«الدين في السياسة»... جوانب دستورية وأخلاقية

قرارات ترمب كانت «خطوة أولى ممتازة» في مجال حرية التعبير والمعتقد

القرار أنهى زمن إجبار الكنائس على دفع الضرائب من طرف الحكومة الفيدرالية مقابل انخراطها في العمل السياسي
القرار أنهى زمن إجبار الكنائس على دفع الضرائب من طرف الحكومة الفيدرالية مقابل انخراطها في العمل السياسي
TT

«الدين في السياسة»... جوانب دستورية وأخلاقية

القرار أنهى زمن إجبار الكنائس على دفع الضرائب من طرف الحكومة الفيدرالية مقابل انخراطها في العمل السياسي
القرار أنهى زمن إجبار الكنائس على دفع الضرائب من طرف الحكومة الفيدرالية مقابل انخراطها في العمل السياسي

يمثل كتاب الدين والسياسة «جوانب دستورية وأخلاقية» لمايكل ج بيري، الصادر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر سنة 2014، نموذجاً من التنظيرات المعاصرة الدارسة للعلمانية الأميركية، المواكبة لطبيعة النقاش المجتمعي حول العلمنة والدين. وتكمن أهمية التعرض لمثل هذه الأبحاث في قدرتها على تفسير الدور المتنامي الذي يلعبه الدين في السياسة والمؤسسات الأميركية الفيدرالية الصانعة والمتحكمة في قرار الدولة.
ويأتي توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الخميس 4 مايو (أيار) الحالي على قرار تنفيذي يخص الدفاع عن حرية الدين والتعبير، في هذا السياق؛ كما أن هذا الخيار الرئاسي، مؤشر قوي على المكانة القوية للدين في المجال السياسي، والتي تكرست بشكل بارز في العقدين الماضيين؛ ويبدو أن التدخل الديني في السياسة سيشهد انعطافاً تاريخياً جديداً مع الرئيس الحالي.
فبمناسبة توقيع القرار التنفيذي الجديد، والذي يمنح لرجال الدين والمؤسسات الدينية صلاحيات المشاركة والتدخل في الحقل السياسي؛ قال ترمب موجهاً خطابه للقساوسة الذين حضروا حفل التوقيع «استخدمت الحكومة الفيدرالية لوقت طويل قوة الدولة كسلاح ضد أصحاب العقيدة لدرجة من التسلط وصلت إلى حد عقاب الأميركيين لاتباعهم عقائد دينية». وهذا يعني أن القرار الجديد، أنهى زمن إجبار الكنائس على دفع الضرائب من طرف الحكومة الفيدرالية مقابل انخراطها في العمل السياسي.
وفي الوقت الذي عبر اتحاد الحريات المدنية الأميركي عن رفضه للقرار باعتباره غير دستوري أكد مؤسس تحالف الإيمان والحرية رالف رعد، إن قرار الرئيس «خطوة أولى ممتازة» في مجال حرية الدين والتعبير. يأتي هذا النقاش ليؤكد المنطلقات العلمية التي انطلق منها الفقيه الدستوري مايكل ج. بيري، والتي تعتبر «مواطني الولايات المتحدة الأميركية هم الأكثر تديناً في ديمقراطيات العالم الصناعي المتقدم»، وأن «الولايات المتحدة هي بلد متدين، وفي الوقت نفسه بلد تعددي (الآن أكثر من أي وقت مضى)، فإن قضية الدور الحقيقي للدين في السياسة ليست هامشية، على الإطلاق، بل هي قضية مركزية وحاضرة في سياسة الولايات المتحدة».
بالنسبة لمايكل ج. بيري فالروح التي حكمته وهو يؤلف «الدين في السياسة جوانب دستورية وأخلاقية»، لا تخرج عن الطبيعة المعقدة للدين في الفضاء العام الأميركي؛ وكما قال الفقيه الدستوري بيري: «أريد أن أؤكد، لقد كتبته بوصفي مسيحياً، على وجه الخصوص، مسيحياً كاثوليكياً مشبعاً بروح المجمع الفاتيكاني الثاني. ولكن مسيحياً حذراً جداً من الحديث عن الله الذي تنخرط فيه أغلبية المسيحيين. لقد كتبته بالضبط بروح المسيحية القائمة على اللاهوت السلبي. ولقد وضعت هذا الكتاب كمن يقف بين كل الذين لا يؤمنون من جهة وعدد من المؤمنين من جهة أخرى».
قسم الكاتب مؤلفه إلى ثلاثة فصول؛ تمحور الفصل الأول، حول القانون الدستوري للحرية الدينية؛ بينما خصص الفصل الثاني لعرض ومناقشة الأطروحات الدينية في النقاش السياسي العام. أما الفصل الأخير، فقد خصصه للأطروحات الدينية كقاعدة للخيار السياسي، وختمه بتعليق ختامي موجه للمسيحيين المحافظين لاهوتيا.
ونظراً لكون الباحث، ناقش قضية التداخل بين الدين والسياسة في مؤلف سابق تحت عنوان «الحب والسلطة الدين والأخلاق في السياسة الأميركية»؛ فقد أشار في مقدمة كتابه إلى أن هذا الموضوع معضلة تتطلب التفكير وإعادة التفكير. ذلك أن العلاقة بين الدين والسياسة في الخبرة التاريخية والواقعية الأميركية، تتصف بالتعقيد والتشابك، يحتاج الباحث لمعالجته وتنظيمه وفهمه لقواعد منهجية ودستورية.
ورغم أن دستور الولايات المتحدة يعتبر وثيقة علمانية فإن صاحب كتاب «الدين في السياسة جوانب دستورية وأخلاقية»، يقترح العودة للوثيقة الدستورية للاسترشاد بالثوابت المرعية في هذا المجال؛ والتي تؤكد أنه بحسب القانون الدستوري الأميركي «لا يجوز للحكومة أن تؤسس لدين ما» ولا يجوز للسلطة السياسية منع الحرية الدينية.
وفي هذا الإطار يمكن الاستدلال بالتعديل الأول لدستور الولايات المتّحدة الأميركيّة الذي نص على أنه، «يحظر على الكونغرس إصدار قانون يؤسّس لدين من الأديان أو يمنع الممارسة الحرّة لهذا الدين، أو الحدّ من حرّية التعبير أو الصحافة». كما جاء في نصّ التعديل الرابع عشر أنّه: «لا يجوز لأي ولاية أن تضع أو تطبّق أي قانون ينتقص من امتيازات أو حصانات مواطني الولايات المتّحدة. كما لا يجوز لأي ولاية أن تحرم أي شخص من الحياة أو الحرّية أو الممتلكات من دون مراعاة الإجراءات القانونية، ولا أن تحرم أي شخص خاضع لسلطاتها من المساواة في حماية القوانين». أما نصّ التعديل الدستوري التاسع فقد أشار إلى أن «تعداد الدستور لحقوق معيّنة لا يجوز أن يفسر على أنّه إنكار لحقوق أخرى يتمتّع بها الشعب، أو انتقاص منها».
لكن كيف يمكن تفسير الحضور الديني في السياسة الأميركية؟ بالنسبة لعلمانيي الولايات المتحدة، فإن التفسير التاريخي يتطلب العودة للخمسينات من القرن العشرين وبالضبط في عهد الماكرثية، التي استخدمت بشكل مكثف في وثائقها الرسمية عبارة «أمة واحدة تحت رعاية الرب». كما أن عبارة «نحن نثق بالرب» أو «في أمان الرب» الموجودة على العملة الورقية الأميركية، مستحدثة في منتصف القرن الماضي.
بالنسبة لكاتب: «الدين في السياسة: جوانب دستورية وأخلاقية»؛ فالمهم هو فهم مسألة الحرية الدينية وكيفية حمايتها من طرف القانون الدستوري للولايات المتحدة الأميركية من جهة؛ وارتباط ذلك بالدور الذي يمكن للطرح الديني أن يلعبه في السياسة، دون حظر أو انحياز لأي نوع من السلوك البشري على أساس اعتقادي يقوم على أن هذا السلوك يحابي أو ينافي الأخلاق.
يسجل الفقيه الحقوقي والدستوري بيري: «إن الخيارات السياسية التي تعنيني في هذا الكتاب هي التي تمنع أو تتحيز ضد نوع أو آخر من السلوك البشري بناء على الاعتقاد بأن هذا السلوك غير أخلاقي... إن الخلاف حول الدور المناسب للأطروحات الدينية في السياسة يشمل نقاشين: نقاشا حول الدور المناسب دستورياً للأطروحات الدينية في السياسة، ونقاشاً ذا علاقة، ولكنه مختلف، حول الدور المناسب أخلاقيا لهذه الأطروحات» (ص12).
ومن هنا، لا بد من استحضار قاعدتي عدم التأسيس وحرية الممارسة الدينية. وتعني أن الحكومة لا يمكنها أن تبني خياراً سياسياً على أطروحات دينية بما فيها تلك المتعلقة بالسلوك البشري؛ ويجوز لها فعل ذلك فقط على أساس علماني، ففي «أثناء تبني خيار سياسي، خصوصاً إذا كان خياراً سياسياً متعلقاً بأخلاقية السلوك البشري، يعتمد المشرعون والموظفون الرسميون في بعض الأحيان على طرح ديني مع طرح علماني مستقل: طرح علماني، إذا قُبل، يُدعم الخيار من دون مساعدة طرح ديني» (ص70).
غير أن هذا لا يجب أن يحجب عنا حقيقة واقعية تتمثل في كون بعض المواطنين والمشرعين يلجأون بشكل حتمي إلى الأطروحة الدينية، خصوصاً في مشاركتهم في العملية الانتخابية أو في الاستفتاء؛ أكثر من ذلك يلعب العامل الديني دوراً بالغ الأهمية في تحريك جماعات من المشرعين أو المواطنين لتبني خيار سياسي معين، وقبول الطرح العلماني الذي يدعم هذا الخيار.
لمناقشة هذا الاتجاه الفكري، يستدعي بيري، رأي الفيلسوف الأميركي ريتشارد روتي، الذي دعا لخصخصة الدين والإبقاء على الأطروحات الأخلاقية المبنية على أساس ديني بعيداً عن الفضاء والنقاش العام؛ ويعقب على هذا بحقيقة تاريخية، هي «أن التاريخ الأميركي لا يقول إن النقاشات الدينية حول قضايا الخلافية - التمييز العنصري مثلا أو الحرب - هي دائما أكثر مدعاة للفرقة من النقاشات العلمانية حول القضايا نفسها أو قضايا أخرى».
من جهة أخرى، يستدعي المؤلف هذه المرة رأي الفيلسوف جيرمي والدرون، ليؤكد بيري، أن الخطاب الأخلاقي المبني على الدين ليس دائماً طائفياً، أكثر من الخطاب الأخلاقي العلماني، بل يمكن أن يكون أقل عنصرية، وحتى ولو سقط الخطاب الديني في الطائفية، فإنه يكون قادراً على «أن يساهم مساهمة قيمة في النقاش العام حول قضايا أخلاقية صعبة».
بالنسبة لبيري، فإن القانون الدستوري الأميركي يحمي الحرية الدينية، التي تتوافق ووثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق ذات الصلة، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وهذا الجانب الحقوقي هو ما يجعل من القضاء حارساً للقواعد الدستورية المنظمة للعلاقة بين الأطروحات الدينية والعلمانية، داخل المجال السياسي الأميركي.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية
- جامعة محمد الخامس الرباط



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».