فنزويلا... وتحدّيات الديمقراطية في أميركا اللاتينية

الأحداث في كاراكاس مرآة لتجارب ما بعد الديكتاتورية والانقلابات العسكرية في القارة

فنزويلا... وتحدّيات الديمقراطية في أميركا اللاتينية
TT

فنزويلا... وتحدّيات الديمقراطية في أميركا اللاتينية

فنزويلا... وتحدّيات الديمقراطية في أميركا اللاتينية

تعد أميركا اللاتينية قارة مفعمة بالتناقضات، فهي وإن كانت قد شهدت بعض الاستقرار خلال السنوات الأخيرة، فإن بعض دولها تعيش أياما صعبة، ومنها ما سقط في خضم من الاضطرابات. وها هي فنزويلا، على سبيل المثال، التي كانت تعتبر في يوم من الأيام واحدة من أغنى دول العالم بفضل مواردها النفطية الهائلة، تكابد الأزمات السياسية والاقتصادية الطاحنة منذ عدة سنوات وحتى الآن.
الحقيقة أن الكثير من الدول التي تكوّن نسيج هذه القارة، تبدو للغرباء عنها وكأنها تتشارك في قواسم مشتركة كثيرة مثل اللغة والثقافة والتاريخ. وهذا صحيح من دون شك. كذلك خلال العقود طوت دول أميركا اللاتينية صفحتي الديكتاتوريات والانقلابات العسكرية، وغدت الانتخابات من العناصر الشديدة الأهمية في أنظمتها السياسية ولكنها يمكن أن تُحل النعم أو تجلب النقم في آن واحد.

