالياً كبيراً من أجل سكنهم... فيختارون بالتالي سكناً قريباً من العمل. وهذا سَبَّب ارتفاع الإيجارات بشكل كبير، مما دفع أصحاب الشقق إلى إغراء الساكنين القدامى لترك العقار من أجل الكسب السريع.
ولقد تأثر المحيط القريب من موقع المصرف الأوروبي، فتحول إما إلى مكاتب أو شقق فخمة، لا يستطيع دفع بدل إيجارها إلا كبار موظفي المصارف الدولية، لذا فإن 70 في المائة منهم يسكن في هذا الحي، لكن الكثير من الشقق والمكاتب تبقى خالية، نظراً لأسعارها «الخيالية».
وفرانكفورت المدينة الوحيدة في ألمانيا التي يوجد بها ناطحات سحاب، ففيها أكثر من 30 ناطحة سحاب بعلو يتجاوز المائة متر، و14 أخرى بعلو يصل إلى 150 متراً. وفي عام 2018 سوف يتم إنجاز بناء في منطقة تلي نورما إريال، مكون من عمارة مرتفعة مع حديقة كبيرة على سطحها، وسيضم هذا المبنى 212 شقة ما بين شقق بغرفة واحدة وشقق بخمس غرف.
وارتفاع أسعار الشقق يطال أيضاً الأحياء المتوسطة ودون المتوسطة، وزاد خلال السنوات القليلة الماضية سعر المتر المربع أكثر من 30 في المائة، وتُعرض اليوم شقق سكنية مكونة من أربع غرف ومساحة تتراوح ما بين 162 و190 متر مربع بأكثر من نصف مليون يورو، ربما يتجاوز سعر شقق أصغر أيضاً حدود 700 ألف يورو. وتوجد شقق صغيرة بدل إيجارها «متهاود»، لكنها بعيدة عن المركز المالي. فبدل إيجار شقة بمساحة 20 متراً مربعاً مع حمام ومطبخ صغيرين يتجاوز 800 يورو شهرياً، يضاف إليها قرابة نفس المبلغ للكهرباء والماء والهاتف وتكاليف أخرى. أما بدل إيجار الشقة القريبة من وسط المدينة، وبمساحة 60 متراً مربعا فيقارب 5 آلاف يورو شهرياً.
أما ثمن الشقق في مباني مخصصة لمكاتب المحامين والسماسرة والأطباء أو الشركات العالمية، خصوصاً في ناطحات السحاب، فيقارب حدود 6 ملايين يورو، ومساحتها بحدود الـ2000 متر مربع... بينما تتراوح أسعار المكاتب بمساحات متوسطة، أي 256 متراً مربعاً، ما بين 750 إلى مليون ونصف المليون يورو. ومن أجل أسعار أرخص، فهناك مكاتب في منطقة تاونوس بثلاث غرف وبسعر متوسطه 375 ألف يورو فقط.



هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
TT

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل

يتعين على ديانا كارلين الانتهاء من تأليف الكتاب الذي تعمل عليه بشأن متعة امتلاك بوتيك لولا ستار، ذلك المتجر الصغير والساحر للغاية في ممشى كوني آيلاند، على مدى السنوات الـ19 الماضية. لكن بدلا من ذلك، انتابت السيدة كارلين حالة من الخوف والتوتر منذ أن عرض عليها مالك المتجر الذي تعمل فيه عقدا جديدا للإيجار منذ عدة أسابيع - تزيد فيه القيمة الإيجارية بنسبة 400 في المائة دفعة واحدة. وقالت: «إنني أتساءل إن كان ينبغي علي أن أطلب لافتات (التوقف عن العمل!)».
وفي الصيف الماضي، كانت كوني آيلاند في حي بروكلين بمدينة نيويورك تزدحم بالباحثين عن الاستمتاع على الشواطئ ومختلف أشكال الترفيه الأخرى، ولكنها تميل لأن تكون أكثر هدوءا في فصل الشتاء. وقبل أكثر من عشر سنوات مضت، تعهدت مدينة نيويورك بإنشاء وجهة سياحية ذات حديقة مائية، وساحة كبيرة، وحلبة للتزلج على الجليد، تعمل على مدار السنة، مع ملايين الدولارات من الاستثمارات السكنية والتجارية.
وفي الأثناء ذاتها، قال مايكل بلومبيرغ - عمدة مدينة نيويورك آنذاك، إنه سوف تتم حماية مطاعم الأكل والمتاجر الرخيصة في المنطقة. وكان مارتي ماركويتز رئيس مقاطعة بروكلين قد أعلن في عام 2005 أن الخطة المزمعة سوف تحافظ على الروعة التي تنفرد بها كوني آيلاند مع روح المحبة والمرح المعهودة. ولكن على غرار الكثير من الخطط الكبرى في مدينة نيويورك، لم تتحقق الرؤية الكاملة للمشروع بعد. فلقد بدت كوني آيلاند خالية بصورة رسمية بعد ظهيرة يوم من أيام يناير (كانون الثاني) الماضي، وصارت بعيدة كل البعد عما تعهدت به إدارة المدينة عن الجاذبية والنشاط على مدار العام كما قالت. إذ تهب الرياح الصاخبة على منشآت مدن الملاهي الشهيرة مثل لونا بارك وستيبلشيز بارك، ولكن لا وجود لحلبة التزلج أو الحديقة المائة، حيث لم يتم إنشاء هذه المنشآت قط.
والآن، وفي مواجهة آلة التحسين التي تتحرك بوتيرة بطيئة للغاية، أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند مجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل. تقول السيدة كارلين: «إنهم يحاولون الآن تحويل ساحة اللعب المخصصة لعوام الناس إلى ملعب خاص بالأثرياء فقط».
وكانت السيدة كارلين، رفقة 5 آخرين من أصحاب الشركات الصغيرة في كوني آيلاند - وهم: ناثان فاموس، وروبي بار آند جريل، وبولز دوتر، ومطعم توم، وبيتش شوب - يتفاوضون على عقود جديدة للإيجار تمتد لمدة 10 سنوات مع شركة «زامبيرلا»، وهي الشركة المالكة للمتنزه الإيطالي التي تعاقدت معها مدينة نيويورك قبل عشر سنوات لبناء وإدارة منطقة لونا بارك الترفيهية في كوني آيلاند، والتي تعد الشركات الصغيرة المذكورة جزءا لا يتجزأ منها.
وجاءت شركة «زامبيرلا» بشروط جديدة: زيادة القيمة الإيجارية من 50 إلى 400 في المائة لكل شركة من الشركات المذكورة. وتقول السيدة كارلين عن ذلك: «إنني أعشق كوني آيلاند، والحصول على هذا المتجر على الممشى السياحي كان من أحب أحلام حياتي. ولكن ليست هناك من طريقة أتمكن بها من تحمل الشروط الجديدة».
وفي رسالة وصلت إلى صحيفة «نيويورك تايمز» من أليساندرو زامبيرلا رئيس الشركة المذكورة، جاء فيها: «نحن نهتم بشؤون كوني آيلاند ومستقبلها، ونحن ملتزمون بتحويلها إلى أقوى مجتمع يمكن بناؤه. وذلك هو السبب في تواصلنا مع المستأجرين لضمان نجاح أعمالهم ضمن المحافظة على شخصية كوني آيلاند المميزة».
ورفض السيد زامبيرلا، الذي كان في رحلة سفر إلى إيطاليا، الإجابة عن أسئلة محددة طرحتها عليه صحيفة «نيويورك تايمز»، غير أنه أضاف يقول إن ثلاثة من أصل ست شركات قد وافقت بالفعل على عقود الإيجار الجديدة ووقعت عليها، وإن الشركات الأخرى تحقق تقدما ملموسا على هذا المسار.
أثارت الزيادات المقترحة في القيمة الإيجارية على الشركات الست الصغيرة حالة من الشد والجذب الشديدة المستمرة منذ سنوات داخل كوني آيلاند.
