الاحتجاجات تهدد إنتاج الغاز في جنوب تونس

الحكومة وعدت بتوفير وظائف وضخ استثمارات

اعتصام لمحتجين خارج محطة ضخ بترولية بولاية تطاوين الجنوبية (أ.ف.ب)
اعتصام لمحتجين خارج محطة ضخ بترولية بولاية تطاوين الجنوبية (أ.ف.ب)
TT

الاحتجاجات تهدد إنتاج الغاز في جنوب تونس

اعتصام لمحتجين خارج محطة ضخ بترولية بولاية تطاوين الجنوبية (أ.ف.ب)
اعتصام لمحتجين خارج محطة ضخ بترولية بولاية تطاوين الجنوبية (أ.ف.ب)

بينما عيّن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد أربعة ولاة جدداً، تشهد جنوب البلاد احتجاجات. ورفض محتجون يهددون بوقف إنتاج الغاز عرضا من الحكومة بتوفير وظائف وضخ استثمارات واقتربت الاحتجاجات من خط أنابيب ومحطة ضخ.
وتمثل الاحتجاجات في ولاية تطاوين بجنوب تونس اختبارا لحكومة رئيس الوزراء يوسف الشاهد وأجبرت اثنتين من شركات الطاقة الأجنبية بالفعل على وقف الإنتاج أو نقل موظفين، بوصفه إجراء احترازيا بسبب تهديدات التعطيل.
واعتصم نحو ألف محتج لأسابيع في الصحراء قرب خط أنابيب غاز في منطقة تعمل فيها شركتا «إيني» الإيطالية و«أو إم في» النمساوية. لكن محاولات الحكومة للتوصل إلى اتفاق بعرض وظائف باءت بالفشل حتى الآن.
وقال طارق حداد، أحد قادة المحتجين في مقطع فيديو على موقع «فيسبوك» إنهم لن يقبلوا عروض الحكومة؛ لأن هذه الوظائف ليست فورية، وإن هؤلاء العاطلين لا يمكنهم الانتظار.
وأضاف، أن المحتجين سيقتربون من محطة ضخ، محذرا من أنهم لن يتراجعوا. وانتشر جنود الجيش في الآونة الأخيرة بالمنطقة المحيطة بمحطة الضخ.
وكانت الحكومة عرضت بالفعل 1500 وظيفة بشركات الطاقة من بينها ألف وظيفة فورية و500 العام المقبل. كما عرض المسؤولون ألفي وظيفة في قطاع الزراعة والمشروعات البيئية إلى جانب 20 مليون دولار لتطوير مشروعات في المنطقة.
وقال مبروك كورشيد، المسؤول الكبير في الحكومة إنها تريد حقا إيجاد حلول لمطالب المحتجين، لكن أحيانا ما تكون المطالب أكبر من الإمكانات المتاحة.
وتقول «إيني»: إن الاحتجاجات لم تؤثر على الإنتاج، لكن «أو إم في» نقلت 700 موظف غير أساسي إجراءً احترازيا، وأوقفت «بيرينكو» الإنتاج في حقلي باقل وطرفة، بينما أغلق المحتجون حقل شوش السيدة التابع لشركة «سيرينوس إنرجي» التي تتخذ من كندا مقرا لها.
وتونس منتج صغير للنفط والغاز؛ إذ يبلغ إنتاجها نحو 44 ألف برميل يوميا، لكن اقتصادها يكاد يتعافى من هجمات شنها متشددون مسلحون في 2015 على سائحين أجانب وأضرت كثيرا بقطاع السياحة الحيوي.
وأمس قرر رئيس الحكومة التونسية إدخال تغييرات في الولاة شملت أربع ولايات في البلاد في أعقاب الاحتجاجات.
وأصدرت رئاسة الحكومة بيانا تضمن أسماء الولاة الجدد، حيث سيشغل سامي الغابي منصب الوالي في قبلي، وصالح مطيراوي واليا في توزر.
وتقع الولايتان في الجنوب التونسي الذي يشهد منذ أسابيع احتجاجات مطالبة بفرص عمل خاصة في شركات الطاقة وبتمويل مشاريع للتنمية في تلك الجهات.
وكان الشاهد عين واليا جديدا أيضا في تطاوين في أبريل (نيسان) الماضي، وهي المنطقة التي شهدت بداية الاحتجاجات إلى جانب اعتصام ينفذه عاطلون عن العمل على مقربة من شركات الطاقة.
ودفع رئيس الحكومة بوالٍ جديد في سوسة عادل شليوي، بينما تم نقل والي توزر القديم منير حامدي لشغل المنصب ذاته في القيروان وسط تونس.
وفي العاشر من الشهر الحالي، ومع اندلاع الاحتجاجات في الجنوب، قال الرئيس باجي قائد السبسي إنه سيدفع بالجيش لأول مرة لحماية المنشآت الحيوية للثروات الطبيعية لتفادي وقف الإنتاج مجددا خلال أي احتجاجات.
ويقول مسؤولون: إن الاحتجاجات في السنوات الأخيرة في قطاع الفوسفات كبدت الدولة خسائر تفوق ملياري دولار.
وقال الرئيس في خطاب للأمة إنه يعي أن القرار خطير، ولكن يتعين تطبيقه لحماية موارد البلاد، التي قال إن «مسيرة الديمقراطية فيها أصبحت مهددة».
وتعهد الرئيس السبسي بحماية حق التظاهر والاحتجاج، لافتا إلى أن وقف الإنتاج أصبح غير مقبول، ويجب تطبيق القانون.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.