سيطرت أجواء سياسية ساخنة على تركيا عقب استفتاء على التعديلات الدستورية للانتقال إلى النظام الرئاسي، أجري في 16 أبريل (نيسان) الماضي وخرج بتأييد 51.41 في المائة للتعديلات مقابل رفضها بنسبة 48.59 في المائة. وشهدت أحزاب المعارضة انقسامات في صفوفها، فيما فتح الفارق الضئيل بين فريقي «نعم» و«لا» الباب أمام حراك جديد في صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحزاب المعارضة التي شجعها هذا التقارب في الأصوات على شحذ قواها استعدادا للانتخابات البرلمانية التي ستجرى مع الانتخابات الرئاسية في يوم واحد في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
وشهد رئيس حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي، كمال كليتشدار أوغلو، حالة من الضغط المكثف بعد أن تصاعدت الأصوات في الأيام الأخيرة من داخل الحزب تطالبه بالاستقالة من منصبه إذا لم يكن ينوي الترشح لمنصب رئيس الجمهورية في 2019. وظهرت جبهات عدة داخل الحزب يتزعم أقواها رئيس الحزب السابق النائب بالبرلمان حاليا عن مدينة أنطاليا جنوب تركيا، دنيز بيكال.
وانضم إلى جبهة المعارضين أيضا نائب مدينة مرسين (جنوب)، فكري ساغلار، الذي تعهد بالترشح لقيادة الحزب في حال عقد مؤتمر استثنائي لينضم إليه نائب الحزب عن مدينة يالوفا (غرب)، محرم إينجه. ساغلار هاجم كليتشدار أوغلو، وقال أول من أمس إنه يتحدث عن تكريس حكم الرجل الواحد عند هجومه على النظام الرئاسي لكنه في الحقيقة يطبق نظام الرجل الواحد داخل الحزب. وأعلن حزب الشعب الجمهوري أن فكرة عقد مؤتمر استثنائي غير واردة، وقال نائب رئيس الحزب تكين بينجول لـ«الشرق الأوسط» لقد بدأنا الإعداد للمؤتمر العام العادي، موضحا: «عقدنا مؤتمرنا العادي الخامس والثلاثين في 15 و16 يناير (كانون الثاني) الماضي، وتلزمنا لوائحنا بعقد مؤتمر كل عامين. ولهذا السبب، يتعين علينا في غضون هذا العام أن نحدد مواعيد مؤتمراتنا الحزبية ونعقد مؤتمرنا العادي».
وكان بيكال طالب في تصريحات الثلاثاء الماضي بعقد مؤتمر استثنائي لتحديد مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية المقبلة، إذا لم يكن كليتشدار ينوي ترشيح نفسه، قائلا إنه في هذه الحالة يتعين على كليتشدار أوغلو مغادرة منصبه كرئيس للحزب. وبعد توسع دائرة المعارضة الداخلية بانضمام ساغلار وإينجه، قال كليتشدار أوغلو «لن نسمح أبدا بالاقتتال الداخلي». وبموجب هذا التصريح، أطلقت اللجنة المركزية للحزب إجراءات تأديبية ضد ساغلار، بحسب ما أعلنت المتحدثة باسم الحزب سيلين سايك بوكا.
وجدّد كليتشدار أوغلو تأكيده على أنه لن يترشح لرئاسة الجمهورية، لكنه قال أيضا إنه لن يترك رئاسة الحزب. وأكّد في مقابلة تلفزيونية الخميس أنه يحترم رأي سلفه بيكال، لكنه أوضح أن الحزب له قوانين، لافتا إلى أنه سيتم اختيار المرشح للرئاسة عام 2019 من خلال الجلوس على طاولة من قبل أعضاء الحزب، وأنه لن يقرر الأمر وحده.
وانتقد كليتشدار أوغلو الأصوات التي تتعالى للمطالبة بعقد مؤتمر استثنائي للحزب لوضع خريطة طريق للانتخابات المقبلة، لضمان الفوز بنسبة 49 في المائة من الأصوات والحفاظ على ما حققه معسكر «لا» في الاستفتاء.
وانتقد بيكال تصريحات كليتشدار أوغلو، موضحا أنّ الحزب لا يمكن أن يدار بالتهديدات، أو من خلال التلويح بالعصا. وقال نائب الحزب عن مدينة يالوفا، محرم إينجه: «إن لم نعبّر عن أفكارنا، لن نتمكن من إيجاد الطريق الصحيح. فالحزب حزبنا، والبلد لنا، علينا أن نفكر كيف من الممكن أن نضيف لهذا البلد، وعلينا أن نعمل في هذا الاتجاه».
وكان دنيز بيكال أشعل حالة من الغضب بطرحه أسماء لمن يمكنهم قيادة الحملة المقبلة للفوز بالانتخابات البرلمانية بنسبة 49 في المائة في 2019. وطرح اسم الرئيس التركي السابق عبد الله غل، أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية الحاكم، وميرال أكشنار، نائبة رئيس حزب الحركة القومية السابقة، التي تم فصلها من الحزب بعد قيادة جبهة معارضة ضد رئيس الحزب دولت بهشلي. وقال بيكال إنه يمكننا أن نشكّل جبهة أو تحالفا على غرار نموذج الحركة الاشتراكية اليونانية (الباسوك) في عام 1981.
