محمد باقر قاليباف فتى الحرس الثوري المدلل

مرشح الرئاسة المحافظ المهدد بصعود إبراهيم رئيسي

محمد باقر قاليباف  فتى الحرس الثوري المدلل
TT

محمد باقر قاليباف فتى الحرس الثوري المدلل

محمد باقر قاليباف  فتى الحرس الثوري المدلل

بعد 12 سنة من تجربة رئاسة بلدية طهران سيخوض محمد باقر قاليباف ثالث محاولة له للوصول إلى كرسي الرئاسة في إيران. وكان قاليباف خلال الشهور الأخيرة قد واجه تحديات مثل «فضيحة العقارات الفلكية» وانهيار مركز بلاسكو التجاري، في وسط المدينة، قبل تقديم أوراق الترشح رسميا.
من جهة ثانية، يعد الرجل من مئات آلاف المراهقين الإيرانيين الذين ابتلعتهم ماكينة غسل الدماغ الآيديولوجية للحرس الثوري الإيراني في بداية تأسيسه. كما يعد قاليباف المنحدر من قرية قريبة من مدينة مشهد ثاني كبرى مدن البلاد، واحداً من الفتيان القلائل الذين كتبت لهم النجاة بعد الحرب العراقية الإيرانية، ليجد طريقه لاحقا إلى أعلى المناصب العسكرية والقيادية في الجهاز المكلف بحماية ثالوث المرشد والنظام والثورة.

ولد محمد باقر قاليباف في أغسطس (آب) 1961 في بلدة طرقبة، قرب مدينة مشهد قاعدة خراسان وثاني كبرى مدن إيران، لأسرة متوسطة الحال. وتعني كلمة «قاليباف» (المركبة من قالي وباف) «حائك السجاد» بالفارسية. وكان عمره 17 سنة عندما أقر آية الله الخميني نظام ولاية الفقيه بعد الثورة الإيرانية عام 1979. ومع تأسيس الحرس الثوري في بداية الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر (أيلول) 1980 التحق قاليباف بصفوف المحاربين في جبهات جنوب غربي البلاد.
ثم بعد سنتين من التحاقه بالحرس الثوري، وجد قاليباف نفسه في قيادة لواء نواته من الخراسانيين اسمه «إمام الرضا» قبل أن يصبح قائد فيلق «نصر خراسان»، أبرز فيالق الحرس الثوري خلال سنوات الحرب في سن الـ22. ومع نهاية الحرب تولى قاليباف قيادة مجموعة «خاتم الأنبياء»، الذراع الاقتصادية للحرس الثوري، قبل أن ينتقل لقيادة القوة الجوية في الحرس بين عامي 1997 و2000. وكان قاليباف من قادة الحرس الذين تلقوا تدريبات عسكرية في كوريا الشمالية عام 1995، وخضع لفترة تدريبية في شركة إيرباص لقيادة الطائرات المدنية قبل تعيينه في منصب قائد جوية الحرس الثوري. وفي الفترة نفسها حصل على دكتوراه في الجغرافيا السياسية من جامعة «تربيت مدرس» أحد أهم معاقل المحافظين في المراكز العلمية الإيرانية.

