حضور بيونغ يانغ قمة «طريق الحرير» يوتر الأجواء بين واشنطن وبكين

الولايات المتحدة تطالب بالتزام الإجماع الدولي... وكوريا الشمالية تعتبر العقوبات المفروضة عليها غير شرعية

مديرة الشؤون الأميركية بوزارة الخارجية الكورية الشمالية تشوي سون - هي قبل مغادرتها بكين أمس السبت في طريق عودتها لبلادها (أ.ب)
مديرة الشؤون الأميركية بوزارة الخارجية الكورية الشمالية تشوي سون - هي قبل مغادرتها بكين أمس السبت في طريق عودتها لبلادها (أ.ب)
TT

حضور بيونغ يانغ قمة «طريق الحرير» يوتر الأجواء بين واشنطن وبكين

مديرة الشؤون الأميركية بوزارة الخارجية الكورية الشمالية تشوي سون - هي قبل مغادرتها بكين أمس السبت في طريق عودتها لبلادها (أ.ب)
مديرة الشؤون الأميركية بوزارة الخارجية الكورية الشمالية تشوي سون - هي قبل مغادرتها بكين أمس السبت في طريق عودتها لبلادها (أ.ب)

هددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على البلدان التي تواصل القيام بمبادلات اقتصادية مع كوريا الشمالية وتنتهك العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على النظام المعزول دوليا. وأمس حذرت الولايات المتحدة من أن حضور كوريا الشمالية منتدى طريق الحرير الذي تستضيفه بكين ويفتتح اليوم قد يؤثر على مشاركة الدول الأخرى.
وكان قد فرض مجلس الأمن الدولي ست مجموعات من العقوبات على بيونغ يانغ منذ 2006 بهدف تكثيف الضغط على النظام الشيوعي وحرمانه من العائدات الهادفة إلى تطوير برامجه العسكرية.
وتسعى كوريا الشمالية لتطوير صواريخ بعيدة المدى مزودة برؤوس نووية، ويمكنها بلوغ الولايات المتحدة، وقامت حتى الآن بخمس تجارب نووية؛ اثنتين منها العام الماضي.
كوريا الشمالية نددت في الأمم المتحدة بـ«الجنون الهستيري» للولايات المتحدة، معتبرة أنها تهدد وتُرهب الدول الأخرى لدفعها إلى تطبيق العقوبات ضد بيونغ يانغ. وحضت بعثة كوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة الدول الأعضاء في المنظمة الدولية على «إعادة النظر» في تنفيذ العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي، معتبرة أنها غير شرعية.
وتأتي تصريحات بيونغ يانغ هذه بعد سلسلة اجتماعات عقدتها لجنة الأمم المتحدة المكلفة بالعقوبات من أجل دفع الدول الأعضاء في المنظمة الدولية إلى تطبيق مجموعتين من العقوبات التي تبناها مجلس الأمن في العام الماضي. واتهمت بيونغ يانغ في بيان الولايات المتحدة باللجوء إلى «كل الوسائل التي يمكن تصوّرها»، من أجل دفع البلدان الأخرى إلى تنفيذ العقوبات «من خلال ترهيبها وتهديدها علنا بـ(عقوبات خطيرة)».
تحذير السفارة الأميركية في بكين جاء ردا على ترحيب وزارة الخارجية الصينية أمس السبت بمشاركة جميع الدول في المنتدى الذي تعقده هذا الأسبوع بشأن طريق الحرير الجديد. وقال مصدران مطلعان إن السفارة الأميركية قدمت مذكرة دبلوماسية لوزارة الخارجية الصينية تقول إن دعوة كوريا الشمالية تبعث رسالة خاطئة في وقت يحاول فيه العالم الضغط على بيونغ يانغ ليجبرها على الالتزام بالإجماع الدولي. وبسؤالها عن المذكرة الأميركية قالت وزارة الخارجية الصينية في بيان مقتضب أرسلته لوكالة «رويترز»، إن الولايات المتحدة «لم تتفهم الموقف». وأضاف البيان «مبادرة الحزام والطريق مبادرة منفتحة وشاملة. نرحب بحضور جميع وفود الدول لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي». ولم تخض الوزارة في تفاصيل، لكنها قالت يوم الثلاثاء إن كوريا الشمالية سترسل وفدا إلى المنتدى دون الكشف عن تفاصيل أخرى. ولم تعلن الصين عن اسم رئيس وفد كوريا الشمالية، لكن وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية للأنباء قالت إن كيم يونج جيه وزير العلاقات الاقتصادية الخارجية الكوري الشمالي سيقود الوفد. ويشارك زعماء 29 دولة في المنتدى الذي تستضيفه بكين اليوم الأحد وغدا الاثنين، ويهدف إلى الترويج لرؤية الرئيس الصيني شي جينبينغ لتوسيع الروابط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا ودعمها باستثمارات بمليارات الدولارات في البنية التحتية.
وقالت مديرة الشؤون الأميركية بوزارة الخارجية الكورية الشمالية، تشوي سون – هي، للصحافيين أمس السبت في بكين، إن بلادها سوف تجري محادثات مع الولايات المتحدة «إذا توفرت الظروف المناسبة». وكانت تشوي في طريقها عائدة إلى بلادها عندما أدلت بتصريحها في مطار في العاصمة الصينية بكين، بحسب وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية للأنباء.
وفي الأسبوع الماضي، التقى وفد بقيادة شوي مع خبراء أميركيين في النرويج. وتصاعدت التوترات في شبه الجزيرة الكورية في الأسابيع الأخيرة بسبب التجارب الصاروخية والنووية.
وردا على قيام كوريا الشمالية بإطلاق أربعة صواريخ باليستية في بحر اليابان، نشرت الولايات المتحدة منظومة الدفاع الصاروخية «ثاد» في كوريا الجنوبية في وقت سابق العام الجاري، وتم تشغيلها الشهر الحالي. وعقدت لجنة الأمم المتحدة المكلفة بالعقوبات برئاسة إيطاليا سلسلة اجتماعات مغلقة مع بلدان من كل مناطق العالم في مقر الأمم المتحدة، من أجل حثها على رفع تقارير حول طريقة تطبيقها للعقوبات. ومن أصل 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة، قدم 54 بلدا فقط تقارير حول قرار العقوبات الذي اعتمد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016. بينما رفعت 89 دولة تقارير حول رزمة سابقة من العقوبات أقرت في مارس (آذار) من العام نفسه.
واتهمت بعثة كوريا الشمالية لجنة العقوبات بالدفع باتجاه فرض عقوبات على مؤسسات كمطاعم تملكها كوريا الشمالية، معتبرة أن ذلك «توسيع لتفسير» قرارات الأمم المتحدة. وتابع بيان بعثة كوريا الشمالية، أن الولايات المتحدة «تتوهم بأن مؤسسات عادية مثل المطاعم هي مصانع لأسلحة نووية أو صواريخ باليستية». وأضاف أن واشنطن ولجنة العقوبات الدولية «تبدوان بمظهر غبي أمام الأسرة الدولية بسبب جنونهما الهستيري حول العقوبات».
ودعت كوريا الشمالية إلى منتدى دولي من خبراء قانونيين لمراقبة عقوبات الأمم المتحدة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