بلدة قرقوش العراقية تبدأ مرحلة العودة والإعمار

سيدة عراقية أمام منزلها في قرقوش (أ.ف.ب)
سيدة عراقية أمام منزلها في قرقوش (أ.ف.ب)
TT

بلدة قرقوش العراقية تبدأ مرحلة العودة والإعمار

سيدة عراقية أمام منزلها في قرقوش (أ.ف.ب)
سيدة عراقية أمام منزلها في قرقوش (أ.ف.ب)

لا تزال بلدة قرقوش المسيحية في شمال العراق، على الرغم من طرد القوات العراقية تنظيم داعش منها منذ ستة أشهر، فارغة من سكانها الـ50 ألفاً الذين هجروها في صيف عام 2014 بعد استيلاء «داعش» عليها في هجوم ساحق على الموصل، ثاني كبرى مدن العراق.
ولكن هذا الأسبوع عادت الحياة لتنبض في شوارع قرقوش، التي يطلق عليها العرب اسم الحمدانية، ويسميها أهاليها باسمها التاريخي السرياني «بغديدا» أي «بيت الله»، بعد أن باشرت الكنيسة في مطلع الأسبوع خطة لإعادة الإعمار سيبدأ تطبيقها عملياً، مطلع الأسبوع المقبل.
وأشارت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أنه لدى عودة أي أسرة إلى البلدة، التي نُهبت ودمرت وأحرقت، تباشر بتنظيف منزلها المنهوب في عملية لا بد أن تنطلق من خلال جمع كل ما تبقى في المنزل من أثاث مُخَرّب وملابس وستائر ووضعه أمام المنزل تمهيداً لحرقه، لأن البلدية غير قادرة على جمع هذه النفايات والتخلص منها بطرق أفضل.
والحال تبدو ذاتها في بلدة كرمليس الصغيرة المجاورة لقرقوش، التي كان يقطنها نحو خمسة آلاف عراقي - مسيحي نهبت منازلهم ومتاجرهم بالكامل وأحرق القسم الأكبر منها، وبدأوا فعلياً بالعودة.
ويقول رئيس «الهيئة العليا للإعمار» في قرقوش الأب جورج جحولا إن «الهيئة التي شُكّلت بتكليف من رئيس أساقفة الموصل وكركوك وكردستان للسريان الكاثوليك المطران يوحنا بطرس موشي تحاول تسريع العودة، لأنه حتى الآن عادت 17 أسرة فقط إلى قرقوش، والقسم الأكبر من الأهالي مستعدون للعودة في الأسابيع المقبلة». ويوضح أن «قسماً من أهالي قرقوش غادر إلى الخارج، لكن أكثر من نصف الأهالي ما زالوا في العراق وقد قمنا باستبيان أظهر أن 68 في المائة منهم يريدون العودة بينما البقية مترددون». ويضيف: «العودة تتوقف على سرعة إنجاز أعمال البنية التحتية وتوفير الأمان».
وعن خطة إعادة الإعمار يقول جحولا إنه «أمام عدم تحرك أجهزة الدولة لمساعدة الأهالي في إعادة بناء منازلهم وجدت الكنيسة نفسها مجبرة على أداء هذه المهمة، واستطاعت بتمويل من منظمات مسيحية أجنبية وضع خطة لإعادة الإعمار سيبدأ تنفيذها الأسبوع المقبل».
ويقول المهندس صباح زكريا (60 عاما): «لقد استعنا بخرائط جوية من (غوغل)، وقسمنا البلدة إلى عشر مناطق ثم قمنا بجولات ميدانية لتوثيق حجم الخسائر في كل وحدة سكنية، ثم وزعنا هذه الوحدات على ثلاثة أقسام: الوحدات المهدمة كلياً، والمهدمة جزئياً أو المحروقة والوحدات المتضررة». ويتابع: «تبين لنا أن العدد الأكبر من الوحدات السكنية في قرقوش يندرج في القسم الثالث الذي يتميز بقلة كلفة إعادة الإعمار (ثلاثة آلاف دولار بالمعدل) وسرعة الإنجاز (نحو أسبوعين)، وبالتالي فقد قررنا البدء بإعادة إعمار هذه الوحدات».
ويوضح زكريا أن «التمويل حالياً محدود، لذلك وضعنا قائمة بأهالي هذه المساكن الراغبين بالعودة، وسنبدأ الأسبوع المقبل توزيع المال عليهم كي يبدأوا تحت إشراف مهندسين من الهيئة على أن يكون كل من يشارك في عملية إعادة الإعمار من سكان قرقوش من عمال ومقاولين ومزودي مواد».
يقول إبراهيم توما (46 عاما) الذي أحرق منزله بالكامل، ولكنه عاد مع زوجته ليقطن منزل قريب له هاجر إلى أستراليا، أنه اختار العودة، لأنه لم يعد يقوى على دفع الإيجار في عينكاوا، المدينة المسيحية المجاورة لأربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق. أما أخوه نوري الذي ما زالت أسرته في عينكاوا فيقول: «أنتظر انتهاء العام الدراسي كي أعود وأولادي إلى بغديدا، فهذه أرضنا ولن نتركها. نظفت البيت وأصلحته على نفقتي بكلفة 15 ورقة (1500 دولار)، من دون الأثاث طبعاً».
ولكن الأكثر تأثراً وتأثيراً هي نجمة بطرس العائدة مع ابنتها ماري إلى منزلهما المتواضع الذي نجا من الحرق خلافاً لمنزل مجاور فخم نهب وأحرق عن بكرة أبيه. وتقول العجوز التي تقوس ظهرها بينما تنظف أريكة متهالكة في باحة منزلها: «لماذا عدت؟ إلى أين أذهب؟ هنا عشت كل حياتي. 87 عاماً قضيتها هنا». وتضيف: «أنا وابنتي نعيش وحدنا، لقد عدنا لأننا لم نعد قادرتين على دفع الإيجار. لا أحد يساعدنا».



«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
TT

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بغية إجبارهم على دفع الأموال لتمويل احتفالات الجماعة بما تسميه «جمعة رجب».

وتزعم الجماعة الحوثية أن دخول اليمنيين في الإسلام يصادف أول جمعة من شهر رجب الهجري، ويستغلون المناسبة لربطها بضرورة الولاء لزعيمهم عبد الملك الحوثي تحت ادعاء أن نسبه يمتد إلى علي بن أبي طالب الذي أدخل اليمنيين في الإسلام قبل أكثر من 14 قرناً هجرياً. وفق زعمهم.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مشرفين حوثيين برفقة عربات ومسلحين يتبعون عدة مكاتب تنفيذية تابعة للجماعة، نفذوا حملات واسعة ضد متاجر ومؤسسات تجارية في عدة مديريات في المدينة، وأجبروا ملاكها على دفع جبايات، بينما أغلقوا عدداً من المتاجر التي رفض ملاكها التبرع.

وأكدت المصادر أن الانقلابيين شرعوا في توسيع أنشطتهم الاستهدافية في تحصيل الإتاوات أكثر مما كان عليه قبل أشهر ماضية، حيث لم تستثنِ الجماعة حتى صغار التجار والباعة المتجولين والسكان الأشد فقراً.

الانقلابيون سيطروا بالقوة على مبنى الغرفة التجارية في صنعاء (إعلام محلي)

وفي ظل تجاهل الجماعة المستمر لفقر السكان في مناطق سيطرتها، أقرت ما تسمى اللجنة العليا للاحتفالات والمناسبات في اجتماع لها بصنعاء، إطلاق برنامج الفعاليات المصاحب لما يُسمى ذكرى «جمعة رجب»، بالتوازي مع بدء شنّ حملات جباية على التجار والسكان الذين يعانون من ظروف معيشية حرجة.

وهاجم بعض السكان في صنعاء كبار قادة الجماعة لجهة انشغالهم بابتكار مزيد من الفعاليات ذات المنحى الطائفي وتخصيص ميزانية ضخمة لأعمال الدعاية والإعلان، ومكافآت ونفقات لإقامة الندوات وتحركات مشرفيها أثناء حشد الجماهير إليها.

وكانت تقارير محلية اتهمت في وقت سابق قيادات حوثية بارزة في الجماعة يتصدرهم حمود عباد وخالد المداني بجباية مليارات الريالات اليمنية من موارد المؤسسات الحكومية الخاضعة لسلطات الجماعة في صنعاء، لافتة إلى أن معظم المبالغ لم يتم توريدها إلى حسابات بنكية.

تعميم صوري

في حين زعمت وسائل إعلام حوثية أن تعميماً أصدره القيادي في الجماعة حمود عباد المعين أميناً للعاصمة المختطفة، يقضي بمنع إغلاق أي محل أو منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ ما سماها «الإجراءات القانونية»، نفى تجار وأصحاب مؤسسات تجارية بصنعاء توقّف عناصر الجماعة عن مداهمة متاجرهم وإغلاقها بعد رفضهم دفع جبايات.

تجمع للمارة في صنعاء أثناء محاولة اعتقال مالك أحد المطاعم (الشرق الأوسط)

وفي مسعى لتلميع صورتها عقب حملات التعسف كانت الجماعة أصدرت تعميماً يُلزِم قادتها في عموم المديريات والمكاتب التنفيذية في صنعاء بعدم إغلاق أي منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ «الإجراءات اللازمة».

وحض التعميم الانقلابي كل الجهات على «عمل برامج شهرية» لتنفيذ حملات نزول ميداني لاستهداف المتاجر، مرة واحدة كل شهر عوضاً عن تنفيذ حملات نزول يومية أو أسبوعية.

واعترفت الجماعة الحوثية بوجود شكاوى لتجار وملاك منشآت تجارية من قيام مكاتب تنفيذية في صنعاء بتحصيل مبالغ مالية غير قانونية منهم بالقوة، وبإغلاق مصادر عيشهم دون أي مسوغ قانوني.

توسيع الاستهداف

اشتكى تُجار في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من تصاعد كبير في حملات الاستهداف وفرض الإتاوات ضدهم عقب صدور تلك التعليمات التي يصفونها بـ«غير الإلزامية».

ويتهم عدد من التجار القياديَين حمود عباد وخالد المداني، والأخير هو مشرف الجماعة على المدينة، بتكثيف الأنشطة القمعية بحقهم وصغار الباعة وإرغامهم في كل حملة استهداف على دفع جبايات مالية مقابل السماح لهم بمزاولة أنشطتهم التجارية.

الحوثيون يستهدفون المتاجر والشركات لإجبارها على دفع الأموال (إعلام حوثي)

ويتحدث (أحمد.و)، مالك محل تجاري بصنعاء، عن استهداف متجره بسوق شعبي في حي السنينة بمديرية معين بصنعاء من قِبَل حملة حوثية فرضت عليه دفع مبلغ مالي بالقوة بحجة تمويل مناسبة «جمعة رجب».

وذكر أن عناصر الجماعة توعدته بالإغلاق والاعتقال في حال عدم تفاعله مع مطالبها غير القانونية.

وتحدث أحمد لـ«الشرق الأوسط»، عن إغلاق عدد من المتاجر في الحي الذي يعمل فيه من قِبَل مسلحي الجماعة الذين قال إنهم اعتقلوا بعض ملاك المحلات قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أن رضخوا لدفع الجبايات.