* «جنرال الكماشة»
بعد أيام من انطلاق الاحتجاجات الطلابية في يوليو (تموز)  1999 وجه 23 من أبرز قادة الحرس الثوري رسالة شديدة اللهجة إلى (الرئيس يومذاك) محمد خاتمي، هددوا فيها بالتدخل إن لم توقف الحكومة الحراك الطلابي. ولكن الرسالة حملت ما هو أكبر من التهديد بالتدخل، حيث بدأت بـ«طفح الكيل» تهديداً صريحاً بالانقلاب العسكري ضد الحكومة «الإصلاحية». وكانت تلك من أوضح تدخلات الحرس الثوري في شؤون الحكومة منذ تأسيس الحرس. وفي تسجيل تسرب لاحقاً عبر المواقع الإيرانية يقول فيه قاليباف، إنه ترك مكتبه وأمسك بالعصا ونزل إلى الشارع لمواجهة الطلاب. كما يقول في التسجيل: «عندما وقعت اضطرابات الحي الطلابي 1999، كتبت الرسالة الموجهة إلى خاتمي أنا والسيد قاسم سليماني (قائد فيلق القدس)، وعندما تحرك الطلاب باتجاه بيت المرشد كنت قائد جوية الحرس الثوري». وفي إشارة إلى صوره يتابع: «عندما تكون هناك ضرورة ننزل إلى الشارع ونضرب بالعصا. نكون بين من يضربون العصا. نفتخر بذلك. لم أقل حينها أنا قائد القوات الجوية... ما شأنك بذلك؟».
بعد عام من أحداث الحركة الطلابية، وقع اختيار خامنئي على قاليباف لقيادة الشرطة الإيرانية. ويذكر عنه أنه قام بتحديث الشرطة الإيرانية عبر تعزيزها بأحدث التجهيزات، لكن كثرت المضايقات ضد الناشطين والفنانين والمثقفين في هذه الفترة، وأعاد قاليباف دوريات الآداب العامة التي كانت قد توقفت بعد حل اللجان الثورية عام 1991 ودمج عناصرها بالشرطة. وللعلم، في مناظرات الانتخابات 2013 حاول قاليباف توجيه ضربة للمرشح (الرئيس الحالي حسن روحاني) أثناء حديثه عن ضرورة الانفتاح السياسي متهما إياه بمنع إصدار تراخيص نشاطات سياسية عندما كان أميناً عاما لمجلس الأمن الوطني. ذلك الموقف رد عليه روحاني بضربة أقوى عندما قال: «أنا أستغرب جدا السيد قاليباف. صحيح يجب أن نتنافس لكن ليس بهذه الطريقة. قلبي لم يطاوعني قول ذلك لكنك تجبرني على قوله. أنتم مَن قال: اسمحوا بتقدم الطلاب. نحن لدينا استراتيجية الكماشة. نحن قلنا ليس طريقة مناسبة أن نصدر ترخيصا لكي تقوموا باعتقال بالجملة». ومنذ تلك اللحظة تحديدا تحولت تسمية «الكماشة» - «غازانبري» بالفارسية - إلى شبح يطارد اسم قاليباف في حله وترحاله.
هذه الخلفية العسكرية خدمت منافسي قاليباف في الانتخابات الرئاسية الثلاثة التي شارك فيها. حاول خصومه العزف على وتر سجله الأمني والعسكري للاستدلال على فقدانه للخطاب السياسي الواضح. تقديم قاليباف على أنه الرئيس الذي يجيد توجيه الأوامر بالطريقة العسكرية استهدف سلته الانتخابية بين أطياف المجتمع الذين يطالبون بتنمية الحريات السياسية والاجتماعية.

* أول فشل انتخابي
في عام 2005 قرر قاليباف ترك قيادة الشرطة الإيرانية والملابس العسكرية ودخول معترك السياسة رسمياً عبر الترشح للرئاسة الإيرانية، إلا أن التجربة فشلت تماماً، بعدما حل في المرتبة الرابعة بعد محمود أحمدي نجاد والرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني والزعيم «الإصلاحي» مهدي كروبي، وخرج من الجولة الأولى بعدما كان متقدما على المرشحين المحافظين الآخرين وفق استطلاعات الرأي. لكن دعم أحمدي نجاد من نجل المرشد الإيراني مجتبى خامنئي قلب المعادلة، وهكذا انحصرت الجولة الثانية بين أحمدي نجاد وهاشمي رفسنجاني.
بعد السقوط الأول استقرت مسيرة قاليباف في بلدية طهران. إذ بعد أقل من ثلاثة شهور من هزيمته في الانتخابات الرئاسية صوت مجلس بلدية طهران ذو الغالبية المحافظة لصالحه في منصب رئيس بلدية العاصمة خلفا لأحمدي نجاد وذلك بعد موافقة ثمانية ومعارضة سبعة من أعضاء المجلس.

* التجربة الرئاسية الثانية
بعد ذلك عاد قاليباف لفكرة المشاركة في الانتخابات الرئاسية عام 2013 تحت شعار «الحياة - الشعب - التغيير». وهذه المرة حاز المرتبة الثانية بستة ملايين صوت لكنه خسر بفارق كبير ‌‌‌أمام روحاني. ولقد أسهم ترشح غلام علي حداد عادل وعلي أكبر ولايتي (كلاهما من التيار المحافظ) بإضعاف موقف قاليباف، إذ أظهر عمق الخلافات بين «المحافظين».
وهنا، تجدر الإشارة، إلى أنه على مدى 12 سنة في منصب عمدة طهران عمل قاليباف على زيادة دخل بلدية طهران عبر بيع الأراضي في محيط طهران وتحويل الأراضي الزراعية إلى تجارية. وبالتالي، يواجه تهما بأن إجراءاته استهدفت الفقراء في العاصمة وضواحيها، ولا سيما، توسيع الطرق والقيام بمشروعات عملاقة تركت آثارا سلبية على الطبقة الفقيرة والعاملة في طهران كما تركت شبهات كبيرة بوقوع تجاوزات مالية.

* التجربة الرئاسية الثالثة
في انتخابات هذا العام تراجع قاليباف عن خطابه المعهود في السنوات الثماني الماضية، وتقمص شعارات الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بتركيزه على القضايا التي تهم الطبقة المتوسطة والفقيرة، وتحديدا الوضع المعيشي الضاغط في إيران هذه الأيام. وبموازاة ذلك، حاولت وسائل الإعلام أن ترسم له صورة الرجل المتواضع الذي يفضل الحياة ببساطة على الرجل صاحب «الكاريزما» الخاصة وصاحب البدلات الثمينة. وهي الصورة التي يحرص قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، على الظهور بها أمام الإيرانيين. وخلال المناظرة الثانية التي أجريت في 5 مايو (أيار)  الحالي دافع قاليباف عن أداء حكومة أحمدي نجاد، وقال إنها اهتمت بالطبقات الفقيرة أفضل من إدارة روحاني. لكن ذلك لم يرق أحمدي نجاد الذي اتهم قاليباف بالسعي وراء خطف سلته الانتخابية.
وبعدما أعلنت الجماعات المحافظة تأسيس الجبهة الشعبية للقوى الثورية (جمنا) بهدف تفادي خسارة الانتخابات 2013، برز اسم قاليباف بين المرشحين الأساسيين للمحافظين، إلا أن حضوره لم يتأكد إلا في اللحظات الأخيرة من تقديم طلبات الترشح. وللعلم، قبل تقديمه الطلب بأسبوع أثار قاليباف يوم 5 أبريل (نيسان) تكهنات عن عزوفه، إثر بيان قال فيه إنه لا يوجد لديه أي مخطط لخوض الانتخابات لكنه سيعمل بكل طاقته لقدوم رئيس جديد من أجل تغيير أساسي في البلاد.
ومن ثم، قرأ المراقبون عودة قاليباف للترشح بأنه نتيجة خلافات عميقة بينه وبين «جمنا»، التي تشير التوقعات إلى أنها ستدعم ترشح المدعي العام السابق إبراهيم رئيسي مرشحا نهائيا ضد الرئيس المنتهية ولايته روحاني. ووفق بيان «جمنا» فإن مرشحيها وافقوا على الانسحاب لصالح المرشح الأصلح. وحقاً، مع دخول الحملات الانتخابية الأسبوع الأخير يتقدم رئيسي على قاليباف بعدما أعلنت جماعة «جبهة بايداري» وجمعية رابطة مدرسي وطلاب حوزة قُم العلمية ورابطة العلماء المجاهدين، أهم جمعيات رجال الدين الإيراني، تأييد ترشح رئيسي. في المقابل، لم يعلن أي حزب محافظ تأييد قاليباف بعد.
مع هذا، من النقاط الإيجابية لقاليباف قدرته على تنظيم الحملات الانتخابية في كل مناطق إيران، وهو يحافظ على هيكل حملاته الانتخابية منذ أول فترة شارك فيها عام 2005. كذلك فإنه يملك منابر إعلامية كثيرة تعبّر عن وجهة نظر جماعته من بينها موقعا «فردا نيوز» و«شفاف نيوز»، ثم إن صحيفتي «همشهري» و«تهران أمروز» التابعتين لبلدية طهران تعدان من المنابر المنحازة لاتجاه قاليباف السياسي. ويعتقد وجود أكثر من خمسين موقعاً نشطاً ضمن مجموعة قاليباف الإعلامية. أضف لما سبق أنه عرف عن قاليباف خلال السنوات الماضية قدرته على استقطاب المواهب الإعلامية والسياسية في الجامعات الإيرانية المعروفة وضمها إلى فريقه الإعلامي القوي.
مقابل ذلك، قبل أشهر من انطلاق الحملات الانتخابية واجه قاليباف تحديات مثل فضيحة العقارات الفلكية، إذ كشف موقع «معماري نيوز» عن بيع عقارات مملوكة لبلدية طهران لأعضاء في مجلس البلدية ومسؤولين وقيادات عسكرية بأقل من نصف سعر السوق. وجاءت الفضيحة بعد شهرين من تعرض حكومة روحاني لضغوط واسعة بسبب فضيحة «الرواتب الفلكية». وفي فبراير (شباط) أدى حريق في قلب طهران التجاري إلى انهيار أكبر مجمع لبيع الملابس مما أدى إلى مقتل أكثر من 15 من رجال الإطفاء و10 مواطنين.
اليوم، من أبرز الوعود التي يقطعها قاليباف هذه الأيام توفير أربعة ملايين فرصة عمل لتخلص البلاد من أزمة البطالة، فضلا عن رفع المساعدات المالية المقدمة للمواطنين نحو 2 - 5  إذا ما جلس على كرسي الرئاسة. ومع أن خصومه حاولوا اتهامه بأنه يهدد الحريات، وأنه «الجنرال» الذي يحاول إقصاء الإناث من الوظائف ويعيد الأجواء الأمنية إلى زمن أحمدي نجاد، فإن قاليباف يحظى بدعم بعض أقدم قادة الحرس الثوري والمتنفذين منهم. كذلك تربطه علاقات وثيقة بقاسم سليماني ويجمع في فريقه عددا كبيرا من المستشارين شغلوا مناصب قيادية في الحرس الثوري إبان الحرب. كذلك يحظى قاليباف بدعم قادة الحرس الثوري الصاعدين برافعة الآيديولوجيا.
مع هذا يرى مراقبون أن تأييد رئيسي من قبل آخرين من كبار قادة الحرس الثوري قد يتحول إلى عامل ضغط على قاليباف، قد يجبره على التنازل لصالح المنافس المفضل لخوض الانتخابات. ويذكر هنا أنه في بداية الحملات الانتخابية تردد أن قاليباف تلقى وعودا من «جمنا» بأن يكون نائب الرئيس إذا ما وصل إلى كرسي الرئاسة.
بناءً عليه يمكن القول إن طموح «فتى خراسان المدلل» في الحرس الثوري قد يتعثر بطموح إبراهيم رئيسي «فتى خراسان المدلل» في القضاء... وهو الذي يضع نصب عينيه منصب المرشد الأعلى، الذي يحتله راهناً خراساني ثالث هو علي خامنئي. ثم قد يلعب القدر لعبته في السنوات القليلة المقبلة فيرتدي رئيسي عباءة خامنئي... ويجلس قاليباف بدلا منه على كرسي الرئاسة.
 



يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس
TT

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس

راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قدرة وزير دفاعه الجديد يسرائيل كاتس، الذي يصفه بـ«البلدوزر»، في تحقيق ما يراه «انتصاراً حاسماً» في غزة، واستعادة المحتجزين في قطاع غزة، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وذلك بعد أشهر من صراع نتنياهو الشخصي مع الوزير السابق يوآف غالانت، انتهى إلى إقالة الأخير. ما يلفت اهتمام المراقبين أن كاتس، الذي هو الحليف الأقرب لنتنياهو في معسكر «الصقور» الليكودي، لا يتمتع برصيد خبرة عسكرية سابقة، ولكن عليه أن يكمل حرباً مستمرة ضد حركة «حماس»، للرد على هجومها في 7 أكتوبر، الذي تسبب في مقتل 1206 أشخاص وأسر 251 شخصاً، لا يزال 97 منهم محتجزين في غزة، ويقول الجيش إن 34 منهم ماتوا.

لم يشغل يسرائيل كاتس أي منصب قيادي كبير في الجيش الإسرائيلي، بعكس سلفه يوآف غالانت، الذي كان جنرالاً قبل أن يصبح وزيراً للدفاع في 2022. إلا أن بنيامين نتنياهو أظهر ثقة في خبرته الواسعة وقيادته، قائلاً إنه «مجهز جيداً لقيادة الجهود الدفاعية خلال هذه الفترة الحرجة»، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت».

في المقابل، حرص وزير الدفاع الإسرائيلي المعيّن في تصريحات أولية على إظهار الولاء لأهداف نتنياهو التي لم يعد يثق في إدارة غالانت للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان.

وفق هذا التقدير، جاءت أول تصريحات كاتس لتعطي الأولوية لإعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة و«تدمير» حركة «حماس» الفلسطينية، و«حزب الله» اللبناني.

خلفية شخصية

لا تتوفر تفاصيل كثيرة عن نشأة وزير الدفاع الجديد، بيد أن المتداول إعلامياً هو أنه وُلد عام 1955 في مدينة عسقلان الساحلية، بإسرائيل لوالدين من منطقة ماراموريش في رومانيا، هما مئير كاتس ومالكا نيدويتش. وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، ثم نال دبلوم الدراسات العليا من الجامعة نفسها.

اجتماعياً، فإن كاتس الذي يقيم في مستوطنة «موشاف كفار أحيم» متزوج ولديه ولدان، ويجيد العمل في الزراعة، وفق موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.

التحق كاتس بالجيش عام 1973، لكن الملاحظ أن علاقته مع المؤسسة العسكرية توقفت عند عام 1977؛ إذ خدم في صفوف قوات المظلات قبل هذا التاريخ بـ4 سنوات، ثم تطوّع في لواء المظليين وتدرّج في المناصب العسكرية ليصبح ضابط مشاه في عام 1976، قبل أن يترك الخدمة عام 1977.

مع مسيرته السياسية

على الصعيد السياسي، كان تيار الصقور المتشددين هو الاختيار المبكر لكاتس؛ إذ التحق بحزب الليكود اليميني الذي يرأسه نتنياهو، كما أن الصدفة قادته إلى عضوية الكنيست منذ عام 1998 بديلاً لإيهود أولمرت، وبالفعل عمل كاتس في عدد من لجانه، قبل أن يشغل مناصب وزارية عدة خلال العقدين الماضيين، منها وزير الزراعة، والنقل، والمخابرات، والمالية والطاقة.

بدأ مسار كاتس الوزاري مع الوزارات السيادية في عام 2019؛ إذ دشن ولايته الأولى وزيراً للخارجية، وشغل في الوقت نفسه منصب وزير الاستخبارات، كما شغل منصب وزير المالية وأدار السياسة الاقتصادية إبّان جائحة «كوفيد - 19» التي ضربت العالم.

متطرف استيطاني...في وزارة الخارجية

ووفق تسوية سياسية لتداول المناصب، جرى تعيين كاتس وزيراً للطاقة والبنية التحتية في يناير (كانون الثاني) 2023، ليتبادل المنصب مع وزير الخارجية إيلي كوهين، ومن ثم يبدأ كاتس بعد سنة واحدة فترة ولايته الثانية وزيراً للخارجية.

ما يُذكر هنا أن رؤية كاتس المتطرفة حيال «حرب غزة،» - التي لا يستبعد محللون أن تنعكس على أدائه العسكري - تنطلق من القول إن إسرائيل «كانت في ذروة الحرب العالمية الثالثة ضد إيران». وهو يتمسك في الوقت ذاته «بالتأكيد على أولوية إعادة المحتجزين لدى (حماس) في غزة»، وفق تصريحات أطلقها عبر منصة «إكس» في يناير الماضي.

وفي الحقيقة، عُرف كاتس بشخصيته الصدامية منذ وقت مبكّر، حين أُوقف عن رئاسة الاتحاد في الجامعة لمدة سنة في مارس (آذار) 1981، إثر مشاركته في أنشطة عنيفة احتجاجاً على وجود طلاب أراضي 48 بالحرم الجامعي. وفي مارس 2007 لاحقته تهم الاحتيال وخيانة الأمانة، بعدما أقدم على تعيينات في وزارة الزراعة بُنيت على محاباة سياسية وعائلية.

انعكس السلوك العدواني هذا - حسب مراقبين - على نهج كاتس الدبلوماسي مع الفاعلين الدوليين؛ إذ أثار أزمة دبلوماسية بعد وقت قصير من تعيينه لأول مرة وزيراً للخارجية، عندما قال إن البولنديين «يرضعون معاداة السامية».

غوتيريش وبلينكن

وكان مفاجئاً، إعلانه وبصفته وزيراً للخارجية، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «شخص غير مرغوب» فيه بسبب امتناع غوتيريش عن التنديد بالهجوم الصاروخي الإيراني في أكتوبر (تشرين الأول).

