إرهاب ميليشيات إيران و«داعش» وتأثيراته على المصالح الخليجية

«القاعدة» استغلت الوضع الفوضوي الانقلابي للتوسع في اليمن

إرهاب ميليشيات إيران و«داعش» وتأثيراته على المصالح الخليجية
TT

إرهاب ميليشيات إيران و«داعش» وتأثيراته على المصالح الخليجية

إرهاب ميليشيات إيران و«داعش» وتأثيراته على المصالح الخليجية

يمثل تنامي الإرهاب بأشكاله التنظيمية والفكرية واحدا من التهديدات المباشرة للأمن الإنساني في زمن العولمة. ذلك أن الحرب والنزاعات التقليدية، والفقر، وانتشار الاتجار الدولي بالمخدرات والبشر والسلاح؛ أصبحت نسقا ومصدرا للأخطار التي تمس الأمن الجماعي والاستقرار الاجتماعي والسلام السياسي العالمي. ولم يعد الإرهاب لوحده ظاهرة تشكل مأزقا جديدا للدولة الحديثة والمجتمع الدولي، بل أصبح العجز عن وقف وتيرة انتشارها، وما يعنيه ذلك من توسع دائرة الحروب، يفرض بناء تعاملات تعاونية وتشاركية تتجاوز ما هو معمول به حاليا من داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
ذلك أن الإرهاب عبر مسيرته وخبرته منذ 11-9 – 2001 استطاع التكيف مع تناقضات السياسات والمصالح الدولية لدرجة يمكن القول إنه فرض نفسه باعتباره فاعلا حقق «اندماجا» متواصلا في المنظومة الدولية، باعتباره مهددا للسلم العالمي وفي الوقت نفسه، مرتكزا جديدا لبناء التحالفات الدولية. وما نشهده اليوم في اليمن، والعراق ولبنان وسوريا وليبيا دليل ساطع على ذلك.
في السياق نفسه يمكن القول إن الإرهاب بتشكلاته التنظيمية الميليشياوية، وتمظهراته الدولية؛ بدأ يحتل مساحات واسعة في تشكيل التحالفات الإقليمية والأممية، كما أنه أدخل الدول العربية في عصر الميليشيات العابرة للقارات. وظهرت «فصائل شيعية مسلحة شكلتها ودعمتها إيران، باعتبارها فاعلا يتجاوز الدولة، ويعمل وفق رؤية موحدة تخدم تغير التوازنات الإقليمية بالشرق الأوسط. صحيح أن هناك تحالفا دوليا ضد الإرهاب، لعبت كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية دورا بارزا في ولادته منذ 2014؛ وأنه تحقق نوع من التقدم في مواجهة الإرهاب الداعشي تحديدا. غير أن نتائج التحالف ووجهت على الأرض بصعوبات جمة لا تتعلق، فقط بالزخم الآيديولوجي، والتوسع الاستقطابي الذي اكتسبه تنظيم داعش، ودولته المزعومة على أرض سوريا والعراق من جهة؛ وإنما كذلك من جهة استغلال جماعة «القاعدة» للوضع الفوضوي الانقلابي للتوسع في اليمن، جراء ما أنتجته السيطرة العسكرية الحوثية على السلطة والعاصمة صنعاء.
من جهة ثالثة، وجب الأخذ بعين الاعتبار، كون السياسة الدولية الحالية تعيش وضعا يجسد فارقا بين الإحساس بالخطر، والقدرة الفعالة على مواجهة منابع الإرهاب العالمي بالشرق الأوسط. وتجسد الحالة التركية مع كل من «داعش»، وحزب العمال الكردستاني هذه الحالة اللاتوازنية؛ فأنقرة تعيش التهديد، وارتباط القدرة والحرية في المواجهة مع الجماعات الإرهابية، بالمس بالمصالح الروسية والأميركية والإيرانية، بالعراق وسوريا.
كذلك، تجدر الإشارة إلى أن تضارب المصالح الاستراتيجية، في المنظومة الدولية بالشرق الأوسط، يزيد من إمكانية المس بالأمن القومي للدول العربية؛ وخاصة الدول الخليجية، التي تستهدفها، طهران، والميليشيات الطائفية باليمن والعراق. ورغم أن «عاصفة الحزم» منذ مارس (آذار) 2015، تشكل وعيا بهذا الوضع القائم، وتحولا جذريا في التعامل الخليجي مع التهديدات الخارجية، وتفتح أفقا واسعا لبناء عقيدة وتكامل عسكري خليجي؛ فإن دول مجلس التعاون في حاجة عاجلة لتكوين قوات خليجية للردع، يكون من مهامها التدخل السريع لمواجهة التنظيمات الإرهابية والدفاع المشترك، وتحقيق التوازن الاستراتيجي مع طهران.
ذلك أن الزمن الدولي الحالي إقليميا، متأثر برؤية الحرس الثوري لموقع إيران المستقبل في الخريطة الجيوسياسية الدولية، وهو يستفيد من حالة التطييف العقدي للظاهرة الإرهابية التي تمارسها «داعش» و«القاعدة»، من جهة، والميليشيات الشيعية العابرة للحدود من جهة ثانية. وغير خفي أن هذه الحالة الآيديولوجية أصبحت واحدة من العوامل الأساسية التي لم تعد تهدد الأمن الإنساني وحسب، وإنما تمنح الجماعات الإرهابية عمرا أطول، وانتشارا آيديولوجيا أوسع، وقدرة تنظيمية على إعادة التموقع الجغرافي والانبعاث الذاتي.
* تناقضات المواجهة بالعراق
في هذا السياق، علينا أن نتذكر أن عقيدة المصالح الاستراتيجية الأميركية، اقتضت مع إدارة بوش الابن حث المنتظم الدولي على غزو العراق والإطاحة بالديكتاتور صدام حسين. لكن الغزو الأميركي للعراق فتح مجالا جديدا لانتعاش الإرهاب منذ 2003؛ ومنح إيران فرصة ذهبية للعبث بمستقبل المنطقة وإخضاعها لمصالحها الطائفية والسياسية والاقتصادية، من خلال هيمنتها على العراق، وبناء «شبكة عالمية للتوسع الشيعي»، تتجاوز الدور التقليدي لـ«حزب الله» اللبناني الموالي لطهران.
لقد ساعد هذا المناخ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» آنذاك على حشد الأنصار في الأنبار، وظهرت الفلوجة باعتبارها مركزا لمقاومة الاحتلال. ولقسوة المواجهة لجأت السياسة الأميركية إلى تشكيل «الصحوات»، وخاضت هذه الأخيرة مواجهات دامية مع الإرهاب، اختلط فيها العشائري بالعقدي والوطني، وتم إلحاق الهزيمة بـ«القاعدة». غير أن هذه الهزيمة سرعان ما تحولت مع «التحالف الموضوعي» لطهران وواشنطن بالعراق، إلى انبعاث جديد ومتوحش للظاهرة الإرهابية، باسم «دولة الخلافة» المزعومة.
فقد استطاع التنظيم، خلق نخبة عسكرية جديدة، كانت جزءا منه أو تدربت على يديه، واصلت ربط التنظيم بالجماعة الأم، وفي الوقت نفسه تحقيق التجدد بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي منتصف 2006؛ والانتقال إلى البراءة من تنظيم أيمن الظواهري في مرحلة لاحقة. أكثر من ذلك، تطور التشكيل الجماعاتي للإرهاب، وأدخل جيل أبو بكر البغدادي المنطقة في دائرة مظلمة سميت «إدارة التوحش». وتم من خلالها تسريع السيطرة على الأرض، وتكوين ما زعم أنها «دولة الخلافة» في الشرق الأوسط، واستقطبت بشكل مثير الجيل الثالث من شباب المسلمين بأوروبا وآسيا وأفريقيا.
غير أن ما يجب أخذه في الحسبان أن تطورات التنظيم الإرهابي الجديد منذ 2012، لم تكن بعيدة عن حسابات أميركا وإيران بالعراق وسوريا. فقد عرفت هذه المرحلة تسريعا للمفاوضات السرية حول البرنامج النووي الإيراني، كما عرفت تبادلا للرسائل السرية بين الولي الفقيه علي خامئني والرئيس باراك أوباما. وبينما تبنى هذا الأخير ما سمي سياسة «الصبر الاستراتيجي» في مواجهة توسع «داعش» في العراق وسوريا، وغض الطرف عن حقيقة الدور الإيراني بالمنطقة؛ عملت طهران على توسيع نفوذها في هاتين الدولتين، ولعبت وحدات «الباسيج» دورا كبيرا في تفريخ عشرات الميليشيات، كلها تدور في الفلك الإيراني وتدافع عن مصالح طهران الاستراتيجية بالمنطقة.
