«خطة السلام» الروسية لسوريا ولدت ميتة

قراءة لما حصل في آستانة

«خطة السلام» الروسية لسوريا ولدت ميتة
TT

«خطة السلام» الروسية لسوريا ولدت ميتة

«خطة السلام» الروسية لسوريا ولدت ميتة

عبر الأيام القليلة الماضية، أشادت وسائل الإعلام الرسمية في موسكو وطهران بالخطة التي كُشف عنها في العاصمة الكازاخية الآستانة، والمعروفة إعلاميا بـ«خطة السلام السورية».
بالنسبة لوسائل الإعلام الروسية فإن هذه الخطة تقتصر حصرا فقط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي صار يوصف الآن باسم «صانع السلام». أما وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية، فلا تأتي على ذكر بوتين إلا كـ«لاعب ثان» بعد الرئيس حسن روحاني، الذي يواجه جولة عسيرة من إعادة الانتخاب في هذه الأيام، والتي تضعه وسائل الإعلام على رأس تلك الخطة المقترحة.
وفي تقرير نشرته وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا» أفاد بأن «التقدم المبهر» في مباحثات السلام في آستانة جاء نتيجة انعقاد تسعة قمم بين الرئيسين روحاني وبوتين. كما زعمت الوكالة أيضا أن «المبادرة الإيرانية» أجبرت تركيا - الموصوفة بأنها إحدى الدول المعارضة لسوريا - «على الاتساق مع المسار الجاري وقبول خطة آستانة المقترحة».
المثير للاهتمام هنا، أن وسائل الإعلام الحكومة الروسية والإيرانية لم تعطف على ذكر حكومة الرئيس بشار الأسد، وهي الإشارة التي تفيد بأن طهران وموسكو أكثر اهتماما بمعالجة مشاكلهما المشتركة في سوريا بدلا من مساعدة حليفهما في دمشق.
أما خطة السلام المزعومة فتقوم على أساس غامض لوقف إطلاق النار، يعقبه إنشاء أربع مناطق آمنة في محافظة إدلب، والغوطة بمحافظة ريف، ومحافظة حمص، وفي مكان آخر في جنوب البلاد لم يتحدد حتى الآن.
خطة آستانة الجديدة، في الحقيقة، تعد مجرد إعادة لصياغة مخطط استعماري قديم معروف باسم «سوريا المفيدة» حاول المستعمر الفرنسي تطبيقه في عشرينات القرن الماضي أثناء الانتفاضة الشهيرة آنذاك التي نظمها العرب والأكراد والترك. وكان الهدف من هذا المخطط ترسيخ السيطرة على الساحل السوري، وهو الشريط الرابط بين الجبال إلى الغرب من دمشق والبحر الأبيض المتوسط، إلى جانب الطريق الرئيسي الموصل إلى لبنان. وكان من شأن التنفيذ الكامل لهذا المخطط أن يعني التخلي عن 80 في المائة من الأراضي السورية للثوار، على الرغم من أن جزءا كبيرا منها عبارة عن صحارى ذات كثافة سكانية منخفضة.
واقع الأمر، أنه في الماضي كما في الوقت الراهن، كانت القوى الاستعمارية الموجودة في دمشق تفتقر إلى القوة البشرية اللازمة لفرض السيطرة الفعالة على سوريا بأسرها. وكان تقدير وزارة الدفاع الفرنسية آنذاك يقول بأن ثمة حاجة ماسة إلى ما لا يقل عن 25 ألف جندي إضافي من أجل بسط السيطرة الفعلية على جميع أنحاء الأراضي السورية. ولم تكن فرنسا في حينه قد استردت ما تكبدته من خسائر بشرية في الحرب العالمية الأولى قبل أكثر من عقد من الزمان، ولم تكن فرنسا بكل بساطة قادرة على توفير هذا العدد الكبير من القوات بعيدا عن الجبهة الأوروبية. ومن ثم، مارست فرنسا «الانتداب» بفضل ما يقرب من 20 ألف رجل من الميليشيات الذين جاءوا من الأقليات الدينية المتناثرة هنا وهناك في الواقع السوري، ولا سيما من أبناء الطائفة العلوية.
