«قُصاصة ورق»... نص سردي يعرّي قسوة السلطة السورية

محمد أبو أحمد يروي شهادته بعد 18 شهراً في السجن

«قُصاصة ورق»... نص سردي يعرّي قسوة السلطة السورية
TT

«قُصاصة ورق»... نص سردي يعرّي قسوة السلطة السورية

«قُصاصة ورق»... نص سردي يعرّي قسوة السلطة السورية

يُصنّف كتاب «قُصاصة ورق من داخل السجون السورية» لمحمد أبو أحمد شهادةً واقعية حية تكشف عن قسوة النظام السوري، ووحشية عناصره الأمنية في التعامل مع الضحايا الأبرياء الذين وجدوا أنفسهم في ظروف ملتبسة داخل الأقبية والدهاليز المظلمة لسجون النظام السوري، خصوصاً بعد اندلاع المظاهرات الاحتجاجية عام 2011، ولمّا تزل هذه المظاهر القمعية الممنهجة قائمة حتى الوقت الراهن.
ينتمي فن «الشهادة» إلى نمط الكتابة الحميمة مثل المذكرات، واليوميات، والرسائل، وأدب الاعتراف، والسيرة الذاتية التي يجب أن يتطابق فيها المؤلف والراوي في أقل تقدير، كما يُستعمل فيها ضمير المتكلم الذي يركز غالباً على الذات الساردة، مُصوراً انفعالاتها النفسية، ومُستبطِناً مشاعرها الداخلية العميقة وهي تستقريء الأحداث بعين محايدة لا تتكئ على المخيلة، ولا تعول على الغلو والمبالغات المُفرطة التي تجرد الشهادة من مصداقيتها. فالقارئ السوري، أو العربي تحديداً، يستطيع أن يميز بين الحقائق والافتراءات، بل إن الذاكرة الجمعية للشعوب العربية تعرف سلفاً فيما إذا كانت الشهادة التي يدونها السجين حقيقية أم مزورة؛ وذلك بسبب شيوع ظاهرة السجن بين ظهرانيها ومعرفة غالبية الناس ما يدور في زنازين السجون السرية والعلنية. وعلى كاتب الشهادة، سواء أكان أديباً أم إنساناً عادياً، أن يتوخى الدقة ويتفادى الكذب أو التهويل، ويضع نُصْب عينيه القارئ المُلِم بأسرار السجون التي تحفل بها البلدان العربية، مع الأسف الشديد.
يقسّم محمد أبو أحمد في مقدمة كتابه الشعبَ السوري إلى أربع فئات رئيسة، هي فئة الشهداء، والنازحين، والمُرابطين، والمُعتقَلين، وهو معنيّ بالفئة الرابعة التي انتمى إليها لمدة ثمانية عشر شهراً، وكتب عنها هذه الشهادة الحقيقية التي تكشف عن عنف السلطة السورية، وتعري قسوة الجلادين البعثيين الذين يمعنون في تعذيب الضحايا، وينتهكون حقوقهم الإنسانية، ويقتلونهم بدم بارد في الفروع الأمنية والسجون سيئة الصيت والسمعة، مثل المزة وتدمر وصيدنايا، وسواها من السجون الموزعة على خريطة الوطن المستباح.
يمكن لملمة الثيمة المبعثرة في متن الكتاب بالشكل التالي: «قُصاصة ورق كتبها حاقد تُفضي براوي الشهادة إلى الاعتقال لمدة عام ونصف العام في سجون السلطة السورية بتهمٍ مُلفقة، أبرزها (العمالة والخيانة)، وأقلها تهريب السلاح، وتمويل المتمردين، وتخريب الممتلكات العامة. وحينما تُبرئه المحكمة من التهم الموجهة إليه يغادر إلى لبنان لبدء حياة جديدة، لكنه يكتشف أن صراخ الأطفال والنساء السجينات لا يزال يتردد في أذنيه، وأن أي صوت قوي يصدر حتى من شاشة التلفزيون يعيده إلى زنزانته المُرعبة، وأن مرور أي سيارة شرطة يمكن أن يضاعف من دقات قلبه. فمتى يتخلص من هذه المخاوف التي تكلست في أعماقه؟». تقع خلفية الأحداث أو زمكانها في ستة أماكن، معظمها فروع أو شُعَب أمنية، باستثناء السجن المركزي العام. وقد استغرقت الأحداث برمتها داخل السجون 18 شهراً، كما أشرنا سلفاً، لكنها تواصلت في سجن «البيت» عشرة أشهر إضافية قبل أن يسافر إلى لبنان مُثقلاً بانكساراته وخيباته الشخصية والأُسَرية. ومن الطبيعي أن يركز الراوي أول الأمر على سيرته ومعاناته الفردية، ثم ينتقل إلى معاناة بقية السجناء الذين تعرف إليهم، وصادق بعضهم داخل الفروع الأمنية ليقدم للقارئ صورة موضوعية عن حياة النزلاء وآرائهم السياسية أو الفكرية المناهضة للقمع والتعسف والاستعباد.