يمكن الوقوف على أسباب الحكومات الدائمة الاضطراب والتغير في دول أميركا اللاتينية بعد الاستحقاقات الانتخابية، إذ يمكن للحكومات تغيير مساراتها بوتيرة فائقة السرعة وبأكثر مما تشهده الحكومات الديمقراطية الأخرى. ويمكن إلغاء العمل بالعقود الحكومية، وإخضاع الصناعات للرقابة الصارمة، أو الاستحواذ على الأصول المملوكة للدولة. وعند تقييم الأداء الديمقراطي في دول أميركا اللاتينية، فإن التساؤل الأول ينبغي أن يكون: هل للديمقراطية هناك مفهوم مختلف عن المألوف؟
بابلو جينتيلي، السكرتير التنفيذي لمجلس العلوم الاجتماعية في أميركا اللاتينية، يرى أن هذه المنطقة من العالم تمر بحالة من التشنج، ويشرح قائلا: «هناك نزاع كبير قائم في أميركا اللاتينية حول كيفية عمل الديمقراطية، وهناك الكثير من الحقائق التي تؤكد انعدام التوافق إزاء نموذج الديمقراطية المطلوب اعتماده».
وتذهب مارثا لوشيا ماركيز، الخبيرة في دراسات أميركا اللاتينية في جامعة خافيريانا الكولومبية، أبعد فتوضح أنه في الوقت الحاضر «توجد صعوبات جمة تتعلق بترسيخ الديمقراطية. وهناك توجهات سلطوية في بعض دول القارة مثل فنزويلا وكوبا، ثم ثمة ميل عند دول لاتينية محددة لجعل السلطة التنفيذية أعلى من السلطة التشريعية... بل وإعطاء السلطة التنفيذية سلطات تشريعية. وبالإضافة إلى ذلك، تسمح الدساتير المختلفة هناك بإعادة الانتخاب الذي يمنح بدوره المزيد من السلطات لرؤساء الدول، وهذا الاختلال يعظّم من الأدوار التي يلعبونها في السياسات الداخلية».
وهنا لا بد من الإشارة، إلى أن الرؤساء السلطويين يمقتون أي شكل من أشكال المعارضة. ويمكن مشاهدة هذا بوضوح في الإكوادور، حيث أشرف الرئيس اليساري رافائيل كورييا، بعد ثلاث فترات رئاسية متوالية، على انتخاب خليفته على كرسي الرئاسة لينين مورينو. وفي بوليفيا حدث نفس الشيء تحت حكم الرئيس اليساري إيفو موراليس. ومن ناحية ثانية، فإن التعديلات الدستورية، هي في غالب الأمر، الأداة التي يستخدمها الرؤساء السلطويون للتشبث بالسلطة، وهي من أبرز الأمثلة على هشاشة الديمقراطية واضطرابها في القارة الأميركية.
في الباراغواي، الدولة الصغيرة في أميركا الجنوبية الواقعة بين جارتين كبيرتين هما الأرجنتين والبرازيل، أقدم متظاهرون – أخيراً – على إضرام النيران في مبنى البرلمان أثناء الاحتجاجات الجارية ضد التعديلات الدستورية التي تسمح للرئيس بالترشح لفترة ولاية ثانية على التوالي. وللعلم، أجري التصويت على تلك التعديلات في سرية تامة داخل مجلس الشيوخ، لتأمين إعادة انتخاب الرئيس هوراشيو كارتيز، الأمر الذي يحظره دستور البلاد المعمول به منذ عام 1992.
* تعديل الدستور
لقد مرت التعديلات الدستورية، التي تسمح للرؤساء بتولي المنصب لفترات رئاسية إضافية في كل من الإكوادور وبوليفيا. كما جرت الموافقة على إعادة انتخاب الرئيس في فنزويلا، بيد أن نظام الحكم الاشتراكي هناك شهد بعض الانتكاسات في السنوات الماضية. ففي عام 2007. تعرض الاستفتاء الشعبي على التعديل الدستوري للهزيمة بفارق ضئيل، وكانت تلك الانتكاسة التي واجهها الرئيس السابق الراحل هوغو شافيز في مسعاه للحصول على المزيد من الصلاحيات الرئاسية والقضاء على فترات الولاية الرئاسية غير المحدودة. غير أن هذه الضربة التي تلقاها شافيز وأنصار حركة شافيزمو الاشتراكية المؤيدة له كانت ذات أثر محدود.
وبعدما شهد خليفته الرئيس نيكولاس مادورو، سيطرة المعارضة اليمينية على الجمعية الوطنية (البرلمان)، قضت على فاعلية المعارضة أحكام المحكمة العليا في فنزويلا. إذ حكم القضاة الموالون لشافيز بأن الجمعية الوطنية «متهمة بازدراء المحكمة العليا». وبالتالي، من خلال الاستيلاء على سلطات البرلمان، تمكنت المحكمة العليا من القضاء على آخر أشكال المعارضة المؤسساتية المنظمة المناهضة لحكم مادورو.
وعلى الرغم من أن وضع النظام الحالي في فنزويلا متراجع الآن، فإن هذه الحلقة من التاريخ المعاصر تسلّط الضوء على أوضاع الديمقراطية الهشّة للغاية في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، منع زعيم المعارضة الأبرز والمرشح الرئاسي الأسبق، هنريكي كابريليس، من الترشح في الانتخابات الرئاسية لمدة 15 سنة. ونتيجة لذلك، اندلعت الاحتجاجات الحالية العارمة في شوارع العاصمة كاراكاس والمدن الأخرى ضد نظام مادورو بصورة تكاد تكون شبه يومية. وبينما يطالب السواد الأعظم في معسكر المعارضة برحيل مادورو عن السلطة، تقترب فنزويلا من التحول إلى واحدة من أكثر المناطق عنفا في القارة.
الخبيرة ماركيز، فإن الرئيس مادورو دأب على القضاء على كل المنافسين السياسيين الذين قد يعملون على مناهضة حركة شافيزمو الاشتراكية في الانتخابات الرئاسية لعام 2018. وفي حالة فنزويلا، الدولة الأكثر تطرفا من الناحية السياسية في المنطقة، ينصح جينتيلي قائلا: «إذا كان لديك حريق مشتعل فأسوأ ما يمكنك فعله هو وضع الوقود بجانبه. وليس في مصلحة فنزويلا على الإطلاق أن تكون المناصب في البلاد مقتصرة على مصالح مجموعة واحدة دون أخرى. ولن يجني أي قطاع فيها خيراً إذا ما استمر في إبادة القطاع الآخر».
* البرازيل والأرجنتين
من جهة ثانية، صار المواطنون في الآونة الأخيرة أكثر اهتماماً بشؤون بلادهم، وما عادوا يطيقون الصمت على الممارسات الخاطئة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الوضع الحالي في البرازيل، التي تجد نفسها في مستنقع أزمة سياسية خلّفت آثاراً اقتصادية مدمرة. ففي العام الماضي دفعت الرئيسة السابقة ديلما روسيف ثمن فضائح فساد اتهم بها حزب العمال الحاكم. وعلى الرغم من أن روسيف لا تتحمل مسؤولية تلك الاتهامات بصورة مباشرة، فإن فضيحة الفساد التي تتعلق بشركة النفط الكبرى «بتروبراس» المملوكة للحكومة قضت على شعبية حكومتها، وعلى شعبية الرئيس الحالي ميشال تامر أيضاً. ووفق جينتيلي «ثمة حيرة عظيمة وسخط كبير فيما يتعلق بالطبقة السياسية الحاكمة في تلك البلاد».
وعلى حدود البرازيل، اتخذت الأرجنتين القرار بتعديل الدستور للسماح للرئيسة السابقة كريستينا فيرنانديز كيرشنر بالترشح لولاية رئاسية ثالثة في انتخابات عام 2015 الرئاسية، غير أن الأداء السيئ وتهم الفساد وانقسام معسكر اليسار والوسط الذي كانت تمثله فيرنانديز كيرشنر – التي لم تترشح في ذلك العام – أدى إلى خسارة مرشحها الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام مرشح اليمين موريسيو ماكري في أواخر 2015.
الحقيقة، أن هناك عدداً من دول أميركا اللاتينية التي، مع عودة الديمقراطية بعد عقود، حظرت التجديد للرؤساء، في محاولة لمنع نشوء أنظمة حكم سلطوية. من هذه الدول تشيلي والبيرو، على سبيل المثال، فهذان البلدان «الجاران» لا تسمح للرئيس بتولي المنصب بعد فترتين رئاسيتين متتاليتين، ولقد قاومتا بشدة إغراءات التعديلات الدستورية. ولكن على الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية، فإن الأحداث في فنزويلا تذكّر القارة بأسرها أن الديمقراطية هناك فعلاً ضعيفة. وحيث إن المنظمات الإقليمية التي تمثل هذه الدول، مثل الكتلة التجارية لبلدان القطاع الجنوبي «ميركوسور» أو منظمة الدول الأميركية «أواس»، لم تقدم سوى ردود فعل ضعيفة ومحدودة على تصرفات نظام حكم نيكولاس مادورو، وفي ظل الأفعال الأخيرة من جانب المحكمة العليا الفنزويلية، لا بد من وجود ردود فعل أكثر قوة وصرامة. ووفقا للخبراء في شؤون أميركا اللاتينية، فإن نموذج الديمقراطية الجديد قد يأخذ طريقه نحو التشكل في المستقبل، ولكن ليس بالضرورة في وقت قريب، وبالتالي، علينا الانتظار لنرى كيف ستتجه الأحداث.
في بوليفيا، يقول مراقبون إن الرئيس أيفو موراليس، في السنة الـ 11 من مدته الرئاسية، بات مهتماً بالحملة الانتخابية أكثر من اهتمامه بتحسين ظروف المواطنين وأوضاعهم. مع ذلك، يشير هؤلاء إلى أن هدفه الأساسي هو الحصول على دعم البلاد في عام 2019 لتعديل القانون بحيث يتاح له الترشح لفترة رئاسية رابعة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، بعد تحرك شعبي، وافقت الحكومة على رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 11 في المائة لتصل إلى نحو 287 دولارا أميركيا.
* مسار فنزويلا
رونالد رودريغيز، الخبير في شؤون فنزويلا في جامعة ديل روزاريو في جمهورية كولومبيا المجاورة، يقول: إن فنزويلا معتادة على الأنظمة القاسية «فخلال القرن التاسع عشر، اعتاد القادة النافذون المحليون على تعديل الدستور. كذلك يمكن للمرء الحديث عن حكام أشداء خلال النصف الأول من القرن العشرين ومنهم خوان فيشنتي غوميز، الذي عدّل الدستور ثماني مرات، وهو ما يشير إلى أن تعديل الدستور من الممارسات المعتادة، في حين أنه خلال الحقبة الديمقراطية لم يتم تعديل الدستور إلا مرة واحدة».
وبالتركيز على الوضع في فنزويلا، فإنه يزداد سوءاً كل يوم عن اليوم الذي يسبقه، حسبما تشير الإحصاءات الأخيرة حيث بلغ عدد القتلى في الاحتجاجات الحاشدة تجاوز 30 قتيلا حتى الآن، في حين ازداد عدد الجرحى على 500. وتزداد الأرقام مع مرور الأيام. كذلك تكشف المعطيات الجديدة عن نية مادورو واعتزامه التمسك بالسلطة بأي ثمن. وكان قد صدم العالم أخيراً بإعلانه غير المتوقع عن تشكيل مجلس تأسيسي وطني لصياغة دستور جديد. والجدير بالذكر، أن سلفه هوغو شافيز، مؤسس التيار الشافيزي اليساري، هو الذي صاغ الدستور الحالي عام 1999.
من المفترض الآن إجراء الانتخابات الرئاسية، التي ينبغي اختيار خليفة لمادورو، عام 2018. إلا أنه ما زال طي المجهول ما إذا كانت تلك الانتخابات ستجرى أم لا، خاصة أنه يمكن أن يسفر التعديل الجديد للدستور من جانب مادورو عن بقائه في السلطة لأجل غير مسمى.
بطبيعة الحال تعهدت قوى المعارضة اليمينية بمقاومة أفعال الرئيس اليساري، مناشدة الشعب مواصلة الخروج في مسيرات في الشوارع والساحات. وتقول ليليان تنتوري، زوجة ليوبولدو لوبيز، أحد قادة المعارضة والمعتقل السياسي الذي أمضى ثلاث سنوات في السجن: «كيف يعقل أن يرغب ابن شافيز في القضاء على الشيء الوحيد الذي تركه شافيز في البلاد وهو دستور يزخر بحقوق الإنسان؟ ما يحدث هو أن النظام الحاكم، مع الأسف، لا يلتزم لا بالقانون ولا الدستور، ونحن نواجه مشكلة حيث لا توجد ديمقراطية في فنزويلا»، على حد زعمها.
في سياق متصل، كان مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال هاري مكماستر ورئيس البرلمان الفنزويلي (معارض) خوليو بورخيس قد اتفقا أخيراً في العاصمة الأميركية واشنطن على الحاجة إلى إنهاء الأزمة السياسية والاقتصادية التي تشهدها فنزويلا بشكل سريع وسلمي، بحسب إعلان صادر عن البيت الأبيض. وفي هذه الأثناء، تواجه فنزويلا أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها وسط معاناة السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء أمام خلفية سب تضخم مرتفعة للغاية، وتطالب المعارضة اليمينية الرئيس مادورو، بالتخلي عن السلطة وإجراء انتخابات رئاسية جديدة. كذلك تتهم المعارضة مادورو أنه من خلال فرض دستور جديد على البلاد إنما يسعى إلى الاستيلاء على السلطة الوحيدة الباقية للبرلمان، حيث الغالبية للمعارضة، من أجل حكم البلاد دون رقابة أو توازن. ومن ثم، من المتوقع أن يتفادى الدستور الجديد الذي يريده مادورو إجراء انتخابات جديدة، وهي من المطالب الأساسية لقوى المعارضة.