في ظل هذا الوضع الذي عرف ظهور بيئة جديدة للإرهاب؛ تمكنت إيران وميليشياتها بزعامة «فيلق بدر» الذي تشكل في الأصل بزعامة محمد باقر الحكيم، بفتوى من طهران، وضم خليطاً من الهاربين من الجيش العراقي وأسرى الحرب العراقية الإيرانية الموالين لنظام طهران. ولم يكن غريبا أن يتدخل الحرس الثوري بشكل مباشر في العراق، مستغلا الجو الدولي العدائي لنظام صدام حسين، باعتباره - يومذاك - الراعي الأول للإرهاب العالمي.
وكانت السياسة الإيرانية ومصالحها الاستراتيجية تقتضي مشاركة «فيلق بدر» في احتلال العراق وإسقاط نظام صدام سنة 2003. وباسم محاربة الإرهاب، عمل الحرس الثوري الإيراني على تنزيل سياسة بعيدة المدى، وتتلخص في إعادة بناء دولة عراقية طائفية، تسيطر عليها ميليشيات وكتل سياسية، ترتبط عقديا وآيديولوجيا وعسكريا بالحرس الثوري والولي الفقيه.
ووصل الأمر مع بزوغ نجم «داعش» سنة 2014 حد إصدار آية الله علي السيستاني المرجع الشيعي الأعلى بالعراق لفتوى سميت «الجهاد الكفائي» وقيل إنها لمواجهة التنظيم الإرهابي، الذي بسط سيطرته على مناطق شاسعة من العراق وسوريا. غير أن حقيقة سياسة الحرس الثوري داخل العراق، وأهداف الفتوى الدينية لا تنحصر في محاربة تنظيم البغدادي؛ وإنما تكريس وضع مؤسساتي جديد تكون فيه الدولة العراقية، جزءا لا يتجزأ من النظام الإقليمي الذي تقوده إيران، في مرحلة ما بعد «داعش».
* استراتيجية جديدة ضد الإرهاب
إن التراجع الكبير الذي عرفته «خلافة البغدادي» في سنتي 2015- 2016، والذي تحول لتراجع كبير في النصف الأول من 2017، واكبته تحولات مهمة تتعلق بالمصالح الاستراتيجية الخليجية، والروسية والإيرانية والتركية، في العراق وسوريا، رغم التنسيق القائم فيما يخص مواجهة الجماعات الإرهابية. فقد تبين أن الإدارة الأميركية الجديدة ترعى مصالحها الذاتية بالمنطقة، وتخفف من وجودها العسكري بالشرق الأوسط مع توجهها شرقا نحو آسيا وبحر الصين؛ مع مراعاة المصالح الروسية بالمنطقة.
وإذا أضفنا لهذا تداعيات المصالحة التركية الروسية، وما أفرزته من تناقضات وتنسيق ثنائي داخل سوريا لمواجهة «داعش»؛ يتبين أن تراجع «دولة الخلافة» المزعومة، يصاحبه فتور في علاقة طهران بموسكو وتوترات مع واشنطن. وهذه الحالة الدولية الجديدة تحتم على مجلس التعاون الخليجي، توحيد جهوده الدبلوماسية، والتعامل بذكاء مع السياسة الاستراتيجية الجديدة لدونالد ترمب والتي تمنح الأولوية للقضاء على «داعش» و«القاعدة» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية. كما تسعى في الوقت نفسه لتجاوز الاحتراب الطائفي السني الشيعي، مع محاصرة ومراقبة صارمة للسياسة الإيرانية والميليشيات الشيعية التي تمثل درع إيران الإقليمية.
فالاستراتيجية الجديدة في حاجة أكيدة لروسيا، التي لم تعد تبتعد كثيرا عن الأولويات، وإذا استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، خلق تشابك جديد للمصالح على الأرض بينها وبين روسيا وتركيا، فإننا سنكون حتما أمام وضع ينهي استغلال إيران لورقة الإرهاب، لخلق تحالفات غير تقليدية، ويضعف من قدرة «الحرس الثوري»، في خلق مزيد من الفوضى الميليشياوية بالشرق الأوسط، والمس بالأمن الإقليمي الخليجي.

* أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».