بوتفليقة يحدث شرخاً عميقاً بين قيادات «مجتمع السلم»

انقسام إزاء عرضه عليهم العودة إلى الحكومة

بوتفليقة يحدث شرخاً عميقاً بين قيادات «مجتمع السلم»
TT

بوتفليقة يحدث شرخاً عميقاً بين قيادات «مجتمع السلم»

بوتفليقة يحدث شرخاً عميقاً بين قيادات «مجتمع السلم»

أحدث الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة صراعاً حاداً داخل «حركة مجتمع السلم»، أكبر حزب إسلامي معارض في البلاد، بعد اقتراحه دخوله الحكومة التي ستنشأ قريباً على خلفية انتخابات البرلمان، التي جرت في الرابع من الشهر الحالي، حيث اختلف قادة الحزب بحدة بين مؤيد ورافض للعرض، فيما يرتقب أن يجتمع «مجلس شورى» الحزب للفصل في القضية.
ويعرف «مجتمع السلم» غلياناً شديداً منذ الأربعاء الماضي، حينما التقى رئيسه عبد الرزاق مقري برئيس الوزراء عبد المالك سلال، الذي أبلغه بأن بوتفليقة «يريد عودتكم إلى الحكومة»، التي غادرها الحزب عام 2012 معلناً طلاقاً مع بوتفليقة، الذي سانده ودعم سياساته منذ وصوله إلى الحكم عام 1999. وكان سبب الطلاق شعور الإسلاميين بأن ساعة تغيير النظام دقت في سياق أحداث «ثورة الياسمين»، التي أطاحت بالنظام في تونس. والتحق «مجتمع السلم» بالمعارضة، بل أصبح قائداً لها ومؤثراً في نشطائها.
وأبدى مقري معارضة شديدة لفكرة العودة إلى الحكومة لسببين؛ الأول هو أن الحزب اختار المعارضة في مؤتمره عام 2012، الذي شهد تسلم مقري القيادة خط المعارضة، على أساس أنه ينسجم مع طموحات المناضلين. والثاني أن المشاركة في السلطة لا تخدم الحزب، لأنه مطالب بأن يقتسم معها عجزها عن مواجهة أزمة مالية متولدة عن انخفاض أسعار النفط، كما أنه سيطالب بتحمل مسؤولية فضائح فساد خطيرة تورط فيها مسؤولون كبار، بينما هو لم يشارك في تسيير دفة الحكم في السنوات الأخيرة.
ويمثل «خط العودة إلى أحضان السلطة»، رئيس الحزب ووزير الدولة سابقاً أبو جرة سلطاني، الذي صرح بأن «حركة مجتمع السلم ينبغي أن تكون حيث تقتضي المصلحة الوطنية، ومصلحة الجزائر فوق كل اعتبار». والحجج التي يدعم بها سلطاني موقفه هي أن الجزائر تواجه أزمة اقتصادية داخلية خطيرة، وتحديات أمنية بحدودها بسبب المشكلات والاضطرابات في ليبيا ومالي، وما انجر عنها من تسلل متطرفين، وتسريب كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة الحربية. وبناءً على هذه المعطيات، يرى سلطاني أن الحكومة بحاجة إلى شركاء سياسيين لتعزيز الجبهة الداخلية، تحسباً لاشتداد الأزمة في المستقبل. ويشارك سلطاني قطاع من القياديين في الحزب.
غير أن مقري، ومعه قطاع من القياديين، لم يقتنعوا بمبررات سلطاني، حيث هاجمه بشدة في الإعلام وبشبكة التواصل الاجتماعي، واتهمه بـ«الانتهازية»، وبأنه يبحث لنفسه عن منصب حكومي. ومما قاله فيه «كما يصنع التزوير الانتخابي اليائسين الذين يقررون الخروج من العملية السياسية، يصنع كذلك الانتهازيين الذين يقررون مساندة الأنظمة الفاسدة والظالمة خوفاً منها أو طمعاً فيها. فكثير من كوادر الأحزاب حدث لهم هذا، وسيحدث لهم مجدداً. يتهيأ لهذه الكوادر أن التغيير مستحيل عن طريق السياسة الحقة والفعل الديمقراطي، فينفد صبرهم ويسوقهم الاستعجال إلى الارتماء في أحضان الغالب الظالم، لأخذ مصالح شخصية ذاتية، مبررين فعلهم بالمصلحة الوطنية ومصلحة حزبهم».
ونالت «مجتمع السلم» في الانتخابات 33 مقعداً (من 462 مقعداً)، بعيداً في الترتيب عن «جبهة التحرير» (164 مقعداً) و«التجمع الوطني الديمقراطي» (100 مقعد)، واتهم مقري الحكومة بـ«تزوير نتائج الاستحقاق لفائدة حزبي النظام»، ولهذا يجد حرجاً كبيراً في دخول الحكومة الجديدة.
وقال مقري مهاجماً خصمه في الحزب: «هم على علم بأنهم على عكس ذلك يضحون بالمصلحتين، الوطنية والحزبية، ولكنهم يضحكون على أنفسهم وعلى السذج من مناضليهم، وعلى أتباعهم الذين ينتظرون هم كذلك فُتاتاً وهمياً من أسيادهم. ليس هؤلاء من يصنع التاريخ ويصلح الأوطان ويصنع مجد الأمم، هم مجرد أرقام تضاف لعدد الانتهازيين يطويها الزمن، بعضها يلعنها التاريخ لفسادها بعد انتهازيتها، وبعضها تبقى شخصيات صغيرة تافهة لا وجود لها في سجل المصلحين. إن مقاومة هؤلاء هي كذلك من مقاومة الأنظمة الظالمة».
ورد عليه سلطاني بحدة، فاتهمه بـ«فرض فكر أحادي داخل حزب اشتهر بتنوع أفكاره»، وقال عنه أيضاً، من دون ذكره بالاسم: «إن الذين أرادوا عزل حركة مجتمع السلم عن عمقها الشعبي الواسع، وصرفها عن لعب أدوارها الوطنية الواجبة مع الكبار، وراهنوا على حبسها في فضاء ضيّق، اكتشفوا أنها أكبر من أن تُحشر في الزوايا الحادّة والفكر الأحادي». ويقصد سلطاني بـ«اللعب مع الكبار»، ضرورة مشاركة الحزب في الحكومة بوزراء، على غرار الأحزاب الموالية لبوتفليقة.



فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.