هذا الحال دفع البابا فرنسيس للإعراب عن قلقه إزاء الوضع في رسالة وجهها إلى كبير الأساقفة الكاثوليك في فنزويلا قائلاً إن بالإمكان حل المشاكل إذا كانت هناك «رغبة في بناء الجسور» و«إقامة حوار والالتزام بالاتفاقات». أما زعيم المعارضة هنريكي كابريليس فقال إنه تم اعتقال 85 عنصرا من الجيش بسبب انتقادهم لحكومة الرئيس. وجاءت عمليات الاعتقال تلك مع تصاعد القلق من إمكانية قيام الجيش بانقلاب ضد الحكومة الحالية، وفق مصادر صحافية.
على صعيد، في خطوة أخرى قد تفاقم الأمور أكثر بدأت سلطات فنزويلا عملية التخلي عن عضويتها في «منظمة الدول الأميركية»، التي هي تجمع كبير لدول أميركا الجنوبية والشمالية، وذلك رداً على ضغوط المنظمة باتجاه تغيير مسار البلاد، وإدانتها للانتهاك المنظم من جانب السلطات الحاكمة في فنزويلا لحقوق الإنسان. والواقع أنه في حال انسحاب فنزويلا، ستكون بذلك أول دولة تترك المنظمة في تاريخها. مع ذلك لن يكون الأمر بالبساطة وبالسرعة التي يأملها مادورو، إذ يمكن فرض غرامة مالية على فنزويلا لمغادرة الاتحاد. ولقد أعربت بعض دول أميركا اللاتينية مثل الأرجنتين والبرازيل والبيرو، إضافة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن القلق من تفاقم الأزمة التي تشهدها فنزويلا.
* «تجارب» لاتينية متعددة
على صعيد آخر، له صلة بهشاشة الديمقراطية الأميركية اللاتينية، نشير إلى أنه أثناء فترة حكم الزوجين نيستور وكريستينا كيرشنر في الأرجنتين، كان هناك الكثير من وقائع اضطهاد الصحافة الحرة التي كانت مقالاتها الافتتاحية تزعج الحكومة. وكانت أشهر قضية في هذا السياق قضية صحيفة «كلارين» التي حاولت الحكومة تفكيكها بالقوة. وجارٍ التحقيق مع الرئيسة السابقة كريستينا اليوم في اتهامات فساد، وإثراء غير مشروع، وكذلك يجري التحقيق مع أعضاء آخرين في إدارتها.
ولكن، على الجانب الآخر، تمثل كوستاريكا نموذجاً مغايراً تماماً في أميركا اللاتينية، حيث تُعرف بأن ليس لديها جيش نظامي، ولطالما كانت دولة ديمقراطية مسالمة طوال أكثر سنوات القرن العشرين. كذلك من الملاحظ أنها واحدة من أكثر الدول الصديقة للبيئة على مستوى العالم. وغير بعيد عن كوستاريكا، وبعد ماض مضطرب اتخذت السلفادور خطوة استثنائية تتمثل في حظر استخراج المعادن لتكون بذلك أول دولة في العالم تفعل ذلك. وجاء هذا القرار رغبة منها في الحفاظ على مواردها المائية النادرة، وحمايتها من الملوثات الناتجة عن هذه الصناعة. ولقد ضحى البرلمان باتخاذه هذا القرار بالأرباح من أجل الحفاظ على البيئة والسكان.
في إطار هذا النقاش حول ما إذا كان مفهوم الديمقراطية في أميركا اللاتينية يتغير أم لا، من المهم مراجعة الدور التاريخي الذي اضطلعت به الأحزاب السياسية التي كانت عنصراً أساسيا في الوصول إلى الديمقراطية الصحية.
للأسف فقدت الكثير من الأحزاب العريقة ذات التقاليد التاريخية، التي اعتادت تمثيل قطاع كبير من السكان في البلاد، رونقها وروحها وهويتها الآيديولوجية. وهو ما فتح الباب أمام الأحزاب التي تسعى إلى الفوز بالانتخابات من خلال قادة يعتمدون في الوصول إلى السلطة على قوة شخصيتهم وشعبيتهم فقط.
ويتضح كثيراً هذه الأيام أن هناك نوعين من أنظمة الحكم في أميركا اللاتينية: نوع ذو توجه اشتراكي يفقد قوته ونفوذه في المنطقة كحال فنزويلا والإكوادور وبوليفيا وكوبا ونيكاراغوا. ونوع آخر يميل إلى تيار اليمين في دول وسط أميركا اللاتينية مثل الأرجنتين والبرازيل والبيرو. والقادة اليمينيون لهذه الدول لا يترددون في وصف الوضع في فنزويلا بفقدان حالة الديمقراطية.



ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل
TT

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ) و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، فإنه كان غالباً «الشريك» المطلوب لتشكيل الحكومات الائتلافية المتعاقبة.

النظام الانتخابي في ألمانيا يساعد على ذلك، فهو بفضل «التمثيل النسبي» يصعّب على أي من الحزبين الكبيرين الفوز بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم منفرداً. والحال أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم ألمانيا حكومات ائتلافية يقودها الحزب الفائز وبجانبه حزب أو أحزاب أخرى صغيرة. ومنذ تأسيس «الحزب الديمقراطي الحر»، عام 1948، شارك في 5 حكومات من بينها الحكومة الحالية، قادها أحد من الحزبين الأساسيين، وكان جزءاً من حكومات المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول وأنجيلا ميركل.

يتمتع الحزب بشيء من الليونة في سياسته التي تُعد «وسطية»، تسمح له بالدخول في ائتلافات يسارية أو يمينية، مع أنه قد يكون أقرب لليمين. وتتمحور سياسات

الحزب حول أفكار ليبرالية، بتركيز على الأسواق التي يؤمن بأنها يجب أن تكون حرة من دون تدخل الدولة باستثناء تحديد سياسات تنظيمية لخلق أطر العمل. وهدف الحزب الأساسي خلق وظائف ومناخ إيجابي للأعمال وتقليل البيروقراطية والقيود التنظيمية وتخفيض الضرائب والالتزام بعدم زيادة الدين العام.

غينشر

من جهة أخرى، يصف الحزب نفسه بأنه أوروبي التوجه، مؤيد للاتحاد الأوروبي ويدعو لسياسات أوروبية خارجية موحدة. وهو يُعد منفتحاً في سياسات الهجرة التي تفيد الأعمال، وقد أيد تحديث «قانون المواطنة» الذي أدخلته الحكومة وعدداً من القوانين الأخرى التي تسهل دخول اليد العاملة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني. لكنه عارض سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المتعلقة بالهجرة وسماحها لمئات آلاف اللاجئين السوريين بالدخول، فهو مع أنه لا يعارض استقبال اللاجئين من حيث المبدأ، يدعو لتوزيعهم «بشكل عادل» على دول الاتحاد الأوروبي.

من أبرز قادة الحزب، فالتر شيل، الذي قاد الليبراليين من عام 1968 حتى عام 1974، وخدم في عدد من المناصب المهمة، وكان رئيساً لألمانيا الغربية بين عامي 1974 و1979. وقبل ذلك كان وزيراً للخارجية في حكومة فيلي براندت بين عامي 1969 و1974. وخلال فترة رئاسته للخارجية، كان مسؤولاً عن قيادة فترة التقارب مع ألمانيا الديمقراطية الشرقية.

هانس ديتريش غينشر زعيم آخر لليبراليين ترك تأثيراً كبيراً، وقاد الحزب بين عامي 1974 و1985، وكان وزيراً للخارجية ونائب المستشار بين عامي 1974 و1992، ما جعله وزير الخارجية الذي أمضى أطول فترة في المنصب في ألمانيا. ويعتبر غينشر دبلوماسياً بارعاً، استحق عن جدارة لقب «مهندس الوحدة الألمانية».