وأيضاً، في الشهر عينه، صدرت أوامر كاتس القاطعة لمسؤولين في وزارة الخارجية «ببدء إجراءات قانونية ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدما حظرت باريس مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض تجاري بحري عسكري».

لكن البارز في «مشوار» وزير الدفاع الجديد مع حقيبة الخارجية، هو أنه لم يكن ضمن الشخصيات البارزة في المباحثات الإسرائيلية - الأميركية خلال 11 زيارة أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023؛ إذ لم يعقد بلينكن سوى اجتماعات قليلة مع كاتس.

ومن ناحية ثانية، يلاحظ محللون مشاريع سياسية مثيرة للجدل والغضب العربي تبناها كاتس؛ إذ إنه صاحِب «خطة» زيادة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان بشكل كبير، التي قدّمها للكنيست في يناير 2004. وكذلك كان كاتس قد لوّح بالاستقالة من الحكومة احتجاجاً على خطة رئيس الوزراء السابق آرييل شارون للانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد في مارس 2004.

لا لافتات عربية

من بين المواقف الأخرى لوزير الدفاع الجديد التي رصدتها تقارير إعلامية عربية، هي قرار تغيير لافتات الطرق الموجودة بحيث تكون جميع الأسماء التي تظهر عليها بالعبرية، خلال فترة عمله وزيراً للمواصلات في حكومة نتنياهو عام 2009، وبعدها بـ7 سنوات حثّ على «استخدام عمليات التصفية المدنية المستهدفة أو الاغتيالات» ضد قادة الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل «حركة بي دي إس».

وبالتوازي، لا يخفي مراقبون فلسطينيون وعرب مخاوفهم من إحياء مشروع قديم جديد سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية»، وأعاد الحديث عنه بعد توليه حقيبة الخارجية في يناير الماضي. وتعود التفاصيل الأولى لهذا المشروع إلى عام 2011. ووفق مقطع فيديو نشره كاتس عندما طرح الفكرة آنذاك، فإن الجزيرة يفترض أن تقام على بعد 4.5 كيلومتر قبالة سواحل قطاع غزة، وستكون بطول 4 كيلومترات وعرض كيلومترين، وبمساحة تصل إلى 5400 دونم (الدونم 1000 متر مربع). وهي ستضم، حسب المخطط الإسرائيلي، ميناءً للسفر ونقل البضائع، ومخازن، ومحطة تحلية مياه، ومحطات للكهرباء والغاز، ومراكز لوجيستية.

فيما يخص الإجراءات الأمنية، يوضح الفيديو أن إسرائيل ستبقى مسيطرة على محيط الجزيرة، وعلى إجراءات الأمن والتفتيش في موانئها، بينما ستتولى قوة شرطة دولية مسؤولية الأمن على الجزيرة وعلى نقطة تفتيش ستقام على الجسر الذي سيربط قطاع غزة بالجزيرة، بالإضافة إلى إنشاء جسر متحرك يمكن تفكيكه بحيث يقطع التواصل بين الجزيرة وقطاع غزة.

 

 

لا يخفي مراقبون فلسطينيون مخاوفهم من إحياء مشروع قديم سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية» قبالة ساحل غزة

تهجير غزة... وغيرها

الخطير أن هذا المقترح حظي آنذاك بتأييد نتنياهو ودعم قادة في أجهزة الأمن الإسرائيلية؛ ما يطرح تساؤلات متابعين حول سيناريوهات التمهيد لهذا المشروع مع وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد بالمضي قدماً فيما يوصف بـ«مخطط تهجير الفلسطينيين»، لكن إلى البحر هذه المرة.

وإلى جانب رفضه وقف الحرب على غزة، يُعرف يسرائيل كاتس بتأييده لتوسيع السيطرة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، ودعمه القوي للاستيطان، ورفضه حل الدولتين. فهو يفضّل إنشاء كيان فلسطيني مستقل يرتبط مدنياً وسياسياً بالأردن، ويدعو إلى ربط قطاع غزة بمصر، ويبدو كاتس أكثر تشدداً من نتنياهو في بعض المواقف، مثل رفض إخلاء المستوطنات، الذي «سيؤدي إلى تحوّل المستوطنين لاجئين»، وفق صحيفة «إسرائيل هيوم».