جانيت يلين.. 100 يوم من إدارة قلب الاقتصاد العالمي

أكاديمية بنزعة عملية.. وخبراء يؤكدون أن تجربتها الدولية هي المحك

جانيت يلين.. 100 يوم من إدارة قلب الاقتصاد العالمي
TT

جانيت يلين.. 100 يوم من إدارة قلب الاقتصاد العالمي

جانيت يلين.. 100 يوم من إدارة قلب الاقتصاد العالمي

بالشهادة أمام اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ الأميركي في نهاية فبراير (شباط) 2014، أصبحت الدكتورة جانيت يلين (67 عاما) الرئيسة الجديدة للاحتياطي الفيدرالي، وقد تجلت قدرتها على شرح آليات الاقتصاد المعقدة وطمأنة كل من مجلس الشيوخ والأسواق وأن كل شيء في مساره الصحيح.
يلين الآن تقود واحدة من أهم المؤسسات المالية في العالم، نظام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، مع براعة أكاديمية فائقة، وخبرة سنوات في صنع سياسات الاحتياطي الفيدرالي.. والسؤال القائم الآن وبعد شهور قليلة فقط من تعيين يلين: كيف نقيم المائة يوم الأولى لها..؟
مبدئيا، لا بد لنا أن نشير إلى أن يلين «الديمقراطية»، التي أدت اليمين في 3 فبراير 2014، لتكون بديلا لزميلها الأكاديمي بن برنانكي الذي خدم في عهد إدارة الرئيسين جورج بوش وباراك أوباما، جاءت بعد نحو ثلاثة عقود من سيطرة الرؤساء الجمهوريين على أعلى المناصب في الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وبعد عقود من احتكار الرجل لهذا المنصب في الولايات المتحدة، مسجلة نفسها كأول امرأة تتولي رئاسة البنك المركزي الأميركي «قلب الاقتصاد الأميركي والعالمي».
ولدت يلين عام 1946، ونشأت في بروكلين نيويورك، وهي ابنة لطبيب ومعلمة، وبرعت يلين في الأوساط الأكاديمية وأكملت درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة براون عام 1967، وتخرجت مع مرتبة الشرف الأولى، كما حصلت على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعه ييل 1971. كانت فترة وجودها في جامعة ييل فرصتها الأولى للتواصل والبقاء على اتصال وثيق مع اقتصاديين وأكاديميين ذوي شهرة عالمية مثل الدكتور جيمس توبين الحائز لجائزة نوبل للاقتصاد.
رسالتها للدكتوراه تركزت بشكل كبير على التوظيف والنظرية الاقتصادية للأسواق المفتوحة، وهنا يقول الدكتور جون سفاكياناكيس، كبير مخططي الاستثمار في «MASIC»، وهي شركة لإدارة الأصول ومقرها الرياض «يلين كتاب مفتوح، وقد عبرت مرارا وتحدثت على نطاق واسع عن السياسة النقدية التي تريدها.. لقد جادلت مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أنه يمكن عمل المزيد لمساعدة العاطلين عن العمل مطالبة إياه بتوصية مزدوجة باستقرار الأسعار وأقصى توظيف للعمالة.
تطور يلين المهني هو تطور أكاديمي، فبعد استكمال رسالة الدكتوراه ذهبت يلين للتدريس بجامعة هارفارد، وعملت كأستاذ مساعد، وبعدها انتقلت إلى لندن عام 1978 برفقه زوجها جورج اكيرلوف الاقتصادي الذي لا يقل عنها نبوغا، وبدأ الثنائي بإلقاء المحاضرات في جامعة الاقتصاد والعلوم السياسية بلندن، وفي عام 1980 قبلت بمنصب أستاذ الاقتصاد بجامعه كاليفورنيا بيركلي حيث ما زالت تعمل إلى الآن كأستاذ فخري للاقتصاد.

* يلين في الاحتياطي الفيدرالي

* خدمت يلين نظام الاحتياطي الفيدرالي طوال حياتها المهنية، حيث بدأت كاقتصادية في البنك المركزي في 1977 وحتى 1978 كسنة أولى. وفي منتصف 1994 أخذت إجازة من جامعه كاليفورنيا بيركلي وعادت للاحتياطي الفيدرالي كعضو في مجلس المحافظين. في أوائل عام 1996 فوضت بقيادة مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأسبق بيل كلينتون حتى عام 1999، مدة الخدمة التي أشار الدكتور سفاكياناكيس إلى أنها كانت هادئة وتزامنت مع ترؤسها لجنة السياسات الاقتصادية بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادي.
خدمت جانيت يلين البنك المركزي مرة أخرى بين عامي 2004 و2010 كرئيس وكرئيس تنفيذي في بنك الاحتياطي الفيدرالي بسان فرانسيسكو. كما تم ترشيحها كنائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي في أبريل (نيسان) 2010. وكان هذا قبل التوقيع على «دود - فرانك وول ستريت» وقانون حماية المستهلك، وأهم جزء من التشريعات الفيدرالية الاتحادية في أعقاب أزمة عام 2008 بوقت قصير.
يقول الدكتور سفاكياناكيس «خلال سنوات خدمتها كنائب ساعدت يلين البنك المركزي الأميركي على الاستجابة للمتغيرات وتحقيق انتعاش طفيف»، مشيرا إلى أن حياتها المهنية مع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أدت إلى جعلها غير معروفة قليلا خارجه، مما يطرح بعض القلق.
في المقابل، يصف بيتر زملر، رئيس التحرير التنفيذي والمالك لمجموعة «كابيتال استراتيجي» ومقرها واشنطن، وهو المراسل المالي المخضرم لـ«الشرق الأوسط»، تعيين يلين وفترة المائة يوم الأولى بأنها مقلقة.. ويضيف «كانت هناك بعض المخاوف في اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في مطلع أبريل الماضي من أن يلين لا تمتلك تلك الخبرة للتعامل مع القطاع المالي المصرفي أو قطاع الخدمات المالية على المستوى العالمي». وأضاف أن «نقص الخبرة من الممكن أن يكون عقبة ضدها، لا سيما في حال وقوع سيناريو مشابه لسيناريو انهيار بنك (ليمان براذرز) في 2008، حيث لا أحد يتوقع أن تقوم بنفس أداء الرئيس السابق آلان غرينسبان ومنافسها لورنس سامرز». ويرى زملر أن يلين حتى الآن لا تزال في البداية وتأثيرها لا يزال محدودا.. وهذا هو الشغل الشاغل لخبراء الاقتصاد العالميين.
قضت يلين سنوات كنائب رئيس لدعم خطوات غير مسبوقة لمحاربة الركود وخفض أسعار الفائدة إلى ما يقرب الصفر ودعم طباعة تريليونات من الدولارات للشراء الحكومي والسندات المدعومة بالرهن العقاري، كما يقول الدكتور سفاكياناكيس ومع ذلك فهي الآن تقوم بتغيير جانب من سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي، حسب تعبيرها فإن «طريقة العلاج لا تناسب المرض، كما أنه يجري تدريجيا سحب الدواء من المريض»، وهي الآن تضع تركيزا أكبر على خفض معدلات البطالة بالولايات المتحدة.
يعتقد البعض الآخر أنه سيكون هناك تغيير طفيف في وتيرة برنانكي للإصلاح، وتدعم هذا الرأي شهادة يلين في فبراير بمجلس الشيوخ الأميركي، إلا أن جورج كنعان الرئيس التنفيذي لجمعية المصرفيين العرب في لندن يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن يلين ستستمر في اتباع سياسة بن برنانكي عبر منظور إدارة سياسة سعر الفائدة، ولن يحدث تغيير كبير، وهذا بالطبع يبقي القطاع المصرفي العالمي والبنوك العربية على حاله.

* يلين في سياق الاستراتيجية السياسية
تم ترشيح يلين للمنصب من قبل الرئيس أوباما في أوائل أكتوبر (تشرين الأول) 2013، وأكد أنها واحدة من أهم الاقتصاديين في البلاد، ومع ذلك فإن الخيار كان راسخا في استراتيجية سياسية، رغم أن الخيار الأول للرئيس أوباما لهذا المنصب حينها كان الاقتصادي لورنس سامرز وزير الخزانة السابق للولايات المتحدة، والذي وصفه كنعان بأنه «صاروخ غير موجه» كما وصفه زملر «بالكاشط».
كان سامرز الأكثر خبرة من بين اثنين من المرشحين من حيث التعامل مع القطاع المالي والرجل الذي له دور فعال في 2008 كما قال زملر، ومع ذلك تم إقصاء سامرز من السباق في أواخر سبتمبر (أيلول) 2013 بعد معارضة علنية لترشيحه من قبل ثلاثة أعضاء ديمقراطيين في اللجنة المصرفية لمجلس الشيوخ.