واللافت هو ظهور اسم غل، وتداوله كثيرا في الأيام التي أعقبت الاستفتاء على تعديل الدستور، كونه لم يظهر لتأييد رفيقه الرئيس رجب طيب إردوغان. وأثار ذلك تكهنات بأنه كان يقود حملة صامتة للتصويت بـ«لا» في الاستفتاء الشعبي.
ووصف الرئيس رجب طيب إردوغان بيكال بأنه مثل «الفيروس» الذي يحاول زرع بذور الفتنة، ويتسبب في المتاعب ولا يتوقف عن ممارسة الألاعيب. وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، أول من أمس الجمعة، إن أحزاب المعارضة أصبحت مقتنعة بفوز الأصوات المؤيدة للتعديلات الدستورية في الاستفتاء، على ما يبدو.
وبعد صمت طويل، خرج غل عقب صلاة الجمعة أمس للقاء الصحافيين قائلا إنه لم يأخذ التصريحات التي تناولته على محمل الجد. وأضاف: «في الأيام الماضية، ذكر أحد السياسيين (بيكال) اسمي ضمن حسابات حزبه السياسية الداخلية، في الواقع لم آخذ كلامه على محمل الجد. ولكن وللأسف بعض الأصدقاء (في العدالة والتنمية) أخذوا كلامه على محمل الجد». وذكر غُل أنه طوال مدة رئاسته للجمهورية على مدى سبع سنوات بقي محايدا، وعقب انتهاء هذه الفترة أعلن عدم الدخول إلى الحياة السياسية اليومية، وأنّه سيشارك تجربته التي حصّلها عندما يتطلب الأمر منه ذلك. وتابع غل: «عندما ننظر، نجد أن البلاد تعاني من (التحزبات). على تركيا أن تنظر إلى الأمام، هناك تطورات عالمية تؤثر على البلاد وعلى الوضع الاقتصادي، وعلى الجميع أن يعمل في سبيل حل هذه المشاكل. بهذا الشكل أردت التعبير عن آرائي، ولا أنظر إلى الأقاويل التي تهدف إلى إثارة المشاكل على محمل الجد». ولم يخل كلام غل من تلميحات إلى وجود تيارات متعارضة في الحزب الحاكم الذي كان أحد مؤسسيه، حيث اعترف مؤيدون لحزب العدالة والتنمية بأن الذين صوتوا في الاستفتاء ضد النظام الرئاسي وإردوغان في المدن الكبيرة (أنقرة، إسطنبول وإزمير) أوصلوا رسالة إلى الحزب، فيما يقول مؤيدو إردوغان إن هزيمته في هذه المدن ناجمة عن أخطاء تنظيمية وعناد ناخبي أحزاب المعارضة.
وأكدت مصادر في حزب العدالة والتنمية الحاكم لـ«الشرق الأوسط» حقيقة وجود بعض جوانب الضعف التنظيمي الذي أفقد الحزب أصوات المدن الكبرى، لافتين إلى أن هناك لجنة تشكلت بأمر من إردوغان تعمل حاليا على تقييم ما حدث. كما أوضحت المصادر نفسها أن الفترة القادمة بعد المؤتمر العام الاستثنائي للحزب، الذي سيعود فيه إردوغان لرئاسة الحزب، ستشهد تغييرات واسعة في كوادره القيادية وتشكيلاته في المحافظات.
من جانبه، لم يخف إردوغان أن هناك بعض قيادات ومؤسسي حزب العدالة والتنمية الذين خالفوا الطريق الذي يسير عليه الحزب، واختاروا أن يسيروا بمفردهم. لكنه لم يكشف عن أسماء معينة، ما اعتبره البعض تلميحا إلى القيادات التاريخية للحزب التي لها تأثير على كتل كبيرة داخل الحزب وعلى مؤيديه أيضا، مثل غل ونائب رئيس الحزب نائب رئيس الوزراء الأسبق بولنت أرينتش.
في السياق نفسه، قدمت الحكومة التركية مذكرة إلى البرلمان لرفع الحصانة عن 18 نائبا، بينهم كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري و6 آخرين من الحزب، إضافة إلى 10 من نواب حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، إلى جانب شعبان ديشلي نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي تورط شقيقه الضابط الكبير برئاسة الأركان التركية محمد ديشلي في محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في منتصف يوليو (تموز) الماضي.
وبموازاة رياح الانقسام التي هبت على حزب الشعب الجمهوري، والجدل المكتوم في أروقة العدالة والتنمية، بدأت تطفو انقسامات المعسكر القومي أيضا مع تحرك نائبة رئيس حزب الحركة القومية السابقة، ميرال أكشنار، التي تولت من قبل منصب وزير الداخلية حتى عام 1997 جولة على الأحزاب الأخرى، بعد أن أعلنت عن تأسيسها حزب جديد باسم «الحزب القومي» للتعريف بالحزب الذي قالت إنه سيضم أسماء من قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم تركوا الحزب، مثل نائب رئيس الحزب نائب رئيس الوزراء الأسبق عبد اللطيف شنر الذي كان انشق عن الحزب عام 2010 وأسس حزبا باسم «حزب تركيا».
انقسامات في صفوف الأحزاب التركية عقب الاستفتاء
شملت المعارضة والحركة القومية... وزجت بـ«غل» في المعارك السياسية
انقسامات في صفوف الأحزاب التركية عقب الاستفتاء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة