«طوق صنعاء»... الالتزام القبلي تبلوره مصالح المستقبل

«طوق صنعاء»... الالتزام القبلي تبلوره مصالح المستقبل
TT

«طوق صنعاء»... الالتزام القبلي تبلوره مصالح المستقبل

«طوق صنعاء»... الالتزام القبلي تبلوره مصالح المستقبل

يتقاطع مشهد الانشقاقات والانقسامات بين أتباع الحوثي وصالح مع تعاظم حالة الغضب التي تعيشها قبائل طوق صنعاء. وينظر محللون سياسيون إلى أن بوادر الأزمة تتعمق يوما تلو الآخر بين حليفي الانقلاب؛ الأمر الذي يزيد من تعقيدات الوضع اليمني الراهن، من ناحية، ومن ناحية أخرى، يفتح أبواب القادرين على استمالة مشايخ ورجال القبائل في محيط صنعاء، لفرض سيطرته على الوضع بقوة السلاح.
«تصاعد خلافات الحوثي وصالح التي ظهرت واتسعت وزادت حدتها، لتلقي بظلالها على القبائل التي كان ينظر إليها حليفا ومساندا قويا للانقلاب، غير أن فقدان تلك القبائل الكثير من أبنائها في الحرب، أثر على وضع التشارك الانقلابي المزعوم، وأصبحت النظرة السائدة لدى أبناء القبائل إلى الانقلابيين بأنهم جماعات لا تبحث سوى عن مصالحها، ولا تخدم سوى أجندة إقليمية»، وفقا لما قاله أحمد يحيى، وهو أحد أبناء مديرية الحيمة.
ولأن التاريخ يشي بالوصفة المثالية للتعاطي مع المستقبل، يشرح المحلل السياسي فتحي أبو النصر جوانب من سيمياء العلاقة التي تحرك القبيلة في اليمن، ويقول: «تاريخيا، كان الجناح القبلي أكثر تماسكا وحين يتحرك، تحفزه النوازع البراغماتية فقط، ومن المرجح أن صنعاء ستخضع لمفاوضات وفاقية، وبسبب كارثية التصلب وعدم التنازل وسوء التقدير والأوضاع اللاإنسانية، ستكون هناك طامة كبرى لقرابة 4 ملايين يقطنونها، ولن يعود وضعها بسهولة لاحقاً كما قد يتخيل البعض». ويضيف: «لا يمكن العبور لأمانة العاصمة دون خلخلة تلك البنية الولائية للقبائل التي تحيط بها كالسياج: أرحب، ونهم، وهمدان، وبني مطر، وبني حشيش، وبني بهلول وسنحان».
وتابع أبو النصر قائلا: «في حين يتكثف وجود حزب الإصلاح (الإسلامي) في أرحب، يسيطر (المؤتمر الشعبي) العام على بني مطر وبني بهلول وسنحان، أما بني حشيش فيكثر فيها التواجد الحوثي، أما همدان فتتقاسمها القوى الثلاث، في حين يسيطر (الإصلاح) و(المؤتمر) على نهم. والمؤكد أن هذه ليست المرة الأولى في التاريخ التي تحدد قبائل صنعاء وضعها المستقبلي، علما بأن القبيلة عموما براغماتية وتبحث عن مصالحها، كما لا تخوض معارك خاسرة أو من دون استراتيجية؛ بل هي مع الأقوى كما يقول التاريخ».
ويعتقد أبو النصر، أن «تيار هادي سيعمل، كما يبدو، على استمالتها (أي تلك القبائل) أو تحييدها، على الأقل، أما الحوثي فقد حاول بوثيقة الشرف القبلية أن يكونوا بولاء جاهز له دون أي تمحيص، متناسيا أن كل قبيلة لن يقتصر بحثها عن الثقة والمال أو السلاح وحسب، بل فيمن سيؤمن مصالحها بجهاز الدولة أيضاً، على أن القبيلة نفسها هي أكثر من تفهم ماذا يعني حصول المتغيرات الجوهرية محليا وإقليميا ودوليا، إضافة إلى ماذا يتطلب إخضاعها للتحول لصالح الكرت الناجح׃، مشيرا إلى أن «كل ذلك السيناريو سيكون في حال اتجه الصراع ناحية أمانة العاصمة فعلا، بينما مؤشرات كثيرة تفيد بأن إجراءات تفكيك التحالفات القبلية الموالية للحوثي حولها قد بدأت مسبقا».
ويعيش أبناء القبائل ومشايخها، فيما يسمى بـ«حزام صنعاء القبلي»، حالة من الاستياء الواسع ضد ما تطالهم من ممارسات من قبل الميليشيات التي زجت بالمئات من أبناء تلك القبائل أو ما يتجاوز تلك التقديرات في أتون الحرب، وغالبيتهم لقوا مصرعهم في جبهات القتال المتفرقة من البلاد.
ويرى بعض أبناء القبائل أن هنالك حالة من الرفض والسخط الواسع ضد الانقلابيين تعيشها غالبية مناطقهم، غير أن أدوات القمع المستخدمة من قبل الميليشيات تجعل تلك الحالة غير بارزة بشكل كبير، وقالوا: إنهم مستعدون لخوض معارك ومواجهات ضد الميليشيات: «لكن ينبغي أن يكون ذلك بمساندة قوات الجيش الوطني».
المحلل السياسي خالد عبد الهادي يتفق مع طرح أبو النصر. ويقول إن «القبائل المحيطة بصنعاء شأنها شأن القبيلة اليمنية، بخصائصها التاريخية، فهي تتخذ قراراتها وفقا لنظام مصالح شديدة الدقة؛ مما يجعلها واحدة من أكثر الجماعات براغماتية، واشتراك قبائل المحيط الصنعائي في القتال ضد الانقلاب، أو عدمه مرتبط بهذه الخصائص وقياسها لمؤشر الضعف أو القوة، الذي سيرافق حرب صالح والحوثي»، وتابع عبد الهادي: «تبقى الضمانات والمصالح كذلك التي ستتعهد بها الحكومة الشرعية وتحالف دعم الشرعية لهذه القبائل عاملا حاسما لإشراكها في القتال أو امتناعها»، مضيفا أنه «من المهم عدم إغفال أن شن الحركة الحوثية حروبا في مناطق القبائل يعد ضد رغبة عدد غير قليل من زعماء القبائل، فقد أحدث الانقلاب أكبر شرخ في بنية القبيلة ودفع بعدد كبير من أفرادها إلى قتل الحوثية أو مسالمتها بناء على الضرر أو السلامة الشخصيين».
ويتخوف الانقلابيون من بعض أبناء المديريات المحيطة بصنعاء، وبخاصة في جزئها الشمالي والشرقي الذي يتواجد فيها الكثير من الأصوات المناهضة والرافضة لهم، والتي وصلت قوات الجيش الوطني على مشارفها.
وفي الأشهر القليلة الماضية اندلعت مواجهات عنيفة بين مسلحين قبليين، من جهة، والميليشيات، من جهة أخرى، في منطقة صرف وفي مديرية بني الحارث، في خطوة بدأ ينظر لها بصفتها حالة من الرفض وبداية لانفجار مواجهات في صنعاء.
ويرى رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة، العميد الركن علي ناجي عبيد، أن «حالة الرفض لا شك أنها تشتد يوما بعد يوم لتصل إلى المواجهات النارية، وحالة الخلافات بين حلفاء الضرر والضرورة الحوثي - صالح تصل إلى تدبير المكائد والاغتيالات وتزداد حدة في الاتجاهين كلما ضاق الخناق على الانقلابيين بتحقيق انتصارات في الجبهات، ويتوقعون تطويرها بحكم قدراتهم التي تضمحل بمرور الأيام ويظهر تأثير هذا وذاك بمثل تلك المواجهات بين القبائل والميليشيات، وبين طرفي الانقلاب».
يقول عبيد: إن التأثير الكبير لحالة الناس المعيشية السيئة والتي تزداد سوءا مع الأسف الشديد مع انتشار الأمراض والأوبئة وانعدام الخدمات والضحايا البشرية الكبيرة وتسلط الميليشيات دون حساب لما يعانيه المواطنون الأكارم، كان يجعلهم في المدينة والريف ينتظرون يوم الخلاص وبإسهام إيجابي منهم كون سبب كل تلك المآسي هم الانقلابيون، وللتسريع من تلك العملية المنتظرة لا بد من جعلها مشروعا مهما يعنى به التحالف والشرعية»، مضيفا: «كون إطالة أمد الحرب ليس من مصلحة الشعب، وبالتالي ليس من مصلحة من يحس بمعاناة المواطنين بمسؤولية، وحتى لا ينتقل المواطن إلى المساواة بين من هم سبب إشعال الحرب وبالتالي معاناته، وبين من يعمل على إنقاذه من تلك المآسي».



