اكتشفت قصائد فيديريكو غارسيا لوركا عام 1989 أثناء زيارتي إلى الأندلس، وسرعان ما انجذبت إلى الموسيقى الموجودة في تلك الأشعار، وشعرت بأثر الشعر العربي به. تأثر «ديوان التماريت» للوركا بالمخطوطة غير المنقحة لابن سعيد، التي تحمل اسم «رايات المبارزين وغايات المميزين» (1243)، التي نشرت مقتطفات منها في مجلة «ريفيستا دي أوكسيدينت» عام 1928، ولاحقاً في ديوان قصائد عربية أندلسية. مع ذلك حين قرأت ديوان «شاعر في نيويورك»، الذي نشر آخر مرة في عام 1940، حدث تحول كبير في حياتي. إنه عمل عن الظلم والحب، وما ينتج منهما من شعور بالآخر والاختلاف. لقد خلّف لوركا كجزء من إرثه حنيناً إلى الوطن؛ فقصائده تتحدث عن اكتشاف الذات الضائعة.
لقد وصل لوركا إلى نيويورك عام 1929، وانتقل إلى سكن الطلاب في جامعة كولومبيا. وحين انتقلت للإقامة في نيويورك، وبدأت التدريس في جامعة كولومبيا، أصبح ديوان «شاعر في نيويورك» هو العمود والركيزة التي استند إليها. يمتد حنيني عبر القارات الأربع بسبب حياتي المتشرذمة بفعل الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط. بعد ثمانين عاماً من إقامة لوركا في أميركا، ذهبت إلى إسبانيا لكتابة ديواني «شاعر في الأندلس»، وهو بمثابة إعادة صياغة لرحلة لوركا، ولكن بشكل معكوس. لطالما كانت الأندلس مساحة لالتقاء القوى العرقية والدينية، حيث تظل التقاليد الإسلامية واليهودية والمسيحية مرآة لماض مروع وجميل. يقول لوركا: «أكثر ما يهمني هو أن أعيش». في هذه الرحلة في الأندلس مع الديوان المرافق لي «شاعر في نيويورك»، اكتشفت أننا سنجد السلام إذا أردنا ذلك؛ لأنه كما قال لوركا، أكثر ما يهم الناس هو أن يعيشوا ويحيوا.
أما الكتاب الثاني، فهو ديوان «ذاكرة للنسيان» لمحمود درويش، الذي يمتد كنفس طويل، ولم أكن واثقًة مما إذا كنت سأستمر في العيش بعد وصولي إلى آخر سطر منه، فالاتساع العاطفي، والبعدان التاريخي والسياسي، وحيوية الكلمات والنص؛ وكونها في منطقة وسطى بين الحلم والواقع، قد مزقني. مع ذلك سرعان ما اكتشفت أنها أعادتني إلى الحياة مرة أخرى. أجواء الديوان إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وقصف بيروت؛ المدينة التي كان لها دور كبير في تاريخي الشخصي بصفتي شخصاً ينتمي إلى منطقة الشام، وكذلك في فضائي التخيلي والأدبي.
ديوان «ذاكرة للنسيان» تسلسل شعري من صور، وأصداء، مدينة تحت الحصار، وتأمل لا ينسى في المقاومة، والمنفى، والوطن، والذاكرة، والأدب، ومعنى أن تكون فلسطينياً.
* شاعرة أميركية من أصل فلسطيني، أحدث مؤلفاتها ديوان «الجمهوريات»، الحائز جائزة «فرجينيا فوكنر» للتميز في الكتابة وجائزة الكتاب العربي الأميركي.
«شاعر في نيويورك» للوركا و«ذاكرة للنسيان» لدرويش
«شاعر في نيويورك» للوركا و«ذاكرة للنسيان» لدرويش
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة