اتصالات مكثفة بين تل أبيب وأنقرة لوقف التصعيد

رئيس الكنيست: إردوغان كان وسيبقى عدواً لإسرائيل

اتصالات مكثفة بين تل أبيب وأنقرة لوقف التصعيد
TT

اتصالات مكثفة بين تل أبيب وأنقرة لوقف التصعيد

اتصالات مكثفة بين تل أبيب وأنقرة لوقف التصعيد

ذكرت مصادر سياسية في تل أبيب أن القيادات السياسية في إسرائيل وتركيا تجري اتصالات مكثفة، مباشرة وعن طريق طرف ثالث، لكي يتم تطويق الأزمة التي نشبت بينهما بعد تصريحات الرئيس رجب طيب إردوغان، والرد الإسرائيلي العنيف عليها.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الإسرائيلية، أمس، إن مدير عام وزارة الخارجية يوفال روتيم، استدعى بإيعاز من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، صباح أمس، السفير التركي في تل أبيب كمال أوكوم، وأبلغه «رسالة سياسية» احتج فيها على تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، التي دعا فيها المسلمين إلى زيارة القدس المحتلة والمسجد الأقصى، وأضاف محتجاً أن «إردوغان أدلى بتصريح قاسٍ ومستنكَر، ووزارة الخارجية (الإسرائيلية) ردَّت بشدة. والقصة انتهت من ناحيتنا».
في حين قالت مصادر بالخارجية الإسرائيلية إن «المحادثة جرت بروح الرسالة التي تم تمريرها إلى أنقرة، أمس».
وكانت هذه الأزمة، التي اعتُبِرَت الأكثر حدة بين إسرائيل وتركيا منذ التوقيع على اتفاقية المصالحة بين الدولتين في يوليو (تموز) 2016، قد اندلعت بعد أن هاجم الرئيس إردوغان بكلمات قاسية سياسات إسرائيل في الضفة الغربية وفي المسجد الأقصى في القدس، بشكل خاص. وعلى الفور ردت الحكومة الإسرائيلية بشكل غير مسبوق، متهمة إردوغان بممارسة الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان في بلده.
وكان إردوغان، الذي ألقى خطبة، مساء أول من أمس، في إسطنبول، حول موضوع القدس، قد دعا مواطني بلده والمسلمين في العالم عموماً، إلى زيارة المسجد الأقصى والتعبير عن دعمهم للنضال الفلسطيني. وبحسب أقواله، فإن دولته تدعم مقاومة الفلسطينيين للاحتلال الإسرائيلي في القدس، وتهتم بهذه المقاومة اهتماماً كبيراً، وقال في هذا السياق: «كل يوم تكون فيه القدس تحت احتلال هو إهانة لنا. فسياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية هي سياسة عنصرية، تمييزية، وتشبه الأبارتهايد». وتابع متسائلاً: «ما الفرق بين نشاطات الحكم الإسرائيلي حالياً والسياسة العنصرية والتمييزية، التي كانت منتهجة تجاه السود في الولايات المتحدة، ومنذ زمن ليس ببعيد في جنوب أفريقيا؟».
ولم يكتفِ إردوغان بذلك فحسب، بل حذر الولايات المتحدة من نقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس، مؤكداً أن هذه الخطوة المخطط لها «خاطئة بشكل متطرف»، وأنه ينبغي ترك النقاش حولها. كما هاجم إردوغان «قانون منع الأذان»، الذي تم تمريره في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، قبل شهرين، وأعلن أنه يشكل مسّاً بحرية العبادة، وقال محتجاً: «لو كنتم تؤمنون بدينكم، فلماذا تخشون المؤذن؟ لن نسمح بإسكان صوت المؤذن في الأقصى».
ودرس مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية في البداية إمكانية عدم الرد بشكل علني على أقوال إردوغان، لكن بعد أن اتضح تناقل الإعلام الإسرائيلي والعالمي بشكل واسع لأقوال إردوغان، أرسل نتنياهو توجيهاته لنشر رد باسم وزارة الخارجية. وكان هذا الرد غير مسبوق في حدته، وتم توجيهه إلى إردوغان بشكل شخصي، وجاء فيه: «من يخرق حقوق الإنسان بشكل منهجي في بلده، لا يتوجب عليه تقديم دروس للدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة».
وأضاف الناطق بلسان وزارة الخارجية الإسرائيلية عمانويل نحشون أن «إسرائيل تحافظ بصرامة على حرية العبادة لليهود، المسلمين والمسيحيين، وستواصل فعل هذا رغم الاتهامات عديمة الأساس».
وتطرق رئيس الكنيست يولي إدلشتاين، من حزب الليكود الحاكم، أمس، إلى تصريحات إردوغان، واصفاً إياه بأنه «عدو لإسرائيل». وقال إدلشتاين للإذاعة العامة الإسرائيلية إن «إردوغان كان عدواً وسيبقى عدواً لإسرائيل. وطالما يقود إردوغان تركيا، فإن العلاقات بين الدولتين لن تكون كما كانت عليه قبل عقدين».
يُذكَر أن إسرائيل وتركيا تصالحتا العام الماضي، وأعادتا العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما بعد أزمة بين البلدين، بدأت أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في نهاية عام 2008، وتصاعدت في أعقاب مهاجمة أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، في مايو (أيار) عام 2010، وبعد ذلك سحبت أنقرة سفيرها من تل أبيب وطردت السفير الإسرائيلي لديها.
وعقب البروفسور دوري غولد، الذي وقع على اتفاق المصالحة مع تركيا عندما كان مديراً عاماً للخارجية بقوله: «ما كان يجب تصعيد الأزمة. فالرئيس إردوغان يتفوه بهذه الطريقة كل الوقت. لكنه اليوم يقف معنا في الحلف الإقليمي والعالمي ضد إيران، وليس من الحكمة افتعال أي صدام معه».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