عايدة شلهوب: الموسيقى ملاذي وبعض أغنيات اليوم لا يصلح للسمع

«المايسترو» الأنثى الوحيدة في لبنان

من إحدى حفلات شلهوب
من إحدى حفلات شلهوب
TT

عايدة شلهوب: الموسيقى ملاذي وبعض أغنيات اليوم لا يصلح للسمع

من إحدى حفلات شلهوب
من إحدى حفلات شلهوب

قالت الفنانة والموسيقية عايدة شلهوب بأن الساحة الغنائية اليوم يشوبها مستوى غير مقبول من ناحية بعض الأعمال التي تقدّمها ولا سيما المتعلّقة بكلامها. وأضافت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «مع الأسف هناك أغنيات تتضمن كلاما مبتذلا لا يمكن إدراجه في خانة الشعر مما جعل هذه الأعمال من النوع الهابط». ورأت شلهوب التي عملت في زمن الفنّ الجميل وشاركت في أعمال للرحابنة أن على صنّاع هذا النوع من الأغاني أن يضعوا أنفسهم مكان المتلقّي، عندها سينتجون ما يليق بالساحة. وتابعت: «رغم هذه الأجواء فإنني متفائلة بشكل عام خصوصا أن هناك أعمالا في المقابل ترتقي بصناعتها إلى المستوى المطلوب فتؤمّن استمرارية للبنان أيام الفنّ الذهبي». وعمّا إذا أغاني أيام زمان كانت تبتعد عن هذا النوع من الكلام الهابط أجابت: «لا أريد أن أجزم، إذ كانت دون شكّ تلجأ إلى عبارات شعبية أو إلى كلام عادي أحيانا يصبّ في خدمة الشخصية أو المشهد الذي يقدّم لنا. فالراحل وديع الصافي وغيره من عمالقة الفنّ في لبنان ذكروا في اسكتشات وحوارات مغنّاة كلاما شعبيا مثل لـ(التبولة) و(البقلة) و(البطاطا) و(الخس) وغيرها إلا أنها كانت تأتي تكملة لموضوع معيّن ولشخصية محدّدة يتقمصّونها. لكننا اليوم نلاحظ أن الكلام غير المقبول أصبح نزعة تطالعنا في مناسبة أو من دونها وهو أمر غير مقبول».
وعن البرامج التلفزيونية التي ترتكز على تقديم المواهب الغنائية والرائجة في الفترة الأخيرة أوضحت: «هناك مواهب فنيّة كثيرة أفرزتها تلك البرامج والأهم في الموضوع أن القيمين على تلك البرامج باتوا يشدّدون على تقديم أغان صعبة ومهمّة بأصوات مواهبهم لإبراز قدراتهم الغنائية. ولكن ليس المهم أن نكشف عن مواهب جديدة بل أن نعرف كيف سيتمّ التعامل معها فيما بعد، وأن تعرف هي نفسها اختيار الطريق المناسب وبالمستوى المطلوب».
وعن العمل الغنائي الذي لفتها في الفترة الأخيرة قالت: «أعجبت بما قدّمه الفنان رامي عيّاش (تيتر) مسلسل (أمير الليل). فهو عمل كامل ومتكامل شارك في كتابته أحد أهم شعرائنا إلا وهو نزار فرنسيس، فبدءا من اللحن (لرامي عياش) ومرورا بالكلمات ووصولا إلى التوزيع مع داني حداد ولدت أغنية رائعة وعلى المستوى الفنّي المطلوب الذي نفتقده في أيامنا». وتابعت: «هناك فنانون عدة ما زالوا يتمسّكون بتقديم الفنّ الجميل كمروان خوري ومعين شريف وملحم زين ووائل جسّار وهشام الحاج وغيرهم، مما يعني أن الساحة ما زالت بألف خير».
والمعروف أن الفنانة عايدة شلهوب صاحبة الأغنية الشهيرة «لو فيي» والتي أعادت توزيعها وغناءها اليسا مؤخرا، هي من الفنانات اللاتي يتمتّعن بثقافة وخبرات فنيّة عدّة خوّلتها أن تكون أول امرأة في لبنان تقود أوركسترا كاملة، كما أنها تتولّى الإشراف على جوقة كورال المعهد الوطني العالي للموسيقى. «تحوّلي إلى هذا المجال بعيدا عن الغناء كان بسبب عدم توفّر شخص يدير أعمالي، ولذلك توجّهت إلى تعليم الموسيقى وأنا لست نادمة على ذلك خصوصا أن مئات من الطلّاب تخرّجوا من صفوفي». تقول عايدة شلهوب التي ترى في إعادة غناء الأعمال القديمة وبتوزيع موسيقي جديد عمل لا يضاهي بأهميته النسخة الأصلية منه. وأوضحت: «النسخة الأولى تتمتّع بعناصر عدّة أهمها البراءة وعفوية النجاح وهذا ما لا نصادفه بتاتا في نسخة ثانية أو ثالثة منها، فهي بذلك تخسر من موضوعيتها وتسودها الاصطناعية».
