جريدة «القصة» لـ«كسر احتكار النشر»

تصدر شهرياً في القاهرة والترخيص من لندن

جريدة «القصة» لـ«كسر احتكار النشر»
TT

جريدة «القصة» لـ«كسر احتكار النشر»

جريدة «القصة» لـ«كسر احتكار النشر»

عند باعة الجرائد تستوقفك جريدة بحجم «التابلويد» بإخراج منمق، بفخر يقول البائع: «أحدث إصدار ثقافي»... إنها جريدة «القصة» التي صدر عددها السابع لشهر مايو (أيار). وبشعار «(القصة) بيت المبدعين» تسعى الجريدة لاستعادة مجد فن القصة والاحتفاء بها، وإتاحة الفرصة للمبدعين دون تمييز أو محسوبية وكسر احتكار النشر الورقي.
تصدر الجريدة بالجهود الذاتية وتترأس مجلس إدارتها القاصة والصحافية بجريدة «الأهرام» نهلة أبو العز، التي تقول لـ«الشرق الأوسط»: «جريدة (القصة) هي وليدة فكرة أنجبتها الظروف؛ لأن محيط العمل الأدبي ينطوي على علاقات وصداقات تجعل دائرة نشر الأعمال الأدبية صغيرة، والحقيقة أن هذا لا يمثل وضعا عاما، فهناك في مصر أبواب كثيرة مفتوحة لنشر إبداعات الكتاب، ولكنني فكرت في أن تكون هناك جريدة لنشر كل ما يخص الإبداع من دون شروط. الفكرة شجعني عليها كل من عمل معي».
ويأتي هذا الإصدار في ظل طغيان فن الرواية في مصر على فنون الأدب الآخر، حيث تتسابق دور النشر في طرح مئات الروايات، وبالمقابل عدد ضئيل من المجموعات القصصية، أما الجرائد الثقافية فمعظمها لا يعطي المساحة الكافية لنشر القصص القصيرة أو القصيرة جدا.
تستكمل أبو العز: «مع حلم وجود جريدة متخصصة وجدت وقفة جادة من المبدع ياسر جمعة المشرف على الجريدة، الذي شاركني تنفيذ الجريدة منذ كانت مجرد فكرة حتى أصبحت جريدة لها شخصية. والمساندة هنا لا تكون فقط بالعمل في الجريدة بشكل مباشر، بل هناك أشكال كثيرة لتلك المساندة منها: ما قدمه الكاتب المصري محمد محمد مستجاب الذي حرص على دعم الجريدة منذ العدد الثاني حينما خصنا بقصة رائعة، وتبعها بمقال ثابت بعنوان «قلم مقصوف»، أيضاً الناقد الكبير ممدوح رزق الذي حرص على تواجده معنا بمقال ثابت بعنوان «قراءات»، ومن الوطن العربي قدم الكاتب العراقي الكبير لؤي حمزة عباس قصة انفردنا بها في العدد السادس، وتبعها بمقال أشبه ما يكون بدراسة نقدية مهمة في العدد السابع» وتضيف: «الأسماء التي حرصت على دعم الجريدة كثيرة جدا، ولا يسعني سوى أن أقدم لهم الشكر مثل الدكتور عماد أبو حطب، والأستاذ لقمان محمد مستشاري الجريدة، وزينب أبو الوفا المسؤولة عن صفحة الجريدة وبريدها الإلكتروني، ومتابعة كل ما يخص الجريدة من تسويق ودعاية».
وعن سبب استخراج ترخيص جريدة «القصة» من لندن، تقول: «لأن الترخيص من المجلس الأعلى للصحافة في مصر مُكلف جداً ويحتاج لإجراءات كثيرة».
وتشير القاصة نهلة أبو العز إلى أن الجريدة تصدر بعدد صفحات ثابت وعددها 16 صفحة شهريا مقسمة بين أبواب ثابتة، منها مساحة كبيرة لنبض المبدعين وما يكتبون، ومساحة أخرى للمكتبة، وبها قراءات نقدية، هذا فضلاً عن المقالات والتقارير وغيرها من المواد التي تهم كل مبدع.
أما عن معايير النشر بـ«القصة»، تؤكد: «لا يوجد لدينا معيار إلا جودة العمل الأدبي سواء كان قصة قصيرة جدا، أو قصة قصيرة، أو رواية، أو نقد، أو قراءة لكتاب، كلها منافذ للنشر ولا يوجد أي شروط سوى الجودة».
وحول استقبال الوسط الثقافي المصري والعربي لها كجريدة متخصصة، تقول: «كنت أعلم منذ البداية أن الطريق طويلة، وأن تحقق جريدة أدبية فهذا أمر ليس سهلاً، ولكن جاءت مؤشرات استقبال الجريدة لتخالف توقعاتي، إذ استقبل المبدعون (القصة) منذ العدد الأول بحفاوة كبيرة، وتم توزيع أكثر من نصف الأعداد المطبوعة من الجريدة، وهذا في قانون الصحافة وسوقها أمر جيد جداً. لم ينته الأمر عند ذلك بل بدأ المبدعين من مصر وكل الدول العربية في إرسال نصوص أدبية ودراسات نقدية للمشاركة بالنشر، وطالب كثير من المبدعين والمثقفين بعمل اشتراكات سنوية لتصل لهم الجريدة في دولهم مثل السعودية والكويت والإمارات. ودعم الكثيرون الجريدة واحتفوا بها من مصر وجميع أنحاء الوطن العربي مثل: الكاتب عبد الله ناصر، والكاتب ناصر عراق الحاصل على جائزة كتارا، والكاتب والروائي منير عتيبة وغيرهم من مبدعينا الكبار الذين أضاءوا صفحات الجريدة بكلماتهم... هذه الحفاوة في استقبال الجريدة جعلتني أكثر إصرارا على الاستمرار، ورفعت شعارا عاما بالنسبة للجريدة اسمه: (القصة) بيت المبدعين». وحول كيفية تمويل الجريدة، وهل هناك دعم من أي جهات ثقافية لها؟، تقول: «التمويل شخصي ولا توجد أي جهة ثقافية تدعمها، ويشارك في دعمها توزيع النسخ المطبوعة واشتراكات المبدعين».
طموح نهلة أبو العز والقائمين على الجريدة كبير، وأملهم أكبر في أن تتوسع الجريدة وتترسخ في الحياة الثقافية العربية. تقول أبو العز أخيراً: «لدي طموح لا حدود له بالنسبة للجريدة، أطمح لأن يكون لها مكاتب في أهم الدول العربية المهتمة بالأدب، وأحلم أن تكون مؤسسة أدبية قائمة على قواعد عمل ثابتة، وأن تكون منفذاً مهما لكل مبدع للانتشار والتحقق، وأن تصبح صانعة نجوم أدبية، ويخرج منها كتاب يشكلون إضافة للحياة الثقافية».



القطاع الثقافي ضحية سياسات التقشف الأوروبية

المتحف الفني "تيت بريتن" بلندن
المتحف الفني "تيت بريتن" بلندن
TT

القطاع الثقافي ضحية سياسات التقشف الأوروبية

المتحف الفني "تيت بريتن" بلندن
المتحف الفني "تيت بريتن" بلندن

الأزمات الخانقة التي أصبحت تثقل كاهل الدول الغربية، وصعود الأنظمة اليمينية المتطرفة، لم تعد سراً على أحد، لكن اللافت للانتباه التداعيات الخطيرة لكل هذه التطورات على القطاع الثقافي، فزيادة على ضعف الاهتمام تخلّ كثير من الحكومات عن اتباع سياسات حماية لثقافتها. إنه وضع القارة العجوز الآن؛ حيث نجحت ديون الحكومات المتراكمة، ومشكلات البطالة، والتضخم، والتوقعات المتشائمة لمعدلات النمو، في تغييب الإشكاليات الثقافية، والدفع بها إلى الصفوف الخلفية. الوضع في تدهور مستمر، حتى أصبحنا لا نستطيع مواكبة الأخبار التي تُفيد بقصّ الدعم، وخفض الميزانيات الثقافية لكثرتها.

في فرنسا، دعم الحكومة للمؤسسات الثقافية الكبرى لا يزال قائماً باعتبارها تُسهم بقوة في إنعاش قطاع السياحة، خصوصاً المتاحف والمكتبات الوطنية والمسارح، لكن الميزانية في تراجع مستمر. فمع مطلع 2025 تفقد وزارة الثقافة أكثر من 200 مليون يورو، معظمها اقتطعت من التمويل الذي كان يخصص للتراث والإبداع، وبعضها يخص أعرق المؤسسات الفرنسية؛ كأوبرا باريس، التي خسرت 6 ملايين يورو، ومسرح كوميدي فرنسييز، الذي انخفض تمويله العام بنحو 5 ملايين، ومتحف اللوفر بـ3 ملايين يورو. إلا أن المشكلة ليست في الوزارة فقط، لأنها ليست الداعم الأهم للقطاع الثقافي في البلاد، فمن بين الـ13 ملياراً التي تُشكلها ميزانية القطاع الثقافي في فرنسا لا تمنح الوزارة سوى 4 مليارات، أما البقية، أي أكثر من 9 مليارات، فهي الحصّة التي تسهم بها السلطات المحلية، أي المحافظات «Collectivités locales»، التي تتمتع بميزانيات خاصة بها. والجديد هو أن بعضاً من مسؤولي هذه الهيئات الرسمية شرعوا في تطبيق سياسة التقشف إلى أقصى الحدود، بدءاً بالمؤسسات والمرافق الثقافية والمبدعين؛ حيث حرمتهم من الدعم المادي، عملاً بالمنطق الذي يقول تغذية البطن قبل تغذية العقل.

متحف برلين

من الشخصيات التي واجهت انتقاد الدوائر الثقافية بهذا الخصوص كريستال مورونسي، رئيسة منطقة بايي دو لا روار (pays de la Loire) الواقعة غرب فرنسا، وهذا بعد أن أقرّت خفض ميزانية الثقافة بنسبة 73 في المائة، أي أكثر من 200 مليون يورو، وهي سابقة خطيرة في فرنسا علّقت عليها وسائل الإعلام الفرنسية بكثرة تحت شعار «الثقافة من الضعيف إلى الأضعف». فإجراء مثل هذا يعني توجيه ضربة قاضية لكثير من المؤسسات والمرافق الصغيرة التي تُعوّل في استمرار نشاطها على الأموال العامة، ومنها المهرجانات المحلية والمسارح، والمتاحف، وفرق الرقص والجمعيات. النقابات الثقافية وصفت هذا الإجراء بـ«العنيف». أما رئيسة المنطقة كريستال مورونسي فقد بررته بالديون المتراكمة التي تملي على ضمير أي مسؤول اعتماد التقشف لإنقاذ الوضع.

الوضع ليس أحسن حالاً في ألمانيا؛ حيث قررت حكومة ولاية برلين خفض التمويل المخصص للفنون والثقافة بنسبة 12 في المائة، وهو ما يعادل 130 مليون يورو. القرار أدّى إلى مخاوف من أن تفقد المدينة مكانتها، كونها واحدة من العواصم الثقافية الرائدة في أوروبا، حتى إن بعض المؤسسات أصبحت تواجه خطر الإغلاق، أهمها متحف برلين للفنون التشكيلية، ودار أوبرا كوميش. أما البقية فهي في حالة يُرثى لها، فمتحف برغام الشهير اضطر للغلق بسبب ترميمات طويلة الأمد (14 سنة)، علماً بأنه لم ينفذ فيه أي إصلاحات منذ 1930. عمدة برلين كاي فيغنر برّر تخفيضات الميزانية بوصفها ضرورية لضمان استمرارية برلين المالية بعد عام صعب اتسّم بانخفاض الإيرادات. ونصح المؤسسات الثقافية بالتفكير في إيجاد وسائل تمويل خاصة، على غرار النموذج الأميركي الذي يعتمد على الرعاية، مضيفاً أن «العقليات يجب أن تتغير؛ لأن خزائن الدولة أصبحت فارغة حتى بالنسبة للثقافة»، علماً بأن هذا التخفيض في ميزانية الثقافة يتعارض بشكل حاد مع نهج برلين السابق، المتمثل في تعزيز الاستثمار في فضاءاتها الثقافية. ففي عام 2021، وافقت ألمانيا على مبلغ قياسي قدره 2.1 مليار يورو تمويلاً فيدرالياً للثقافة، بزيادة قدرها 155 مليون يورو على العام السابق. شخصيات من الوسط الثقافي والفني انتقدت بشدة هذه التخفيضات، منها المخرج الألماني المعروف وين واندرز، الذي صرح لقناة «أورو نيوز» بأن «سحب التمويل العام قرار سيئ، أعتقد أن عليهم الاستثمار في الثقافة بدلاً من القيام بالعكس؛ لأنهم على المدى الطويل رابحون».

القطاع الثقافي في بريطانيا يعيش هو الآخر أزمة حادة؛ حيث نقل كثير من التقارير الإعلامية الانخفاض الشديد الذي سجلته الميزانيات المخصصة للثقافة منذ 2017 ولعدة سنوات على التوالي حتى وصلت نسبة الانخفاض إلى 48 في المائة، حسب موقع «أرت نيوز» البريطاني، الذي نشر مقالاً بعنوان: «لماذا تُموّل الحكومة البريطانية تمثالاً للملكة إليزابيث بـ46 مليون جنيه إسترليني، في حين القطاع الثقافي على ركبتيه». وجاء فيه: «عدد من المؤسسات الفنية والثقافية في جميع أنحاء المملكة المتحدة يُكافح من أجل البقاء، بسبب توقف التمويلات، كشبكة متاحف (التيت) التي تسهم فيها الحكومة بنسبة 35 في المائة، التي أصبحت تعاني من عجز في الميزانية للعام الثاني على التوالي، بسبب انخفاض الدعم، وإن كانت شبكة متاحف (التيت) ما زالت تنشط ولو بصعوبة فإن مؤسسات أخرى لم يحالفها الحظ؛ حيث تم إغلاق أكثر من 500 متحف بريطاني منذ سنة 2000، منها متحف إيستلي (Eastleigh) في هامبشاير، ومتحف كرانوك تشيس (Crannock Chase) في ويست ميدلاندز، بالرغم من الحملات الكثيرة التي نظمت لإنقاذ هذه المؤسسات».