اجتماع لبناني - سوري يبحث ملفات مشتركة ويخرق جمود العلاقات

الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)
الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)
TT

اجتماع لبناني - سوري يبحث ملفات مشتركة ويخرق جمود العلاقات

الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)
الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)

شهدت العاصمة السورية دمشق اجتماعاً رفيع المستوى بين رئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، ورئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، الذي زارها على رأس وفد رفيع لبحث الملفات المشتركة، في أول تواصل رسمي بين البلدين، وأول زيارة لرئيس حكومة لبناني إلى سوريا منذ اندلاع الأزمة في عام 2011. وانتظر رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، انتخاب رئيس جديد للبنان قبل تلبية دعوة قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، لزيارة سوريا.

ميقاتي مغادراً بيروت (أ.ف.ب)

وعلى رأس وفد رسمي رفيع، وصل ميقاتي السبت إلى دمشق؛ حيث عقد مع الشرع مشاورات لحلحلة مجموعة من الملفات العالقة، خصوصاً بعد إشكالات واشتباكات حدودية بين الجيش اللبناني ومسلحين سوريين في الأسابيع الماضية، وكذلك بعد قرار الإدارة الجديدة في دمشق مطلع العام فرض قيود غير مسبوقة على اللبنانيين الذين يرغبون في الدخول إلى أراضيها، في إطار المعاملة بالمثل.

ملف النازحين

ووضع لبنان وسوريا خلال اللقاء هواجسهما على الطاولة. وقال ميقاتي خلال مؤتمر صحافي عقده مع الشرع: «تجمع بلدينا علاقات تاريخية وندية بين الشعبين، وسوريا هي البوابة الطبيعية للبنان إلى العالم العربي، وما دامت سوريا بخير فلبنان بخير».

وأضاف ميقاتي: «واجبنا أن نفعّل العلاقات على قاعدة الاحترام المتبادل، ومن الملح معالجة ملف النزوح وعودة النازحين إلى سوريا. هذا الملف يضغط بشكل كبير على لبنان برمته، ولمستُ تفهماً له، وتطرقنا إلى الوضع بين البلدين على الحدود لمنع أي أعمال تسيء إلى أمنيهما، وهذه الزيارة هي فاتحة خير، وما لمسته من السيد الشرع عن علاقة البلدين يجعلني مرتاحاً».

وعبّر ميقاتي عن ارتياحه لوضع سوريا، والعلاقات اللبنانية - السورية، مشدداً على أنه «على سلّم الأولويات الآن ترسيم الحدود مع سوريا، وهذا قد يأخذ بعض الوقت، ويجب ضبط الحدود ضبطاً كاملاً لوقف أي محاولة تهريب، وسنتعاون عبر تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود».

مصافحة بين الشرع وميقاتي على مرأى من أعضاء الوفدين (

التهريب والحدود

من جهته، قال الشرع: «نعطي فرصة لأنفسنا لنبني علاقات جدية قائمة على احترام البلدين وسيادة لبنان وسوريا التي ستقف على مسافة واحدة من الجميع، ونحاول أن نعالج كل المشكلات بالتفاصيل، وتحدثنا عن الودائع السورية في البنوك اللبنانية، والتهريب والحدود، واتفقنا على لجان مختصة تدرس الوضع». ولفت إلى أن «هناك كثيراً من الأمور العالقة، والملفات التي تحتاج إلى وقت لعلاجها، والأولوية الآن للوضع الداخلي وحصر السلاح بيد الدولة، وطمأنة الدول المجاورة، وعلى رأس ذلك موضوع الحدود».

وأضاف الشرع: «كان هناك شبه توافق في لبنان على الرئيس جوزيف عون، ونحن ندعم خيارات التوافق على صعيد الرئاسة وعلى أي صعيد»، مشيراً إلى أنه «ستكون هناك علاقات استراتيجية مع لبنان تُبنى على قواعد سليمة، ونبحث عن حلول هادئة لأي مشكلة».

وشارك في الاجتماع من الجانب اللبناني وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب، المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، مدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي، ونائب المدير العام لأمن الدولة، العميد حسن شقير. وعن الجانب السوري شارك وزير الخارجية أسعد شيباني، ورئيس الاستخبارات أنس خطاب، ومدير مكتب الشرع علي كده.

عناق بين الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)

عون في جو الزيارة

وأشار النائب في تكتل «الاعتدال الوطني» أحمد الخير إلى أن الزيارة تم بثها بعد الأحداث الأمنية التي شهدتها الحدود اللبنانية - السورية، وتُرك للرئيس ميقاتي تحديد توقيتها، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه فضّل حصولها بعد انتخاب رئيس للجمهورية لاستئذانه قبل الذهاب؛ لذلك فإن الرئيس عون في جو هذه الزيارة، ويُدرك تماماً أهميتها للبنان وسوريا على حد سواء.

واستغرب الخير حديث البعض عن أنه لا دولة في سوريا لإتمام هذه الزيارة، لافتاً إلى أن «المجتمعين العربي والدولي سارعا للانفتاح على سوريا الجديدة، واعترفا بالحكم الانتقالي هناك، فكيف، بالأحرى، نحن بصفتنا بلداً جاراً تجمعنا مصالح شتى»، وأضاف: «اليوم سوريا ولبنان عادا معاً إلى كنف الدولة والمؤسسات وإلى موقعيهما الطبيعي في الحضن العربي».