وتجد شلهوب أن ما ينقص الساحة اليوم هو عملية مراقبة شديدة من قبل مصدر مسؤول. «أعتقد أنه يجب استحداث وزارة فنون لتردع وتوقف الأعمال الرديئة. ففي الماضي كان هناك لجنة طويلة وعريضة في إذاعة لبنان تهتمّ في غربلة الأعمال الفنيّة وكان يعود إليها قرار إنزال هذه الأغنية أو منعها. وكانت تلك اللجنة مؤلّفة من عمالقة موسيقيين أمثال توفيق الباشا وحليم الرومي وعبد الغني شعبان وزكي ناصيف، إضافة إلى غيرهم من أرباب الشعر، فلم يكن في استطاعة الفنان أن يستخفّ في أعماله بل أن يبذل جهدا في صناعتها ليتمّ قبولها في إذاعة لبنان».
هل تعنين أننا نفتقد مثل هؤلاء الأشخاص على ساحتنا اليوم؟ «هناك موجة هجوم اليوم على تعلّم أسس الموسيقى إن في جامعات تؤمّن هذا العلم أو في المعهد الوطني العالي للموسيقى. وقريبا جدّا سيطالعنا جيل مثقفّ في جميع المجالات الفنيّة وأنا واثقة من ذلك رغم افتقادنا لأمثال هؤلاء حاليا».
وعن دورها في لجنة جائزة (موركس دور) التي ستجري وقائعها مساء اليوم أجابت: «أشارك في اللجنة الخاصة بالأعمال الموسيقية والتي تتألّف من موسيقيين معروفين أمثال روميو لحود وإحسان المنذر. وقد اعتمدنا في خياراتنا على العمل المشرّف ولا أذيع سرّا إذا قلت إن هناك عددا كبيرا منها تنافس على تلك الجوائز، مما تسبب بفوز أحدهم على حساب آخر، وهو أمر بديهي في ظلّ وجود أعمال بنفس المستوى المطلوب».
ورأت أن العناصر الأساسية لعمل غنائي ناجح والمؤلّفة من ثلاثة مكوّنات أساسية (الصوت والشعر واللحن)، قد تنجح مرات كثيرة بالصدفة بسبب كلام قريب إلى القلب أو صوت صاعد ولحن وضعه موسيقي غير مشهور، إلا أنها في النهاية تكون قد حقّقت وقعها الإيجابي لدى الجمهور فأدرجت مباشرة في خانة الأعمال المقبولة.
وعن غيابها عن الساحة الفنيّة أجابت: «أستعد لعودة قريبة مع عمل فنّي أقدمه مع مجموعة كورس رائعة. فما لا يعرفه كثيرون هو وجود أصوات جميلة جدّا في تلك المجموعات تستحق أن يسلّط الضوء عليها. وما يميّز هذه المواهب هو خلفيتها الثقافية الفنية إلى جانب موهبتها الصوتية».
وعما تعني لها الموسيقى بشكل عام ردّت: «هي ملاذي بعد ربّ العالمين فمعها برأيي نستطيع أن نتخلّص من مشاكلنا وحزننا، كما في إمكانها أن ترافقنا في أفراحنا والمناسبات السارة». وكانت عايدة شلهوب قد وضعت أغنية مؤخرا توجّهت فيها إلى المسنين بعنوان «قبل بأربع ليالي»، أداها كورال القديسة رفقا يومها «هي أغنية جميلة تحمل معاني حلوة أردتها كتحية للمسنين».
وعما إذا فرحت بإعادة تقديم أغنيتها الشهيرة «لو فيي» بصوت اليسا قالت: «الأغنية حصدت شهرتها الواسعة منذ السبعينات وما زالت حتى اليوم، كما أنني لا أحبذ فكرة الإعادات الفنيّة إذ أجدها تفقد من براءتها وعفوية نجاحها. فعندما تسجّل الأغنية لأول مرة يكون لديها وهج خاص بها، لا يمكن أن نعيشه في نسخة جديدة منها إذ يصبح فيها شيء من الاصطناعية».
وعن رأيها في إطلاق اسم الراحل حليم الرومي على أحد استوديوهات «إذاعة لبنان» قالت: «طبعا هذا أمر يفرحنا إذ يجب أن نعطي عمالقتنا ما يستحقّونه فتبقى ذكراهم من جيل إلى آخر. وأنا شخصيا أدرّس فنّ الموشّح لحليم الرومي في الحصص الجامعية خصوصا أنه كان مميزا في هذا الفنّ بالذات، وقد نال عنه جائزة هامة من تونس عن موشّح (يرنو بطرف فاتر)».



إيلي فهد لـ«الشرق الأوسط»: المدن الجميلة يصنعها أهلها

بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
TT

إيلي فهد لـ«الشرق الأوسط»: المدن الجميلة يصنعها أهلها

بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})

لا يمكنك أن تتفرّج على كليب أغنية «حبّك متل بيروت» للفنانة إليسا من دون أن تؤثر بك تفاصيله. فمخرج العمل إيلي فهد وضع روحه فيه كما يذكر لـ«الشرق الأوسط»، ترجم كل عشقه للعاصمة بمشهديات تلامس القلوب. أشعل نار الحنين عند المغتربين عن وطنهم. كما عرّف من يجهلها على القيمة الإنسانية التي تحملها بيروت، فصنع عملاً يتألّف من خلطة حب جياشة لمدينة صغيرة بمساحتها وكبيرة بخصوصيتها.

ويقول في سياق حديثه: «أعتقد أن المدن هي من تصنع أهلها، فتعكس جماليتهم أو العكس. الأمر لا يتعلّق بمشهدية جغرافية أو بحفنة من العمارات والأبنية. المدينة هي مرآة ناسها. وحاولت في الكليب إبراز هذه المعاني الحقيقية».

تلعب إليسا في نهاية الكليب دور الأم لابنتها {بيروت} (حساب فهد إيلي على {إنستغرام})

من اللحظات الأولى للكليب عندما تنزل إليسا من سلالم عمارة قديمة في بيروت يبدأ مشوار المشاهد مع العاصمة. لعلّ تركيز فهد على تفاصيل دقيقة تزيح الرماد من فوق الجمر، فيبدأ الشوق يتحرّك في أعماقك، وما يكمل هذه المشهدية هو أداء إليسا العفوي، تعاملت مع موضوع العمل بتلقائية لافتة، وبدت بالفعل ابنة وفيّة لمدينتها، تسير في أزقتها وتسلّم على سكانها، وتتوقف لبرهة عند كل محطة فيها لتستمتع بمذاق اللحظة.

نقل فهد جملة مشاهد تؤلّف ذكرياته مع بيروت. وعندما تسأله «الشرق الأوسط» كيف استطاع سرد كل هذه التفاصيل في مدة لا تزيد على 5 دقائق، يرد: «حبي لبيروت تفوّق على الوقت القليل الذي كان متاحاً لي لتنفيذ الكليب. وما أن استمعت للأغنية حتى كانت الفكرة قد ولدت عندي. شعرت وكأنه فرصة لا يجب أن تمر مرور الكرام. أفرغت فيه كل ما يخالجني من مشاعر تجاه مدينتي».