اليوم، فإن بسط السيطرة الفعلية على الأراضي السورية يستلزم توفير عشرة أضعاف الرقم المذكور من القوات، الأمر الذي ليس بإمكان روسيا ولا إيران تأمينه أو تقديمه. وفي الوقت نفسه، فإن قاعدة الدعم السكاني للرئيس بشار الأسد بلغت أقصاها، حتى مع إضافة مقاتلي تنظيم حزب الله اللبناني والمرتزقة المجندين من أفغانستان وباكستان إليها.
موسكو وطهران تأملان في هذه الساعات في أن تزرع «خطة آستانة» الارتباك لدى واشنطن التي دعا الرئيس دونالد ترمب منها إلى إنشاء «المناطق الآمنة» في سوريا. وللعلم، من المتوقع أن يجتمع الرئيسان بوتين وترمب خلال قمة «مجموعة العشرين» المرتقبة في شهر يوليو (تموز) المقبل. ووفقا لبعض المصادر الروسية والإيرانية فإن الفكرة تدور حول محاولة الرئيس الروسي تسويق «خطة آستانة» للسلام من واقع أنها تلبية لرغبات الرئيس ترمب لإنشاء «المناطق الآمنة» داخل سوريا.
لكن، من غير المرجح خداع واشنطن بهذه السهولة. فبموجب «خطة آستانة» ستتولى القوات الروسية والإيرانية إلى جانب الميليشيات والمرتزقة الموالية لهما السيطرة على ثلاث من «المناطق الآمنة» المذكورة مع وجد عسكري تركي رمزي في محافظة إدلب. ومع نزع أسلحة قوات المعارضة أو إبعادها تماماً، فإن بقايا قوات بشار الأسد ستتولى السيطرة على المناطق الداخلية التي سيمكنها انطلاقاً منها تنفيذ الطلعات الجوية ضد قوات المعارضة.
وبالنسبة لوقف إطلاق النار المتضمن في الخطة، فإنه لم يأت على ذكر القوة النيرانية الكبيرة في المأساة السورية الحالية، والقصف العشوائي المناطق المدنيين بواسطة القوات الجوية الروسية والسورية. في حين من شأن القصف البري أن يتوقف في «المناطق الآمنة» وما حولها، مما يحرم قوات المعارضة من إحدى الوسائل الرئيسية لممارسة الضغوط على نظام الرئيس السوري غير المرغوب في بقائه.
وبالتالي، من شأن «خطة آستانة» أن تُخرج موسكو وطهران من الورطة السورية تماما، وليس تمهيد الطريق نحو السلام النهائي في سوريا. وهذا هو السبب الحقيقي في رفض المعارضة السورية قبول هذه الخطة في شكلها الحالي لمعرفتهم بما ينضوي عليه الأمر بالنسبة لهم.
لقد استلهمت «خطة آستانة» من أمثلة أخرى للمحاولات الاستعمارية القديمة التعامل مع الحالات الميؤوس منها عسكرياً. فخلال التمرد الماليزي، وضع المحتل البريطاني خطة مماثلة لمدة عشر سنوات تقريبا لكنه فشل في تحقيق النصر إلى أن تمكن من توفير عدد كبير من القوات المدعومين من الميليشيات والمرتزقة الذين تم تجنيدهم محليا.
وأقام الجيش الأميركي، على الرغم من وجود ما يقرب من نصف مليون جندي في الميدان «الجيوب الآمنة» في فيتنام. لكن الأميركيين فشلوا أيضا في تحقيق أي مكاسب من هذه «الجيوب» بسبب الحسابات الديموغرافية ما كانت لصالح حلفائهم في سايغون. وأثناء الحرب الأفغانية، حاول الاتحاد السوفياتي وضع خطة مماثلة بسبب عجزه عن توفير أكثر من ربع مليون جندي فقط بالإضافة إلى الجيش المحلي الخاضع لسيطرة الشيوعيين والمرتزقة والميليشيات الأوزبكية. وكما هو الحال في سوريا اليوم، كان الواقع الديموغرافي في غير مصلحة السوفيات بسبب، صواباً كان أو خطأ، أن أغلبية الشعب الأفغاني رفضوا وجود نظام الحكم الشيوعي هناك.
إن المحللين المطلعين على الواقع السوري اليوم يعلمون أن «خطة آستانة» ولدت ميتة... وليست إلا محاولة للتحايل على العلاقات العامة الدولية.
إن جوهر القضية السورية بسيط للغاية: تحاول كل من روسيا وإيران فرض النظام الذي عزم السواد الأعظم من الشعب السوري على الإطاحة به.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».