«مفاوضات تسوية» في حي القدم لإخراج مقاتلي المعارضة إلى الشمال

المعارضة ترجّح التوصل إلى اتفاق لعدم جدوى المواجهة العسكرية

«مفاوضات تسوية» في حي القدم لإخراج مقاتلي المعارضة إلى الشمال
TT

«مفاوضات تسوية» في حي القدم لإخراج مقاتلي المعارضة إلى الشمال

«مفاوضات تسوية» في حي القدم لإخراج مقاتلي المعارضة إلى الشمال

يسعى النظام السوري، إلى إبرام «تسوية» قسرية جديدة في محيط العاصمة دمشق، هذه المرة مع ممثلي حي «القدم» في جنوب المدينة، الخاضع لسيطرة المعارضة. وعبر «التسوية» التي ستكون على غرار «الاتفاقات» القسرية التي شملت أحياء برزة وتشرين والقابون، يسعى النظام لإعادة «القدم» إلى سيطرته، وتهجير المقاتلين وعائلاتهم إلى الشمال السوري. وحسب المعلومات، فإن «المفاوضات» الجارية بين الطرفين تشهد تقدماً، وربما تنتهي بموافقة المسلّحين على الخروج، باعتبار أن بقاء الحي تحت الحصار، أو الدخول بمواجهة عسكرية لن يحققا أي هدف للمعارضة.
المعلومات، أن المفاوضات التي طالت في «القدم» لبعض الوقت بين ممثلين عن النظام ووجهاء الحي ثم توقفت قبل أشهر، عادت فاستؤنفت في الأيام الأخيرة. وكشف الناشط ضياء يحيى، أن عملية التفاوض تجددت مؤخراً، ومن المتوقع أن يعود وفد من الحي، للاجتماع بوفد النظام السوري بعد أسبوع من الآن «لتحديد مصير الحي، وبحث مسألة خروج المقاتلين الرافضين للتسوية مع عوائلهم باتجاه إدلب في شمال البلاد». إلا أنه استطرد قائلاً: «هذا لا يعني بأي حال من الأحوال، أن مسألة حي القدم حُسمت مطلقاً، فقد تنتهي إلى فشل»، مذكراً بأن «الجولة الأخيرة من المفاوضات كانت قبل نحو 3 أشهر، وانتهت من حيث توقفت بلا أي نتائج حقيقية، وهذا له أسباب عدة، تتعلق بتعقيدات المنطقة، كملف (جبهة النصرة) و(داعش) في مخيم اليرموك، وأيضاً ملف البلدات الثلاث يلدا وببيلا وبيت سحم».
جدير بالذكر، أن النظام السوري كان دخل منذ شهر أغسطس (آب) من عام 2014، في هدنة مع حي «القدم»، الذي يسيطر عليه فصيل «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام»، وبعض المواقع العائدة لـ«هيئة تحرير الشام»، في حين يسيطر تنظيم داعش على أجزاء واسعة من حي العسالي المجاور، ويقطع الحي عن بقية مناطق جنوب دمشق.
وتدرس المعارضة السورية الآن جدوى أي اتفاق في ميزان الربح والخسارة، وفق تعبير عضو «مجلس الثورة» في ريف دمشق إسماعيل الدرارني، الذي أوضح أن المفاوضات جدية. ثم تابع في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن «أي اتفاق يفضي إلى خروج المقاتلين إلى الشمال السوري، من دون الدخول في معركة قد تؤدي إلى تدمير الحي... بات أفضل من الدخول في مواجهة». وأردف: «المحادثات بدأت بعدما اقتنع وجهاء الحي وحتى الثوار، بأن بقاء الوضع على ما هو عليه، لن يحقق أي مكسب للثورة، خصوصاً، وأن الحي محاصر من كل الاتجاهات. وبالتالي لا فائدة من البقاء على الهدنة، ولا حتى المواجهة العسكرية».
وكانت ثلاثة من أحياء دمشق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، هي برزة وتشرين والقابون، توصلت إلى اتفاقات قسرية مع النظام، أنهت الصراع المستمر بين الطرفين منذ 5 سنوات، وخرج بنتيجتها جميع المقاتلين مع عائلاتهم إلى شمال سوريا، بالإضافة إلى مئات المدنيين الرافضين لهذه التسوية.
ولفت الدرارني إلى أن «قوّة حي القدم، كانت باتصاله جغرافياً مع مدينة داريا، قبل تدميرها وتهجير أهلها ومقاتليها، وكذلك مع الغوطة الغربية. كان يلعب دوراً مهماً في إرباك النظام، من خلال الهجمات التي شنّها مقاتلوه وأدت إلى قطع أوتوستراد دمشق - درعا مرات عدة، أو مهاجمة حي الميدان أو السيطرة من وقت لآخر على سكّة الحجاز». وأشار إلى أن الحي «يحوي الآن نحو 1500 مقاتل من «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» الذين باتت مصلحتهم اللحاق برفاقهم من التنظيم في الشمال السوري، لأن بقاءهم لوحدهم لن تقدم أو تؤخر».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم