«العدالة والتنمية» المغربي يخسر مقعداً في الانتخابات الجزئية

النتيجة اعتبرت مؤشراً على تراجع الحزب بعد إعفاء ابن كيران

«العدالة والتنمية» المغربي يخسر مقعداً في الانتخابات الجزئية
TT

«العدالة والتنمية» المغربي يخسر مقعداً في الانتخابات الجزئية

«العدالة والتنمية» المغربي يخسر مقعداً في الانتخابات الجزئية

خسر حزب العدالة والتنمية المغربي متصدر الانتخابات التشريعية، التي جرت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقعداً برلمانياً بدائرة الجديدة جنوب الدار البيضاء في الانتخابات الجزئية التي أعلن عن نتائجها أمس.
وكان الحزب قد حصل على 24 ألف صوت في هذه الدائرة خلال استحقاقات أكتوبر. وفاز مرشح حزب الاتحاد الدستوري، بعدما كان المجلس الدستوري قد ألغى مقعداً برلمانياً للنائب رضوان مهذب المنتمي لهذا الحزب لعدم أهليته للترشح للانتخابات، قبل أن تتم إعادة الاقتراع ويسترجع الحزب مقعده باسم مرشح آخر هو عبد الحق مهذب، الذي حصل على 27 ألف صوت، مقابل نحو 7 آلاف صوت فقط لمرشح حزب العدالة والتنمية عبد المجيد بوشبكة.
واعتبرت خسارة «العدالة والتنمية» لهذا المقعد في الانتخابات الجزئية مؤشراً على بداية تراجع الحزب، وفقدانه ثقة الناخبين منذ إعفاء أمينه العام عبد الإله ابن كيران من منصب رئيس الحكومة، وتعيين سعد الدين العثماني خلفاً له، الأمر الذي أحدث درجة كبيرة داخل الحزب ما زالت تداعياتها مستمرة إلى اليوم.
وبينما كان الحزب يعتبر استعادته لمقاعده في الانتخابات الجزئية السابقة إبان ترؤس ابن كيران الحكومة دليلاً على استمرار شعبيته، قال عبد الحق العربي، المدير العام لحزب العدالة والتنمية، أمس، إن «عدم فوز الحزب في الانتخابات الجزئية بدائرة الجديدة لا يعني بالمطلق تراجع حزب العدالة والتنمية»، موضحاً أن الانتخابات الجزئية لها «حكم خاص»، وفي دائرة الجديدة أكثر خصوصية، «لأن بقية الأحزاب لم تترشح، وبالتالي وقع تنافس ثنائي».
وذكر العربي في تصريح للموقع الرسمي للحزب أن نسبة المشاركة في الانتخابات الجزئية تكون ضعيفة عادة، مشيراً إلى أن سبب عدم فوز «العدالة والتنمية» بهذه الانتخابات يعود إلى عاملين اثنين، أولهما عزوف الناخبين الكبير عنها، «حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة 20 في المائة، وهي أقل من هذا الرقم بكثير في المناطق الحضرية». أما العامل الثاني فيتمثل، حسب رأيه، في تدخل أعوان السلطة في العملية الانتخابية لصالح المرشح المنافس، إذ إنه في ظل العزوف المذكور حصل المرشح المنافس على عدد مهم من الأصوات، وتفسير ذلك يعود إلى أن الذين صوتوا عليه قاموا بذلك بـ«إيعاز من السلطات».
وأوضح العربي أن هذه الانتخابات عرفت تجاوزات كثيرة جداً، منها محاصرة مراقبي الحزب في مكاتب التصويت، واقتحام هذه المكاتب من طرف أشخاص لا علاقة لهم بها. وتأتي خسارة حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات الجزئية في ظل استمرار حالة الاحتقان داخل الحزب، منذ تشكيل الحكومة التي يرأسها العثماني، حيث اتخذ عدد من القياديين موقفاً مناهضاً للعثماني بسبب «التنازلات» التي قدمها، وأبرزها قبول حزب الاتحاد الاشتراكي في حكومته، الذي كان ابن كيران يرفض التحاقه بحكومته ودفع ثمن رفضه بأن أعفي من منصبه من قبل الملك. وكان العثماني قد قال في أول حوار مع قناة تلفزيونية مغربية منذ تعيينه رئيساً للحكومة إن قبول انضمام الاتحاد الاشتراكي للحكومة تم بموافقة الأمانة العامة للحزب، وذلك رداً على مواقف عدد من القياديين التي لم تتوقف عن انتقاده عبر تدوينات قاسية، ومن ضمنهم عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة للحزب الذي اتهم العثماني بالتضليل والتدليس. وكتب رداً على ما قاله العثماني في حواره التلفزيوني بشأن مفاوضات تشكيل الحكومة، وخسارة الحزب الوزارات المهمة، إن «اجتزاء الوقائع عن سياقاتها، واستحضار معطيات وإخفاء أخرى هي محاولة مكشوفة لتحويل التنازلات إلى انتصارات»، ووصف حديث العثماني عن موافقة الأمانة للحزب على مشاركة الاتحاد الاشتراكي في حكومته، بأنه «نوع من التدليس الذي يؤدي إلى التضليل».
وأمام استمرار عدد من أعضاء الحزب وقيادييه في توجيه الانتقادات إلى العثماني، عبر التدوينات، وجه سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، نداءً إلى أعضاء الحزب طالبهم فيه بعدم «الخوض في تداعيات تشكيل الحكومة وأغلبيتها، وانتظار انعقاد هيئات الحزب المعنية لإنجاز التقييم المؤسساتي الذي لن يضير الحزب أن يرتب عليه ما قد يتطلبه من ترصيد للمكاسب، أو تصحيح للاختلالات».
ونبه العمراني إلى أن «بعض التدوينات وبعض التصريحات الإعلامية لبعض أعضاء الحزب قد تتجاوز حدود الرأي الحر والنقد البناء»، وطالبهم بالتقيد بالضوابط والقواعد الأخلاقية والسياسية المتعارف عليها داخل الحزب، وهو ما التزم به كثيرون.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.