معرض «بوينس آيرس» الدولي... الكتاب الورقي هو الأساس

نحو 28 ألف كتاب ينشر في الأرجنتين سنوياً

جانب من المعرض
جانب من المعرض
TT

معرض «بوينس آيرس» الدولي... الكتاب الورقي هو الأساس

جانب من المعرض
جانب من المعرض

من المتوقع أن يستقبل معرض «بوينس آيرس» الدولي للكتاب، المستمر منذ أيام في العاصمة الأرجنتينية أكثر من مليون زائر. وسيمثل حجم هذا الحضور من القرّاء والجمهور لهذه الفعالية رقماً قياسياً مما يوضح أهمية هذا التجمع الثقافي في المنطقة.
وتشارك في المعرض، مدينة لوس أنجليس الأميركية كضيف شرف المعرض. وصرح أكي كاليفا، مدير المعرض لشؤون الثقافة والمؤسسة، في حوار مع صحيفة الـ«شرق الأوسط» قائلاً: «إنها فرصة رائعة لنا لأن نصف سكان البلد يتحدثون اللغة الإسبانية». سوف تتضمن هذه الفعالية، التي تستمر لأكثر من 20 يوماً، مهرجاناً للشعر، وأياماً خاصة للطلبة، والقراء، والكتّاب، وأصحاب المشروعات الرائدة في قطاع النشر. إلى جانب ذلك، سيتم تنظيم عدد من الفعاليات في المعرض للاحتفال بالذكرى الثالثة والأربعين لإنشائه، واستعراض تاريخ المعرض الذي شهد زيارات من كتّاب كبار مثل إيتالو كالفينو، وسوزان سونتاغ، وبول أوستر، وماريو فارغاس يوسا، وجوزيه ساراماغو، ودوريس ليسينغ، وفوينتس، وتوم وولف.
ويتحدث أكي عن أدب الأرجنتين، وأميركا اللاتينية الحالي قائلاً: «لا أرى تيارات سائدة، لكن هناك تعددية مميزة، وأعتقد أن الشيء نفسه يحدث في دول أميركا اللاتينية الأخرى. هناك كثير من الموضوعات البارزة في الأرجنتين مثل أدب الأطفال، والأعمال العلمية».
وتقدر عدد الكتب، التي تنشر في الأرجنتين سنوياً، بنحو 28 ألف كتاب مما يوضح أهمية سوق الأدب في هذا البلد. ومن المعروف أن بوينس آيرس من الخلفيات المفضلة للكتاب اللاتينيين، الذين يحلمون بنشر أعمالهم في هذه المدينة، التي تعد العاصمة الثقافية لأميركا اللاتينية بسبب ما بها من مسارح ومكتبات في المدينة. ويقول أكي كاليفا ملاحظاً صعوبة اقتراح بعض الكتّاب الأرجنتينيين الحاليين بسبب عدد الكتّاب الكبير الموجودين حالياً: «يمكن الإشارة إلى سيزار آيرا، وكلاوديا بينيريو، وسامانتا شولين، غويليرمو مارتينيز، وإدواردو ساكري». وتضطلع معارض الكتاب بدور رئيسي في دعم الأدب وتتجلى نتائج ذلك في عدد المؤلفين الناجحين.
وفي إشارة إلى تزايد أهمية الأعمال المنشورة على الإنترنت، سيتم تنظيم الدورة الثالثة لكل من الاجتماع الدولي لصنّاع مقاطع الـ«يوتيوب» القائمة على الكتب، والمؤتمر المحلي للمدونين، واللقاء المحلي لمحبي الكتب المشتركين في موقع «إنستغرام»، في المعرض. ويوضح هذا، بحسب المنظمين، التوجهات الحالية، لكن يركّز المنظمون أنفسهم على «الكتاب الذي لا يزال ورقياً بالأساس».
يبدو ظهور مصطلح «محبي الكتب المشتركين في موقع (إنستغرام) غريباً، لكن في الحقيقة تشير هذه العبارة إلى الشباب الذين يحبون قراءة الكتب التقليدية، وفي الوقت ذاته لديهم ارتباط عاطفي بمواقع التواصل الاجتماعي خاصة في الـ(إنستغرام) حيث يتشارك هؤلاء الشباب كتبهم المفضلة، وينظمون مناقشات مثيرة للاهتمام عن تلك الكتب. يبدو أن القرّاء الشباب يقيمون معرض الكتاب الخاص بهم على الإنترنت».
ولذلك يشعر أصحاب صناعة النشر منذ فترة طويلة بالقلق تجاه مستقبلها في ظل انتشار الكتب على الإنترنت. مع ذلك النبأ السار هو أن الكتب الورقية لا تزال تحظى بأهمية في أميركا اللاتينية، وفي العالم بوجه عام؛ والدليل على ذلك هو النجاح المتجلي في عدد الزائرين، الذين يحرصون على حضور مثل تلك المعارض، وفي تدشين الكتب الجديدة، وفي استمرار ظهور كتّاب جدد.
يوضح أكي قائلاً: «لا أعلم ما إذا كانت معارض الكتاب قد غيرت الأدب على هذا النحو، لكنها ساعدت في انتشاره. منذ سنوات قليلة ماضية كان هناك من يؤمنون بأن مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت سوف تقضي على صناعة النشر، وأنها تضع نهاية للكتاب الورقي التقليدي، وتؤدي إلى تشرذم القراء، وتؤثر سلباً على سلوكهم. لم يحدث أي من هذا، بل العكس كان هو ما حدث».
المشهد العام، الذي قدمه مدير شؤون الثقافة والمؤسسة في معرض «بوينس آيرس» للكتاب، مشجعاً للغاية لأنه دائماً ما يكون الشعور بالصفحات، وشمّ رائحة كتاب جديد، وإمكانية كتابة ملاحظات به ممتعاً. هذا هو ما يجعل الكتاب رفيقاً لا غنى عنه.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».