من كواليس التصوير وتبدو إليسا ومخرج العمل أثناء مشاهدتهما إحدى اللقطات من الكليب (فهد إيلي)

يروي إيلي فهد قصة عشقه لبيروت منذ انتقاله من القرية إلى المدينة. «كنت في الثامنة من عمري عندما راودني حلم الإخراج. وكانت بيروت هي مصدر إلهامي. أول مرة حطّت قدمي على أرض المدينة أدركت أني ولدت مغرماً بها. عملت نادلاً في أحد المطاعم وأنا في الـ18 من عمري. كنت أراقب تفاصيل المدينة وسكانها من نوافذ المحل. ذكرياتي كثيرة في مدينة كنت أقطع عدداً من شوارعها كي أصل إلى مكان عملي. عرفت كيف يستيقظ أهاليها وكيف يبتسمون ويحزنون ويتعاونون. وهذا الكليب أعتبره تحية مني إلى بيروت انتظرتها طويلاً».

لفت ايلي فهد شخصية إليسا العفوية (حسابه على {إنستغرام})

يصف إيلي فهد إليسا بالمرأة الذكية وصاحبة الإحساس المرهف. وهو ما أدّى إلى نجاح العمل ورواجه بسرعة. «هذا الحب الذي نكنّه سوياً لبيروت كان واضحاً. صحيح أنه التعاون الأول بيني وبينها، ولكن أفكارنا كانت منسجمة. وارتأيت أن أترجم هذا الحبّ بصرياً، ولكن بأسلوب جديد كي أحرز الفرق. موضوع المدينة جرى تناوله بكثرة، فحاولت تجديده على طريقتي».

تبدو إليسا في الكليب لطيفة وقريبة إلى القلب وسعيدة بمدينتها وناسها. ويعلّق فهد: «كان يهمني إبراز صفاتها هذه لأنها حقيقية عندها. فالناس لا تحبها عن عبث، بل لأنها تشعر بصدق أحاسيسها». ويضعنا فهد لاشعورياً في مصاف المدن الصغيرة الدافئة بعيداً عن تلك الكبيرة الباردة. ويوضح: «كلما كبرت المدن خفت وهجها وازدادت برودتها. ومن خلال تفاصيل أدرجتها في الكليب، برزت أهمية مدينتي العابقة بالحب».

لقطة من كليب أغنية "حبّك متل بيروت" الذي وقعه إيلي فهد (حسابه على {إنستغرام})

كتب الأغنية الإعلامي جان نخول ولحّنها مع محمد بشار. وحمّلها بدوره قصة حب لا تشبه غيرها. ويقول فهد: «لقد استمتعت في عملي مع هذا الفريق ولفتتني إليسا بتصرفاتها. فكانت حتى بعد انتهائها من تصوير لقطة ما تكمل حديثها مع صاحب المخبز. وتتسامر مع بائع الأسطوانات الغنائية القديمة المصنوعة من الأسفلت». ويتابع: «كان بإمكاني إضافة تفاصيل أكثر على هذا العمل. فقصص بيروت لا يمكن اختزالها بكليب. لقد خزّنت الكثير منها في عقلي الباطني لاشعورياً. وأدركت ذلك بعد قراءتي لتعليقات الناس حول العمل».

في نهاية الكليب نشاهد إليسا تمثّل دور الأم. فتنادي ابنتها الحاملة اسم بيروت. ويوضح فهد: «الفكرة هذه تعود لإليسا، فلطالما تمنت بأن ترزق بفتاة وتطلق عليها هذا الاسم». ويختم إيلي فهد متحدثاً عن أهمية هذه المحطة الفنية في مشواره: «لا شك أنها فرصة حلوة لوّنت مشواري. وقد جرت في الوقت المناسب مع أنها كانت تراودني من قبل كثيراً».