مقتل ألمانية وحارسها وخطف فنلندية في هجوم مسلح بكابل

طالبان توسع عملياتها إلى الشمال الأفغاني... وتقتل 25 من رجال الشرطة في ولاية زابل

صبي أفغاني يمر بجوار مدرعتين على الطريق السريعة خارج ولاية ننجرهار حيث تجري اشتباكات مع عناصر «داعش»  (أ.ف.ب)
صبي أفغاني يمر بجوار مدرعتين على الطريق السريعة خارج ولاية ننجرهار حيث تجري اشتباكات مع عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

مقتل ألمانية وحارسها وخطف فنلندية في هجوم مسلح بكابل

صبي أفغاني يمر بجوار مدرعتين على الطريق السريعة خارج ولاية ننجرهار حيث تجري اشتباكات مع عناصر «داعش»  (أ.ف.ب)
صبي أفغاني يمر بجوار مدرعتين على الطريق السريعة خارج ولاية ننجرهار حيث تجري اشتباكات مع عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

أعلن نجيب دانيش، وهو المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية، أن مسلحين مجهولين هاجموا منزلا في الضاحية السابعة للعاصمة كابل منتصف الليل؛ ما أسفر عن مقتل سيدة ألمانية وحارسها الأفغاني، وخطف مواطنة فنلندية اقتيدت إلى جهة مجهولة». وأضاف دانش في بيان صحافي، أن الشرطة تجري تحقيقا موسعا حول ملابسات الحادث، وفيما إذا كان له علاقة بالعمل الإرهابي، أم من أجل الحصول على فدية مالية.
وأكدت وزارة الخارجية الألمانية مقتل مواطنة ألمانية في هجوم كابل، وقالت إنها في تواصل مع الجانب الأفغاني لمزيد من التفاصيل، في حين قالت السلطات الأفغانية: إن السيدتين كانتا تعملان لصالح مؤسسة إغاثة أجنبية وهي مؤسسة سويدية تعنى بالعمل الإغاثي والإنساني في كابل وباقي المحافظات. ولم تتبن أي جهة حتى الآن مسؤولية قتل المواطنة الألمانية وخطف سيدة أجنبية أخرى، كما أن الجماعات المسلحة وعلى رأسها طالبان، التي طالما شنت هجمات دموية ضد مصالح أجنبية في كابل، وغيرها من المناطق لم تعلق على الحادث حتى الساعة. وسبق أن أقدمت مجموعة مسلحة غير مسؤولة بعمليات خطف طالت المواطنين الأجانب وموظفين أوروبيين في كابل، من أجل المطالبة بالفدية المالية، وعمليات استفزاز للدول الأوروبية التي في كثير من الأحيان رضخت لمطالب الخاطفين، ودفعت ملايين الدولارات في حوادث مشابهة طوال السنوات الخمس عشرة الماضية. وفي ولاية زابل جنوب أفغانستان، أعلن حاكم الإقليم بسم الله أفغانمل، مقتل 25 شرطيا على الأقل وإصابة آخرين، في هجوم شنه مقاتلو طالبان على الطريق السريعة بين كابل وولاية قندهار عاصمة الجنوب، وأضاف المسؤول الحكومي، أن مسلحي طالبان هاجموا عددا من نقاط تفتيش تابعة للشرطة المحلية في المنطقة؛ ما أدى إلى سقوط عدد كبير من عناصر الشرطة في هجوم جماعة طالبان، وكانت الحركة قد أعلنت بدء عمليات الربيع، التي غالبا ما تعلنها مع بدء موسم الربيع الأفغاني، حيث تذوب الثلوج وتنشط طالبان، وقد أطلق على عمليات هذا العام اسم «العمليات المنصورية»؛ تيمنا بقائد طالبان الراحل الملا أختر منصور، الذي قتل في غارة أميركية قبل عام تقريبا في منطقة قريبة من مدينة كويتا الباكستانية. عمليات العنف بدأت تتسع رقعتها، حيث نجحت طالبان في توسيع معاركها في الأشهر الأخيرة، وامتدت إلى محافظات الشمال الأفغاني التي كانت تنعم بالهدوء النسبي خلال الفترة الماضية من الحرب، والآن أصبحت ولايات مثل بدخشان وكندوز وجوزجان بالشمال هي أكثر المناطق توترا واضطرابا في أفغانستان مقارنة مع الجنوب والشرق اللذين كانا يعتبران معاقل أساسية لجماعة طالبان المتشددة.
إلى جانب طالبان، استطاع تنظيم داعش ولاية خراسان من بسط سيطرته على بعض البلدات، خصوصا في ولاية ننجرهار شرقي البلاد، حيث سيطر التنظيم ولا يزال على بعض بلدات هذا الإقليم، مثل أتشين وشينواري وغيرها، رغم استخدام الولايات المتحدة الأميركية أكبر قنبلة غير نووية من ترسانتها العسكرية ضد كهوف ومقار تابعة للتنظيم في منطقة آتشين بننجرهار، ويبدو أن تنظيم داعش لم يخسر الكثير من قدراته العسكرية عقب الضربة الأميركية الكبيرة لمقاره في المنطقة. وبحسب شهود عيان، فإن القوات الحكومية لم تنجح حتى الآن من دخول المنطقة وتمشيطها من مسلحي «داعش».
في السياق نفسه، أعلن قائد شرطة ولاية ننجرهار سقوط ما لا يقل 19 من مسلحي الدواعش، في هجوم مشترك للقوات الأفغانية والأجنبية في مناطق مختلفة من إقليم ننجرهار الشرقي القريب من حدود باكستان.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