وأعرب العديد من الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ عن قلقهم بسبب عدم رغبة سامرز في تبني لوائح أكثر صرامة للقطاع المالي، وكذلك لتعليقاته السيئة التي أدلى بها في عام 2005 كرئيس لجامعة هارفارد في ما يتعلق بالنساء وكفاءتهن وعدم وجودهن في مجال الرياضيات، وهذا ما ساعد يلين على أن تحظى بثقة وموافقة مجلس الشيوخ في 6 يناير (كانون الثاني) 2014 بواقع 68 في المائة من الأصوات.



ترمب يحجم عن فرض الرسوم الجمركية

ترمب يلقي خطاب تنصيبه بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)
ترمب يلقي خطاب تنصيبه بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)
TT

ترمب يحجم عن فرض الرسوم الجمركية

ترمب يلقي خطاب تنصيبه بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)
ترمب يلقي خطاب تنصيبه بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)

يُرجئ دونالد ترمب فرض التعريفات الجمركية خلال يومه الأول ويراهن بشكل كبير على أن إجراءاته التنفيذية يمكن أن تخفض أسعار الطاقة وتروض التضخم. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت أوامره ستكون كافية لتحريك الاقتصاد الأميركي كما وعد.

فقد قال ترمب في خطاب تنصيبه إن «أزمة التضخم ناجمة عن الإفراط في الإنفاق الهائل»، كما أشار إلى أن زيادة إنتاج النفط ستؤدي إلى خفض الأسعار.

وتهدف الأوامر التي يصدرها يوم الاثنين، بما في ذلك أمر مرتبط بألاسكا، إلى تخفيف الأعباء التنظيمية على إنتاج النفط والغاز الطبيعي. كما أنه يعتزم إعلان حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة على أمل إطلاق المزيد من إنتاج الكهرباء في إطار المنافسة مع الصين لبناء تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على مراكز البيانات التي تستخدم كميات هائلة من الطاقة.

ويعتزم ترمب التوقيع على مذكرة رئاسية تسعى إلى اتباع نهج حكومي واسع النطاق لخفض التضخم.

كل هذه التفاصيل وفقاً لمسؤول قادم من البيت الأبيض أصر على عدم الكشف عن هويته أثناء توضيحه لخطط ترمب خلال مكالمة مع الصحافيين، وفق ما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس».

وقال المسؤول إن الإدارة الجديدة، في أول يوم له في منصبه، ستنهي ما يسميه ترمب بشكل غير صحيح «تفويضاً» للسيارات الكهربائية. على الرغم من عدم وجود تفويض من الرئيس الديمقراطي المنتهية ولايته لفرض شراء السيارات الكهربائية، فإن سياساته سعت إلى تشجيع الأميركيين على شراء السيارات الكهربائية وشركات السيارات على التحول من السيارات التي تعمل بالوقود إلى السيارات الكهربائية.

هدّد ترمب، خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، بفرض رسوم جمركية على الصين والمكسيك وكندا ودول أخرى. ولكن يبدو أنه يتراجع حتى الآن عن فرض ضرائب أعلى على الواردات. وأشار المسؤول إلى تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» يقول إن ترمب سيوقع فقط على مذكرة تطلب من الوكالات الفيدرالية دراسة القضايا التجارية.

ومع ذلك، تعهد ترمب في خطاب تنصيبه بأن التعريفات الجمركية قادمة، وقال إن الدول الأجنبية ستدفع العقوبات التجارية، على الرغم من أن هذه الضرائب يدفعها المستوردون المحليون حالياً وغالباً ما يتم تمريرها إلى المستهلكين.

لقد كان قرار التوقف ودراسة التعريفات الجمركية إشارة إلى الحكومة الكندية بأنه يجب أن تكون مستعدة لجميع الاحتمالات تقريباً بشأن اتجاه التجارة مع الولايات المتحدة.