ففي عام 2009، وبعد مواجهة استغرقت 4 سنوات كاملة حول أفضل خطط إحياء وتجديد المنطقة، ابتاعت المدينة تحت رئاسة مايكل بلومبيرغ 7 أفدنة في منطقة الترفيه المضطربة من المطور العقاري جوزيف سيت مقابل 95.6 مليون دولار.
وأراد مايكل بلومبيرغ استعادة المنطقة إلى سابق عهدها، والتي بدأت تواجه الانخفاض منذ ستينات القرن الماضي، من خلال تعزيز تطوير المتاجر والشقق على طول طريق سيرف في المنطقة. وكانت الشركات التي افتتحت في فصل الصيف تنتقل إلى جدول زمني للعمل على مدار العام، مما يساعد على تعزيز رؤية مايكل بلومبيرغ باعتبار كوني آيلاند أكبر مدينة للملاهي الترفيهية والحضرية في البلاد.
ثم استأجرت شركة «زامبيرلا» الأرض من المدينة، مما أتاح لها افتتاح مدينة لونا بارك الترفيهية في عام 2010، مع إملاء عقود الإيجار الخاصة بالشركة مع أصحاب الشركات الصغيرة، ومطالبة هذه الشركات بتسليم جانب من الأرباح المحققة إلى المدينة.
وتعرضت الشركات العاملة على الممشى السياحي في المنطقة للإغلاق، حيث عجزت عن الاتساق مع الرؤية الجديدة للشركة الإيطالية. وكانت شركات صغيرة أخرى، مثل متجر السيدة كارلين، قد عاد للعمل بعد قرار الإخلاء الذي تعرضت له في عهد المطور العقاري جوزيف سيت.
وبحلول عام 2012، كانت جهود الانتعاش جارية على قدم وساق، وشهدت المنطقة نموا في الجماهير والإيرادات. وقالت السيدة كارلين إنها حققت أرباحا بنسبة 50 في المائة تقريبا بعد تولي شركة «زامبيرلا» مقاليد الأمور.
وقال سيث بينسكي، الرئيس الأسبق لمؤسسة التنمية الاقتصادية، حول المنطقة: «يعتقد أغلب الناس أنه قد جرى تطوير المنطقة لتتوافق مع التاريخ المعروف عن كوني آيلاند». ومع ذلك، فإن منطقة الملاهي لا تعمل على مدار السنة. وقال مارك تريغر، عضو مجلس المدينة الممثل لقطاع بروكلين الذي يضم كوني آيلاند، إنه يعتقد أن الوضع الراهن نابع من ندرة الاستثمارات من قبل مجلس المدينة وعمدة نيويورك بيل دي بلاسيو ضمن أهداف المدينة لعام 2009. وقال السيد تريغر: «لا تعرف الشركات إلى أين تذهب كوني آيلاند في ظل إدارة دي بلاسيو للمدينة. فهناك قصور واضح في الرؤية ولا وجود للخطط الشاملة بشأن تحسين المنطقة». وأضاف أن الوعود غير المتحققة منحت شركة «زامبيرلا» قدرا من النفوذ لإضافة المزيد من الأعباء على المستأجرين للمساعدة في استرداد الأرباح المهدرة. وقال إن هؤلاء المستأجرين قد استثمروا أموالهم هناك تحت فكرة تحول هذه المنطقة إلى وجهة سياحية تعمل طوال العام، مع حركة السير على الممشى طيلة السنة، على العكس من 3 إلى 4 أشهر من العمل فقط في العام بأكمله. ولا يمكن لأحد السماح بتحويل الأراضي العامة إلى سلاح باسم الجشع لإلحاق الأضرار بالشركات الصغيرة.
ولقد أعربت السيدة كارلين رفقة العشرات من العمال الآخرين في كوني آيلاند عن اعتراضهم على زيادة القيمة الإيجارية وذلك بالوقوف على درجات سلم مجلس المدينة في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وفي مقابلة أجريت مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وصف نورمان سيغيل محامي الحقوق المدنية قرار شركة «زامبيرلا» بأنه غير مقبول تماما، وأضاف أنه ينبغي على عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو التدخل في الأمر. وأضاف المحامي سيغيل أن إدارة مجلس المدينة يجب أن تطالب الشركة الإيطالية طرح شروط إيجارية معقولة، وإذا لم يحدث ذلك، فينبغي على المدينة التفكير جديا في سحب عقد الإيجار من شركة «زامبيرلا»، التي أفادت في محاولة لتحسين النوايا بأنها سوف تمدد الموعد النهائي للسيدة كارلين لتوقيع عقد الإيجار الخاص بها حتى يوم الأربعاء المقبل.
وقالت السيدة كارلين عن ذلك: «يقضي صاحب الشركة عطلته في إيطاليا في حين أنني أبذل قصارى جهدي لمجرد إنقاذ متجري الصغير ومصدر معيشتي الوحيد». ورفض السيد زامبيرلا وأصحاب الشركات الخمس الأخرى التعليق على عقود الإيجار الخاصة بهم، برغم أن الكثير من الشخصيات المطلعة على الأمر أكدوا أن الزيادة تتراوح بين 50 في المائة للمتاجر الكبيرة و400 في المائة لمتجر السيدة كارلين الصغير، والتي قالت إنها تعتقد أن الشركات الأخرى لم تتحدث عن المشكلة علنا خشية الانتقام من الشركة الإيطالية ومخافة قرارات الطرد.
وأضافت السيدة كارلين تقول: للتعامل مع الزيادات المطلوبة في الإيجار قرر أصحاب المتاجر رفع الأسعار، وإن أحد المطاعم أجرى تغييرات للانتقال من مطعم للجلوس وتناول الطعام إلى مطعم للوجبات السريعة للحد من التكاليف.
واستطردت السيدة كارلين تقول: «حاولت تقديم الالتماس إلى مجلس المدينة مرارا وتكرارا من خلال المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني والاحتجاجات خلال الشهر الماضي - ولكن لم يتغير شيء حتى الآن. وقال لها مجلس المدينة إنه غير قادر على المساعدة وليس هناك الكثير مما يمكن القيام به، ولكنني لا أوافق على ذلك، فهم أصحاب الأرض التي يستأجرها منهم زامبيرلا».
وقال المحامي سيغيل إن الزيادات باهظة للغاية لدرجة أنها قد تكون سببا وجيها للتقاضي، وأضاف: «هناك عدد من السوابق القضائية في ذلك إذا قررت المحكمة أن ما تقوم به الشركة غير معقول، ويمكن أن يكون ذلك من المطالب القانونية المعتبرة في حد ذاتها».
وليست هناك مؤشرات عامة في مجلس المدينة بشأن خطط سحب عقد الإيجار من زامبيرلا، أو التدخل، إذ إن زيادة القيمة الإيجارية لا تنتهك الاتفاقية المبرمة بين مجلس المدينة وبين شركة زامبيرلا. ونفت السيدة جين ماير، الناطقة الرسمية باسم عمدة نيويورك، الادعاءات القائلة بأن إدارة المدينة تفتقد للرؤية الواضحة أو الخطة الشاملة حيال كوني آيلاند. وقالت إن المدينة أنفقت 180 مليون دولار على تطوير البنية التحتية في كوني آيلاند خلال السنوات العشر الماضية، مع التخطيط لتوسيع نظام النقل بالعبّارات في نيويورك إلى كوني آيلاند بحلول عام 2021.
وأضافت السيدة ماير تقول: «تلتزم إدارة المدينة بالمحافظة على شخصية كوني آيلاند مع ضمان الإنصاف والمساواة والاستعداد للمستقبل». في حين تساءل المحامي سيغيل: لمن يُخصص هذا المستقبل؟ وهو من مواطني المدينة ونشأ في حي بروكلين، واعتاد قضاء فترات من الصيف على الممشى السياحي هناك، ويتذكر إنفاق دولار واحد لدخول مدينة الملاهي ثم العودة لتناول وجبة العشاء الشهية لدى مطعم ناثان فاموس المعروف، وقال: «علينا مواصلة الكفاح لإنقاذ كوني آيلاند التي نحبها».
- خدمة «نيويورك تايمز»