تحالف المعارضة الفنزويلية يرفض دعوة مادورو لدستور جديد

اتهامات للمحكمة العليا بالعمل مع الحكومة وعدم الإفراج عن المتظاهرين

تحالف المعارضة الفنزويلية يرفض دعوة مادورو لدستور جديد
TT

تحالف المعارضة الفنزويلية يرفض دعوة مادورو لدستور جديد

تحالف المعارضة الفنزويلية يرفض دعوة مادورو لدستور جديد

مع استمرار الحركات الاحتجاجية في فنزويلا والتصعيد من جانب المعارضة في البلاد رفض تحالف المعارضة في فنزويلا والمكون الرئيسي لعدد من حركات المعارضة والمسمى «طاولة الوحدة الديمقراطية (إم يو دي)» رسميا اقتراح الرئيس نيكولاس مادورو تشكيل جمعية تأسيسية لتعديل الدستور، مؤكداً أنها لن تشارك في هذه العملية وستدعو أنصارها إلى مقاطعتها.
ويستعد قصر ميرافلوريس الرئاسي في كاراكاس لاستقبال المشاركين في لجنة إعداد الدستور الجديد، إلا أن عددا من أعضاء المعارضة رفضوا من قبل هذا الاقتراح، وقال إنريكي كابريليس إن المعارضة لن تشارك في اجتماع حول الجمعية التأسيسية في قصر ميرافلوريس ردا على دعوة إلياس حوا وزير التربية ورئيس اللجنة الوزارية المكلفة بهذا الإجراء.
لكن تحالف «طاولة الوحدة الديمقراطية إم يو دي» المعارض أعلن رسميا عن موقفه بالرفض ومقاطعة هذه العملية. وقال المعارض إنريكي كابريليس المرشح السابق للانتخابات الرئاسية إنه لا يمكن المشاركة في عملية غير شرعية. وأضاف كابريليس أن هناك دستورا ولا يمكن أن تلغيه الحكومة بالقوة، متهما الرئيس مادورو بمحاولة التهرب من الدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة سيخسرها على حد قوله.
من جهتها، عبرت المعارضة عن أن الإجراءات التي اتخذها مادورو لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية تعتبر غير قانونية وستتم عملية اختيار أعضاء لجنة صياغة الدستور بالاقتراع العام لكن في عمليات تصويت تنظم في كل قطاعات المجتمع.
في الوقت ذاته دعت المعارضة أنصارها إلى القيام بمسيرة إلى مقر وزارة التربية في وسط العاصمة كراكاس للتعبير عن رفضهم للقاء الذي سيتم في القصر الرئاسي، إلا أن تجمعات المعارضة لم تتمكن في الأيام الأخيرة من الدخول إلى وسط العاصمة بسبب قوات الأمن المنتشرة بكثافة.
ويثير مشروع الجمعية التأسيسية انتقادات حادة في الخارج كذلك، حيث اعتبرت المكسيك وإسبانيا والولايات المتحدة أن عملية من هذا النوع لتعديل الدستور تتطلب اقتراعا عاما من قبل الشعب ولا يمكن أن تتم بهذا الشكل.
وعلى الجانب الإقليمي تحدث الرئيس البيروفي بيدرو كوكزينسكي إلى نظيره الأميركي دونالد ترمب حول تطورات الأوضاع في فنزويلا، وأشار الطرفان إلى أهمية دعم العملية الديمقراطية في فنزويلا أمام التدهور الشديد الذي تشهده البلاد ودعم البلد اللاتيني، إلا أن الرئيس الفنزويلي مادورو من ناحيته رفض التصريحات، وقال إن بلاده تعرف تماما ما تسعى إليه بيرو وهم على دراية بكل شيء، في إشارة إلى ما تداولته وسائل إعلام لاتينية عن قيام بيرو بدعم قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري في فنزويلا.
وفي هذا الإطار قال زعيم المعارضة الفنزويلية إنريكي كابريليس إنه تم اعتقال 85 عنصرا من الجيش الفنزويلي بسبب انتقادهم حكومة الرئيس نيكولاس مادورو. وقال كابريليس إن هناك استياء في صفوف القوات المسلحة، مضيفا أنه تم إبلاغه عن عدد المعتقلين بشكل مباشر من قبل الجيش، الذي طلب منه الإعلان عن ذلك.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات قتل نحو 37 شخصا وأصيب نحو 800 خلال أعمال العنف التي اندلعت في البلاد بين قوات الأمن والمتظاهرين منذ بداية أبريل الماضي.
وتواجه فنزويلا، على الرغم من امتلاكها أكبر احتياطيات نفط في العالم، أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء وتضخم خارج عن السيطرة وسط مطالبات للمعارضة التي فازت في الانتخابات البرلمانية في نهاية عام 2015 بانتخابات رئاسية وتنحي الرئيس مادورو.
ويظل الجيش عاملا حاسما في الصراع، ويخشى من أنه يمكن، في الوقت المناسب، أن يقوم بانقلاب. وحاول مادورو زيادة نفوذه على الجيش، عن طريق تقديم المساعدة المالية للقوات المسلحة والسماح لـ11 من القادة العسكريين أن يصبحوا وزراء اتحاديين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