«ربما يكون قد اتخذ قراراً بتعليق التهديد بالتعريفات الجمركية نوعاً ما على قائمة كاملة من الدول. سننتظر ونرى»، وفق ما قال وزير المالية الكندي دومينيك لوبلانك. أضاف: «لقد كان السيد ترمب في ولايته السابقة غير قابل للتنبؤ، لذا فإن مهمتنا هي التأكد من أننا مستعدون لأي سيناريو».

وبشكل عام، يواجه الرئيس الجمهوري مجموعة من التحديات في تحقيق طموحاته في خفض الأسعار. فقد نجح بايدن في خفض معدل التضخم على مدار عامين، إلا أنه سيغادر منصبه مع استمرار نمو الأسعار الذي فاق نمو الأجور على مدار السنوات الأربع الماضية.

ومن بين الدوافع الكبيرة للتضخم استمرار نقص المساكن، كما أن إنتاج النفط الأميركي وصل بالفعل إلى مستويات قياسية، حيث يواجه المنتجون حالة من عدم اليقين بشأن الطلب العالمي هذا العام.

مجلس الاحتياطي الفيدرالي هو من الناحية الفنية الهيئة الحكومية المكلفة الحفاظ على التضخم عند هدف سنوي يبلغ 2 في المائة تقريباً. وتتمثل أدواته المعتادة في تحديد أسعار الفائدة قصيرة الأجل لإقراض البنوك لبعضها البعض، بالإضافة إلى مشتريات السندات والاتصالات العامة.

وقال ترمب إن إنتاج الموارد الطبيعية هو المفتاح لخفض التكاليف بالنسبة للمستهلكين الأميركيين، سواء في المضخة أو في فواتير الخدمات العامة.

تتخلل أسعار الطاقة كل جزء من الاقتصاد، لذا فإن زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز الطبيعي وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى أمر بالغ الأهمية للأمن القومي. وقد اشتكى ترمب، الذي تعهد باستعادة «هيمنة الولايات المتحدة في مجال الطاقة»، من أن إدارة بايدن حدّت من إنتاج النفط والغاز في ألاسكا.

ومع ذلك، ووفقاً للأوزان الترجيحية لمؤشر أسعار المستهلك، فإن الإنفاق على الطاقة يمثل في المتوسط 6 في المائة فقط من النفقات، أي أقل بكثير من الغذاء (13 في المائة) أو المأوى (37 في المائة).

عاد التضخم، الذي كان خامداً لعقود، إلى الظهور من جديد في أوائل عام 2021 مع تعافي الاقتصاد بقوة غير متوقعة من عمليات الإغلاق بسبب كوفيد-19. طغت الطفرة في طلبات العملاء على سلاسل التوريد في أميركا، ما تسبب في حدوث تأخيرات ونقص وارتفاع الأسعار. وكافحت مصانع رقائق الحاسوب والأثاث وغيرها من المنتجات في جميع أنحاء العالم للانتعاش.

وقد سارع المشرعون الجمهوريون إلى إلقاء اللوم على إدارة بايدن في إغاثة إدارة بايدن من الجائحة البالغة 1.9 تريليون دولار، على الرغم من أن التضخم كان ظاهرة عالمية تشير إلى عوامل تتجاوز السياسة الأميركية. وازداد التضخم سوءاً بعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية.

ورداً على ذلك، رفع «الاحتياطي الفيدرالي» سعر الفائدة القياسي 11 مرة في عامي 2022 و2023. انخفض التضخم من أعلى مستوى له منذ أربعة عقود عند 9.1 في المائة في منتصف عام 2022. لكن التضخم ارتفع منذ سبتمبر (أيلول) إلى معدل سنوي بلغ 2.9 في المائة في ديسمبر (كانون الأول).

من المحتمل أن تحتاج العديد من الخطوات التي يتخذها ترمب إلى موافقة الكونغرس. تنتهي أجزاء من تخفيضاته الضريبية لعام 2017 بعد هذا العام، ويعتزم ترمب تمديدها وتوسيعها بتكلفة قد تتجاوز 4 تريليونات دولار على مدى 10 سنوات. ويرى ترمب أن التخلص من الدعم المالي للطاقة المتجددة في عهد بايدن هو وسيلة محتملة لتمويل تخفيضاته الضريبية.