يبدو أن الراوي قد اكتفى بضمير المتكلم ولم يمنح نفسه اسماً صريحاً، ربما لأنه سيحمل قريباً رقم 12، وسوف يُنادى به طوال مدة بقائه في السجون الستة، التي لم يسم السارد المُعتقلَين الأول والثاني، مُكتفياً بكلمة «فرع» التي لا تفي بالغرض المطلوب في عمل توثيقي مثل الشهادة. كما امتدت هذه النواقص الجوهرية إلى تفادي ذِكر المدينة التي يسكن فيها الراوي أو القسم الذي يدرس فيه بالجامعة. فالقارئ في حاجة ماسة إلى معرفة هذه المعلومات وسواها من الآراء والمواقف الفكرية التي يستدل بواسطتها على هذه الضحية التي أمست صامتة وخائفة ومعزولة عن العالم الخارجي. ولو كان محمد أبو أحمد كاتباً مُحترفاً لأحاطنا علماً باختصاصه، ونوعية الكتب التي يقرأها، وهواياته المفضلة، وعلاقاته الاجتماعية والعاطفية التي تكسر رتابة الوضع المأساوي الذي كان يعيشه داخل السجن أو في خارجه على حدٍ سواء.
يبدأ مسلسل التعذيب في الفروع الأمنية من «حفلات الاستقبال»، ويمر بتحطيم الإرادة، وينتهي غالباً بالإعاقة، أو الحط بالكرامة الإنسانية، أو الموت، وقد أورد الراوي في بعض هذه الفروع التابعة لأمن الدولة (أو المخابرات) والأمن السياسي، عدداً من أنواع التعذيب المعروفة في السجون السورية، نورد منها الضرب بالأيدي والأرجل والعصي والهراوات والأسواط، و«الشبح»، وصعق الأعضاء الحساسة بالكهرباء، وإجبار السجناء على النباح والنهيق، وتقليد أصوات الحيوانات التي قد تخطر ببال الجلاد. كما يُعد الاكتظاظ، والاختناق، والحرمان من الماء والطعام والنوم والجلوس لساعات طويلة في الليل والنهار نوعاً من طرق التعذيب التي يتبعها السجانون في الفروع الأمنية.
يشير الراوي إلى أن التعذيب لا يقتصر على الرجال حسب، وإنما يمتد إلى النساء من مختلف الأعمار، حيث يقول: «صرخات النساء الشيء الوحيد الذي لن ينساه المعتقَل حتى تفارق الروح الجسد» (33) وفي موضع آخر يُصدَم الراوي حينما يرى طفلاً في التاسعة من العمر يدخل الزنزانة باكياً مردداً: «أريد أمي، أريد أن أعود لمنزلي، أمي تنتظرني» (36).
يخرج الراوي من أناه المتمركزة على الذات لينفتح على سجناء آخرين، مثل الرجل الشجاع الذي كان يصرخ بوجه مُعذبيه: «فكّوني يا جبناء»، والعم أبو ماهر الذي كان يصلي بصمت لأنهم يمنعون الأصوات المسموعة، وسيموت هذا الرجل اختناقاً بسبب شح الهواء. كما نتعرف إلى العم «أبو فيصل» الذي سيساعد الراوي على الاتصال بأهله، ومحمود الذي غاب سنتين ونصف السنة لأنه كان «يفكر بالانشقاق»، وأبو محمد الذي دهموا منزله في منتصف الليل، وأخذوا معه زوجته وابنه الوحيد لأنه «إرهابي»، فكيف ترضى زوجته أن تعيش مع «إرهابي» وقائد مجموعة مسلحة؟ وخالد الذي أُعتقل حينما كان عمره 16 سنة، لكنه وصل إلى السجن المركزي بعد 25 شهراً من التنقل بين الفروع الأمنية بتهمة الاغتصاب والقتل مع أنه لم يكن يعرف معنى الاغتصاب في حينه لينتهي به الأمر في سجن صيدنايا الذي تقشعر لذِكره الأبدان.
يزودنا الراوي بمعلومات دقيقة عن الوجبات الغذائية الشحيحة للسجناء والتي تقتصر على بضع حبات زيتون صباحاً، وحفنة من الرز البارد ظهراً، وكمية من البطاطا المسلوقة مساءً. أما الوجبة الساخنة، أو كأس الشاي أو حتى «رأس» البصل فيغدو حلماً يراود السجناء جميعاً.
تنعدم الرعاية الصحية في السجون الأمنية، وغالباً ما يعاني السجناء من الحكة والجرب والتقيح. أما الأطباء والممرضات في المستشفيات الأمنية فهم أكثر قسوة من ضباط المخابرات، على حد وصف الراوي. وهذه القسوة والفظاظة سنلمسها عند «السُخرات» و«رؤساء المهاجع» الذين يكونون غالباً من المهربين أو تجار المخدرات الذين تُناط بهم مسؤولية تنظيم السجناء في الزنازين وتوزيع الغذاء عليهم. خلاصة القول إنها شهادة صادقة تهز القارئ على الرغم من بساطة التقنيات الأدبية والمقاربات الفكرية المتواضعة التي يمكن تلمسها بين تضاعيف هذا النص السردي.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.