بعد غارات لأكثر من شهرين... ألفا شخص غادروا القابون

غادرت عشرات الحافلات وعلى متنها نحو ألفي شخص من مقاتلين وعائلاتهم ومدنيين راغبين في الخروج من حي القابون، أمس، ومن ضمنهم نحو 800 من مقاتلي الفصائل، بما يمهد لسيطرة النظام السوري وحلفائه على المنطقة بشكل كامل، في أعقاب غارات جوية وقصف مدفعي مستمر منذ أكثر من شهرين. غير أن مقاتلي المعارضة قالوا إنهم ما زالوا يسيطرون على جيب صغير داخل الحي الذي يقع في الطرف الشمالي الشرقي لدمشق، والذي تحول في معظمه إلى أنقاض، بعد مئات من الغارات الجوية والصاروخية.
وأشارت معلومات للمرصد السوري لحقوق الإنسان، عن نية سلطات النظام إفراغ حي القابون الواقع عند الأطراف الشرقية للعاصمة بشكل كامل، أمس، لتستكمل سيطرتها على الحي بعد أن توسعت وفرضت سيطرتها أمس على نحو 80 في المائة من القابون.
وأفاد التلفزيون السوري الرسمي عن «خروج 1500 شخص من المسلحين وعائلاتهم متوجهين إلى إدلب»، مشيراً إلى «تسوية أوضاع 500 مسلح ضمن إطار التسوية المتعلقة بالحي».
وشاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية داخل حي القابون، صباح أمس، حافلات بيضاء اللون تقل على متنها المسلحين وعائلاتهم قبل انطلاقها تباعاً إلى وجهتها في شمال غربي البلاد.
وعلى مدخل الحي، تعانق سعاد (22 عاماً) وهي تستعد للصعود إلى الحافلة صديقتها منى (22 عاماً) التي اختارت البقاء. تنهمر دموع كل منهما قبل أن تفترقا.
وتقول سعاد للوكالة بتأثر: «لم أشأ الرحيل، لكنّي مضطرة لملازمة والديّ، وهما يفضلان التوجه إلى إدلب» المحافظة الواقعة في شمال غربي سوريا وتشكل وجهة سكان المناطق التي يتم إخلاؤها في دمشق ومحيطها.
وتتابع الشابة التي ترتدي حجاباً أبيض وكنزة زرقاء بغصة «لم أتوقع يوماً أن أكون في موقف مماثل (...) حالتي لا توصف».
وحمل الخارجون معهم أمتعة بسيطة وحقائب صغيرة، فيما فضل آخرون البقاء وتسجيل أسمائهم لدى نقطة أمنية من أجل «تسوية أوضاعهم».
ونشر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن مصادر موثوقة قالت إن استياء يسود الأوساط الأهلية في غوطة دمشق الشرقية، ممن كانوا يرغبون في الانتقال إلى منطقة القابون والخروج مع هذه الدفعة إلى الشمال السوري. وجاء هذا الاستياء على خلفية منع حواجز «فيلق الرحمن» لهم من الانتقال عبر الأنفاق التي تربط بين القابون والغوطة الشرقية، فيما أبدى أهالي رغبتهم في الخروج بسبب الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تشهدها الغوطة الشرقية، في ظل الحصار المستمر من قبل قوات النظام والمسلحين الموالين لها.
وكان المرصد قد نشر أن قوات النظام تمكنت من تحقيق تقدم جديد من الجهة الشمالية الشرقية لحي القابون الدمشقي، عند الأطراف الشرقية للعاصمة، وتمكنت قوات النظام من توسيع نطاق سيطرتها على الحي، وبالتالي تضييق الخناق أكثر على الفصائل الموجودة في الحي، من «فيلق الرحمن» وعناصر من «حركة أحرار الشام الإسلامية»، و«جيش الإسلام»، وتقليص سيطرتهم التي تراجعت لتصل إلى 20 في المائة من مساحة الحي، في حين أكدت المصادر الموثوقة للمرصد السوري أن النفق الذي سيطرت عليه قوات النظام والواصل بين بساتين حي القابون وأطراف حي تشرين وبين حي برزة الواقع عند الأطراف الشرقية للعاصمة، توقف العمل فيه منذ نحو شهر من الآن، نتيجة رصده من قبل قوات النظام. واستأنفت قوات النظام قصفها العنيف على الحي يوم الأربعاء الماضي، بعد إنذار ليوم واحد وجهته للمعارضة المسلحة، للاستسلام والموافقة على الرحيل إلى مناطق تسيطر عليها قوات المعارضة في شمال سوريا.
وذكرت وكالة «سانا» الرسمية، السبت، أنه تم إيقاف العمليات العسكرية في حي القابون بعد الظهر، بعد أن أعلنت «التنظيمات الإرهابية» قبولها باتفاق يقضي برحيل عناصرها من الحي.
وتم إجلاء مئات من مقاتلي المعارضة وأسرهم الأسبوع الماضي من منطقة برزة المجاورة، بعد أن قرر مقاتلو المعارضة هناك إلقاء أسلحتهم والرحيل إلى محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة. وكان من بينهم مقاتلون من القابون. وغادر نحو 1240 شخصاً، الجمعة، من أحياء برزة وتشرين والقابون، إلى إدلب شمال سوريا، بينهم لا يقل عن 600 عنصر بسلاحهم الشخصي.
وسيطرت على حي القابون 3 فصائل رئيسية، وهي «جيش الإسلام»، و«فيلق الرحمن»، و«أحرار الشام» منذ أواخر عام 2011، ودخلت في هدنة مع النظام عام 2014، إلى جانب حيي تشرين وبرزة المجاورين. وعمليات الإخلاء هذه هي الأخيرة في سلسلة من الاتفاقات بين الحكومة والمسلحين، حيث يتم توفير ممر آمن للمعارضة المسلحة مقابل رحيلهم من دون قتال.
وأظهرت لقطات فيديو مقدمة من قوات النظام حجما هائلا للدمار في القابون واكتشاف أنفاق فيها. وتعزز تقدم قوات النظام بعد قطع الأنفاق بين القابون وبرزة، اللتين عزلهما الجيش شرق الغوطة. ويعتبر النظام هذه الاتفاقات أفضل طريقة لإنهاء الحرب المستمرة منذ ست سنوات، لكن المسلحين يقولون إنهم مضطرون لقبولها بسبب نيران النظام والحصار. وانتقدت الأمم المتحدة عمليات الإجلاء التي تعتبرها المعارضة السورية «تهجيراً قسرياً»، وتتهم النظام السوري بالسعي إلى إحداث «تغيير ديموغرافي» في البلاد.
يذكر أنه لا يزال مسلحو الفصائل المقاتلة موجودين في أحياء ثلاثة من العاصمة، هي جوبر والتضامن واليرموك.