الفنان التعبيري ستار كاووش ينهل ثيماته من كتاب الحُب

رسم ألف لوحة وأقام 25 معرضاً شخصياً على مدى ثلاثة عقود

«عاشقان تحت المظلة» لستار كاووش اللوحة الفائزة في بينالي الكويت
«عاشقان تحت المظلة» لستار كاووش اللوحة الفائزة في بينالي الكويت
TT

الفنان التعبيري ستار كاووش ينهل ثيماته من كتاب الحُب

«عاشقان تحت المظلة» لستار كاووش اللوحة الفائزة في بينالي الكويت
«عاشقان تحت المظلة» لستار كاووش اللوحة الفائزة في بينالي الكويت

بعد 25 معرضاً شخصياً وقرابة 70 معرضاً جماعياً، وخمسة كتب عن تجربته الفنية، وعشرات المقالات النقدية والانطباعية عن معارضه ولوحاته التي تجمع بين التشخيصية، والتعبيرية، والوحوشية، والآرت ديكو، والفن الجديد وسواها من الحركات والمدارس الفنية التي تأثر بها خلقَ الفنان ستار كاووش بصمته التشكيلية الخاصة به، فالذي يشاهد عملاً واحداً له لا بد أن يتعرّف بسهولة إلى بقية أعماله الفنية حتى لو كانت خالية من توقيعه الشخصي.
اشتغل كاووش بدأب كبير كي يحقق هذه البصمة وقد خدمهُ كثيراً أسلوبه المُغاير الذي يختلف عن أساليب كل الفنانين العراقيين تقريباً ويستطيع القارئ أن يعود إلى كاتالوغات معارضه الأولى «سيقان وأرصفة»، «رجل وامرأة»، «جسد المدينة»، ليتأكد من أنّ كاووش كان ولاا يزل يغرّد خارج سرب التشكيليين العراقيين.
يتمتع كاووش بخصال كثيرة تخدم تجربته الفنية وتغذّيها على الدوام وأولها الإخلاص للفن، والانقطاع له، والتماهي فيه. ولعل أمسيته الفنية الأخيرة التي نظّمتها مكتبة Alef في «بيكر ستريت» بلندن وما باحَ بها من اعترافات شخصية مهمة تسلّط الضوء على جوانب محددة من تجربته الفنية هي دليل قاطع على أنّ ستار كاووش قد وضع الرسم على رأس اهتماماته الإبداعية آخذين بنظر الاعتبار أنه يكتب عموداً أسبوعياً في بعض الصحف اليومية أو المجلات الفنية وربما يكون «باليت المدى» هو عموده الأسبوعي الشيّق الذي واظب على كتابته منذ أربع سنوات تقريباً وحتى الآن، لكنه يظل عموداً فنياً خالصاً يتسيّد فيه التشكيل، وتطغى عليه الجملة البصرية التي تقترن بالعفوية، والدُعابة، وسلاسة الأسلوب الرشيق.
توقفَ كاووش في الندوة عند بواكير حياته الفنية وكيف اقتنى أول كتاب للفنان الهولندي رمبرانت فان راين الذي كلّفه مصروف جيبه لأشهر طوال، وما إن تصفحهُ حتى تعلّق بلوحة «الحراسة الليلية» التي أنجزها رمبرانت عام 1642 ولعله انبهر بالتضاد اللوني بين الضوء والظل قبل أن ينبهر بالفيغرات الكثيرة التي تؤثث السطح التصويري لهذه التحفة الفنية التي حلُم كاووش أن يقف أمامها ذات يوم وقد تحقق له هذا الحلم مذ لجأ إلى هولندا عام 1999 واستقر فيها بشكل دائم طاوياً صفحة غربته العسيرة في «كييف».
أما الملحوظة المهمة الثانية فهي إفادته من فيغر «الملكة» في ورق اللعب منذ بداياته الفنية وحتى الآن ولعل هذه الإفادة تتمثل بالخطوط المرهفة التي نراها في مجمل أعماله التشخيصية التي تقوم في غالبيتها على ثنائية المرأة والرجل. لعل الملحوظة الثالثة هي الأهم من وجهة نظري المتواضعة لأنه يرسم «الخُنثى» دائماً، فليس هناك ذكَر خالص الذكورة في أعماله وإنما فيه لمَسات أنثوية كثيرة، كما أنّ الأنثى ليست أنثى خالصة ففيها على الدوام شيء من الرجل. وهذا النفَس الخنثوي كان يحيّر بعض المتلقين ويجعلهم لا يفرِّقون بين الرجل والمرأة في لوحة كاووش الفنية التي تتمتع الآن برهافة انسيابية واضحة في الخط واللون والتكوين إضافة إلى بعض العناصر الرمزية التي يجب ألا تمرّ على المتلقي مرور الكرام مثل القط، والتفاحة، والقناع، والكتاب وما إلى ذلك من مفردات فنية تخدم اللوحة وتضفي عليها بهجة من نوعٍ خاص.
تكمن أهمية هذه الأمسية الفنية في العدد الكبير من السلايدات التي تمّ عرضها على شاشة كبيرة نسبياً غطت مراحل متعددة من حياته الفنية قبل أن يشتدّ عوده، وتتطوّر تقنياته حينما يلج إلى أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد وينهل منها معارفه الأساسية التي وسعت مداركه، وفتحت له الأبواب واسعة ليتعرف على مجمل مدارس الفن التشكيلي وتياراته الأوروبية التي تعلّق بها وتبنّى الكثير منها خلال ثلاثة عقود ونصف العقد تقريباً.
بلغ المنجز التشكيلي للفنان ستار كاووش 1000 لوحة وهو رقم كبير بكل المقاييس وقد جرّب فيها كل الأشكال والأحجام ففيها المستطيل والمثلث والمربع والدائري والبيضاوي والمخروطي وما تمرّد منها على الأطر ليجد ضالته في الفضاء المفتوح الذي يحيط باللوحة. أما كتابه الأخير «نساء التركواز» فيضم 160 لوحة يمتد تاريخ إنجازها بين عامي 2005 و2014 باستثناء لوحات أغلفة الكتب والمجلات التي يعود بعضها إلى أواخر التسعينات من القرن الماضي وقد كتبت مقدمته الناقدة والباحثة الهولندية شارلوتا هاوخنس المتخصصة بالفن العربي، فيما ترجم المقدمة إلى الإنجليزية الأميركي ديفيد ميكَيّ.
تمحورت بعض الأسئلة التي وجهها الحضور إلى الفنان ستار كاووش حول «معنى اللوحة وآلية التلقي» والغريب أن بعض السائلين كانوا يبحثون عن إجابات محددة وكأنَ مضامين هذه اللوحات التي عرضها الفنان غامضة أو عصيّة على الفهم بينما تدور غالبية اللوحات حول ثيمة الحُب وتجلياته، والحُلم وإشراقاته، والنشوة وغيبوباتها وما إلى ذلك من الموضوعات المختلفة التي يستلّها كاووش غالباً من «كتاب الحب».
بعض الحضور أحبّ ألوان كاووش الحارة الصريحة، بينما أحبّ البعض الآخر رسومه وتخطيطاته التي نفّذها بقلم الرصاص أو الحبر الأسود ورأى فيها أبعادا فنية وجمالية أعمق من اللوحات المبهرجة الألوان وهذا أمر طبيعي في أن تختلف الذائقة من متلقٍ إلى آخر. انتبه البعض إلى الثيمات ورأى فيها تكراراً وهي التفاتة ذكية لكن مشكلة الفنان ستار كاووش لا تكمن في رهانه على الموضوعات أبداً وإنما على كل العناصر والمعطيات الأخرى التي تبهج المتلقي كالشكل واللون وزاوية النظر.
لم يكتفِ ستار كاووش بعلاقته مع الفنانين التشكيليين العراقيين مهما كثُر عددهم ولعل الأدباء والكُتّاب هو وسطه المفضل الذي يطمئن إليه في دخيلته فلا غرابة أن يكون صديقاً لغالبية الأدباء، يقرأ كتبهم، ويشاطرهم همومهم الأدبية، ويكتب مثلهم عموده الأسبوعي الذي يؤهله لأن يكون الفنان الكاتب والعكس صحيح ولعله الشخصية الفنية الوحيدة في بغداد الذي حصل على لقب «النجم الفنان»، فكلمة النجم كانت حكراً على المطربين والممثلين والمخرجين والموسيقيين وبعض لاعبي كرة القدم المشهورين. ومن هنا تأتي الإشارة إلى محور البورتريهات الشخصية التي رسمها لعدد كبير من الأدباء العراقيين والعرب الذين ضمّهم كتاب «نساء التركواز» وعلى رأسهم الشاعر بدر شاكر السياب، والشاعر أنسي الحاج، والمخرج صلاح القصب، والروائي حميد المختار، والروائية لطفية الدليمي، والشاعر خالد مطلك، والشاعر عبد الزهرة زكي، والناقد السينمائي علاء المفرجي، والشاعر موفق السواد وسواهم من المبدعين العراقيين الذين يحفظ ملامحهم عن ظهر قلب.
تحتل المرأة مكانة مميزة في حياة ستار كاووش الفنية فقد رسم جميع النساء اللواتي أحبهن وسوف نكتفي بثنِية روحه الأخيرة السيدة آلي تشوكر Alie Tjoelker التي رسمها في الكثير من لوحاته من بينها «زهرة آلي» وهي لوحة معبّرة تقود الناظر إلى التماهي بالطبيعة، وتنفتح على فضاء الحب المتوهج إلى أقصى مدياته.
حاز كاووش على الكثير من الجوائز نذكر منها جائزة الرسّام الأول في جريدة «الجمهورية» ببغداد عام 1991. والجائزة الأولى في معرض الفن العراقي المعاصر عام 1993. كما فاز قبل مدة قصيرة بالجائزة الذهبية في بينالي الكويت 2017 عن لوحته المعنونة «عاشقان تحت المظلة» واعتبرته لجنة التحكيم فناناً ذا رؤية خاصة وضعته في قائمة الفنانين المشهورين ضمن المشهد التشكيلي الهولندي المعاصر.



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.