تسعة طلاب نالوا «جائزة ميشال شيحا» اللبنانية

تسعة طلاب نالوا «جائزة ميشال شيحا» اللبنانية
TT

تسعة طلاب نالوا «جائزة ميشال شيحا» اللبنانية

تسعة طلاب نالوا «جائزة ميشال شيحا» اللبنانية

أقامت مؤسسة ميشال شيحا احتفالا في فندق بريستول في بيروت، سلمت خلاله «جائزة ميشال شيحا» لعام 2017 التي منحت ل 9 طلاب فازوا في المسابقة التي نظمتها المؤسسة باللغات الثلاث العربية والفرنسية والإنجليزية، وشارك فيها 215 طالبا وطالبة من الصفوف الثانوية النهائية ينتمون إلى أكثر من 35 مؤسسة تربوية رسمية وخاصة من مختلف المناطق اللبنانية.
حضر الاحتفال الرئيس حسين الحسيني، وممثل وزير التربية والتعليم العالي محيي الدين كشلي والنائب نبيل دو فريج والنائب هنري حلو والمستشار في المركز الثقافي الفرنسي لوتشيانو ريسبولي ومدير الإعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا وكريمة المؤرخ ميشال شيحا السيدة مادلين شيحا حلو، وعدد من الشخصيات الرسمية والسياسية والثقافية ومديرو المدارس المشاركة وعائلات الطلاب.
عضو المؤسسة الدكتورة كلود ضوميط سرحال كلمة تطرقت فيها إلى معنى «المواطنية» وارتباطها بالقيم العالمية لحقوق الإنسان، وضرورة حفاظها على حق الاختلاف عن الآخر.
وأوضحت أنه خلال القرن الفائت كان النقاش مستفيضاً حول ماهية الأسس التي تقوم عليها الهوية اللبنانية وما الذي يحدد المواطنية اللبنانية، إلى أن عاش لبنان حرباً أهلية مريرة أبقت هذه الأسئلة دون جواب.
وألقى البروفسور أنطوان مسرة كلمة قال فيها: «ميشال شيحا مؤسس للفكر اللبناني. وأهم من ذلك هو ريادي في الفكر الدستوري المقارن والمعاصر الذي برز في أعمال عالمية ومقارنة منذ سبعينات القرن الماضي حول الإدارة الديمقراطية للتعددية الدينية والثقافية».
ثم ألقى الدكتور أحمد بيضون كلمة قال فيها: «حالَما يُذْكَرُ الرجلُ تحضر ألفاظٌ أو عباراتٌ محدودة العدد للغاية يُردُّ إليها فكرُه ودوره: فينيقيا والمتوسّط، الدعوة اللبنانية وصيغة التعايش الطائفية، مديح المبادرة الفردية والحذَر من دور اجتماعي اقتصادي للدولة والميل إلى تغليب التجارة والخدمات الموجّهة نحو الخارج في النظام الموسوم بالاقتصاد الحرّ... هذا كلّ شيءٍ تقريباً. وأمّا أدوار شيحا في الحياة العامّة، فيما يتعدّى مقالاته ومحاضراته، فيكاد لا يُذكر منها سوى إسهامه البارز في وَضع الدستور اللبناني سنة 1926. وقد تُستذكَر معارضتُه تجديدَ الولاية للرئيس بشارة الخوري، متجاوزاً منطق القُرْبى وطول العشرة، مؤثراً، على وجه التحديد، منطق الامتثال للدستور الذي أسهم في وضعه.(...) ولا يفوتني ما ينسجه حول الرجل من هالةٍ اقترانُ اسمه بأمورٍ ذكَرْتُها لها ما لها من وقع متمادٍ على حياة اللبنانيين جملةً وتفصيلاً. وإنما أريد القول إن هذا التعداد يحجب ميشال شيحا نفسه أي المخاضَ التاريخي الشخصي الذي كانته حياتُه الفكرية وما مثّله هذا المخاض من تحوّلاتٍ. وهذه تحوّلاتٌ لم تكن تخلو أبداً من إعادات نظرٍ يمكن أن يُحمَل بعضٌ منها - وهو بعضٌ ليس بقليل الأهمية - على مَحْمَل مخالفة النفس والانصراف عن سابق الموقف. هذه التحوّلات كانت تاريخية بمعنى الكلمة المليء: أي أنها مَثّلَت صدوعاً بما كان يكشفه تغيّر الأحوال العامة لهذا الصحافي الدقيق الإصغاء إلى حركة الحوادث. فكان لا يأنف من ترك رأي سبق أن رآه ومن الانعطاف برؤيته نحو ما يشتمل على التحوّل الحالي ويلتمس موقعاً جديداً منه».
بعد ذلك تم تسليم الجوائز إلى الفائزين على النحو الاتي:
في اللغة العربية: فازت في المرتبة الأولى مايسة نبيل بيضون من ثانوية البازورية الرسمية، وحلت في المرتبة الثانية كل من نور هرموش من مدرسة سيدة الناصرة في بيروت، وريتا ناتاليا عساف من ثانوية مار إلياس درب السيم، فيما نالت الجائزة الثالثة كل من نور جمال ياسين من ثانوية كترمايا الرسمية، وهادي محمود ماضي من ثانوية البازورية الرسمية.
في اللغة الفرنسية: فاز في المرتبة الأولى ريمون دياب من مدرسة سيدة الجمهور، وحلت في المرتبة الثانية روى براج من الثانوية الإنجيلية الفرنسية، فيما نال المرتبة الثالثة جورج أبي يونس من مدرسة الفرير مون لاسال.
في اللغة الإنجليزية: حجبت المرتبتان الأولى والثالثة، وحلت في المرتبة الثالثة هنادي هويلو من ثانوية الشهيد رفيق الحريري في دوحة الشويفات.
وتبلغ قيمة الجائزة الأولى 3 ملايين و500 ألف ليرة، والجائزة الثانية مليونين و500 ألف ليرة والثالثة مليون ليرة وأعلنت المؤسسة أن الطلاب الذين اشتركوا في المسابقة عبرّوا عن اهتمام لافت بفكر ميشال شيحا ومواقفه، ما يشكل حافزا للمؤسسة للاستمرار في تنظيم مسابقتها سنويا.
تجدر الإشارة إلى أن هدف «مؤسسة ميشال شيحا» التي تأسست في عام 1954، نشر أفكار ميشال شيحا وتحفيز الأجيال الجديدة على فهم نظرته إلى لبنان، وما المسابقة السنوية التي تجريها منذ عام 1962 إلا لخدمة هذا الهدف.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)