إيران تبحث عن سياسة جديدة في سوريا

ما اعتمدته خلال السنوات الست الماضية بلغ ذروته

سكان من مدينة الباب يجتازون سيارة دمرتها المعارك السابقة التي طرد فيها {درع الفرات} تنظيم {داعش} (أ.ف.ب)
سكان من مدينة الباب يجتازون سيارة دمرتها المعارك السابقة التي طرد فيها {درع الفرات} تنظيم {داعش} (أ.ف.ب)
TT

إيران تبحث عن سياسة جديدة في سوريا

سكان من مدينة الباب يجتازون سيارة دمرتها المعارك السابقة التي طرد فيها {درع الفرات} تنظيم {داعش} (أ.ف.ب)
سكان من مدينة الباب يجتازون سيارة دمرتها المعارك السابقة التي طرد فيها {درع الفرات} تنظيم {داعش} (أ.ف.ب)

«هل نحن في حاجة إلى سياسة جديدة بشأن سوريا؟»، كان هذا هو السؤال الاستفزازي الذي طرحته الدبلوماسية الإيرانية عبر منتدى الدبلوماسيين الإيرانيين المتقاعدين، في إصداره الأخير لشهر أبريل (نيسان) الماضي. وقال الكاتب، موسوي كاهلاخالي، زاعماً أن روسيا والولايات المتحدة تقتربان من اتفاق ضمني بشأن تقسيم الكعكة السورية بينهم، مما يترك الجمهورية الإسلامية في إيران تبحث عن الفتات.
ويقول الكاتب كذلك: «ربما نجد أنفسنا في وقت قريب مهمشين تماماً من قبل القوى العالمية العظمى في الداخل السوري».
ويتذكر الكاتب الإيراني قرار الحكومة السورية استبدال اللغة الروسية محل اللغة الإنجليزية، واعتمادها لغة دبلوماسية رسمية للبلاد، دليلاً على تزايد النفوذ الروسي في الدولة التي مزقتها الحرب الأهلية. ونُقل عن سفير سوريا إلى الاتحاد الروسي، رياض حداد، قوله إن ذلك القرار يشير إلى أن روسيا هي القوة الرئيسية التي تعمل على صياغة المستقبل السوري.
وتزعم الدبلوماسية الإيرانية كذلك أن أبناء بشار الأسد يتعلمون اللغة الروسية في الوقت الراهن، مع تطلعهم لاستكمال التعليم العالي في جامعات موسكو. ومن المزمع اعتبار هذه الخطوة من قبيل الازدراء الضمني إزاء إيران التي عرضت من قبل على أبناء كبار المسؤولين السوريين أماكن للدراسة في عدد من مؤسسات التعليم العالي الإيرانية، من دون أن ينجح هذا العرض في اجتذاب أي شخصية تُذكر.
وتخشى طهران من أن ينتهي الأمر بروسيا بخطة لتقسيم سوريا، تحتل فيها مناطق النفوذ الخاصة بها، إلى جانب مناطق النفوذ الأخرى الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، ومن بينهم تركيا.
وقد يلقى مثل هذا التحليل زخماً عند أنصار نظريات المؤامرة، الذين يعتقدون في إبرام الصفقات السياسية المشبوهة من وراء الكواليس. ورغم ذلك، فإن هذا التحليل يعكس أيضاً اللهجة المتخوفة لدى طهران، التي لا تقل أهمية عن الأحداث المتغيرة الحالية في سوريا. وهذه اللهجة المتغيرة تبدو واضحة من طرق مختلفة.
بادئ ذي بدء، كما لو كان سحراً، لم تعد سوريا تتصدر عناوين الأخبار الرئيسية في وسائل الإعلام الإيرانية الخاضعة لسيطرة الحكومة. أيضاً عند العطف على ذكر سوريا في الصفحات الداخلية من مختلف المطبوعات، يتم تصويرها على أنها «قضية من القضايا الدولية» التي تلعب فيها روسيا، وليست الجمهورية الإسلامية في إيران، الدور الرئيسي بالنيابة عن جبهة المقاومة، التي كان من المفترض أن تتزعمها إيران نفسها.
وتعكس التغطيات الإخبارية حول سوريا في مختلف وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية، أن الأفراد العسكريين الإيرانيين، الذين تحملوا الخسائر الفادحة خلال الـ18 شهراً الماضية، تلقوا الأوامر بالابتعاد عن وسائل الإعلام، والبقاء بعيداً أيضاً عن المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية داخل سوريا. كما تم إغلاق مركزي تسجيل «المتطوعين للاستشهاد» دفاعاً عن «الأضرحة المقدسة» داخل سوريا، وكان مقرهما في طهران ومشهد، وذلك لأغراض إعادة التنظيم كما قيل.
ومنذ شهور، ظلت مشاعر التعاسة، وربما السخط، تتصاعد وباطراد في الداخل الإيراني جراء المشاركة الرسمية في المستنقع السوري. وخلال الأسبوع الماضي، تعرض أحد كبار المخططين الاستراتيجيين في الحرس الثوري الإيراني، الملقب إعلامياً باسم «كيسنجر الإسلامي»، وهو الدكتور حسن عباسي، إلى هجوم شديد من جانب الطلاب في تبريز، حيث كان يقود حملة بالنيابة عن مرشح الانتخابات الرئاسية الإيرانية آية الله إبراهيم رئيسي، وهو أحد المرشحين الستة المعتمدين في سباق الانتخابات الرئاسية الحالي. وكان موضوع الانتقادات اللاذعة من جانب الطلاب يدور حول التضحيات الكبيرة للغاية التي قدمتها إيران في الحرب السورية لهدف وحيد، ألا وهو منح روسيا «ورقة إضافية» تستخدمها في لعبة القوة والنفوذ ضد الولايات المتحدة الأميركية.
وفي يوم الثلاثاء الماضي، رفعت المحكمة الثورية الإسلامية دعوى ضد عمدة طهران الأسبق، غلام حسن كرباشي، بشأن استجوابه حول مشاركة إيران في المأساة السورية. وقد أوليت عناية خاصة ببقاء سوريا خارج الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية في إيران. وتزعم بعض المصادر من داخل وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة الحكومة أنهم تلقوا «تعليمات» بعدم طرح أسئلة على المرشحين الرئاسيين، أو من يمثلونهم، تتعلق بالأوضاع في سوريا. والأهم من ذلك، تلقى المرشحون الرئاسيون أنفسهم تعليمات كتابية في السياق نفسه. إذ قال الجنرال مسعود جزائري، المتحدث الرسمي الرئيسي باسم القوات المسلحة الإسلامية: «لقد طلبنا - كتابياً - من المرشحين الرئاسيين وموظفي حملاتهم الانتخابية عدم التعرض للقضايا المتعلقة بالشؤون العسكرية والدفاعية والمنطقة».
ويبدو من التقارير التي تشير إلى رغبة إيران في بقائها بعيداً عن الأنظار، أنها أثارت قدراً من القلق لدى حاشية بشار الأسد في دمشق. وعلى الرغم من تفضيل الأسد بقاء روسيا في صدارة الأحداث، فإنه يدرك أن الجانب الروسي من غير المرجح أن يلبي حاجته الأكثر إلحاحاً: الجنود المقاتلين على الأرض. ولكن بمساعدة من القوة العسكرية الروسية، قد يكون بشار الأسد قادراً على التمسك بالشرائح المتبقية من الأراضي السورية التي لا تزال تحت سيطرته. ولكنه، وبكل بساطة، لا يملك القاعدة السكانية الكبيرة والكافية لبسط سيطرته الفعالة، ناهيك بتوسيع نطاق تلك السيطرة من خلال التحركات العسكرية الجديدة. ولقد تم تعليق تنفيذ خطة الحملة التي طال انتظارها بخصوص محافظة إدلب لهذا السبب بالتحديد.
يحتاج بشار الأسد إلى المزيد من الرجال لاستكمال الحرب، وهو يعلم تماماً أن حلفاءه في تنظيم «حزب الله» اللبناني قد بلغوا أقصى حدود قدراتهم الديموغرافية، ولم يبق إلا إيران وحدها القادرة على إرسال أعداد كبيرة من المقاتلين، بما في ذلك المرتزقة من أفغانستان، وباكستان، والعراق.
يقول صادق ترابي، الباحث السياسي من طهران: «ولكن لماذا تلتزم إيران بإرسال الجنود والمقاتلين، إن كانت ثمار الانتصار لن تجنيها إلا روسيا؟ وليس من المؤكد كذلك أن القيادة الإيرانية يمكنها تأمين الأعداد الكبيرة من الجنود الإيرانيين لصالح سوريا من دون أن تصطدم بردود فعل عنيفة في الداخل».
وبالأمس، أرسل بشار الأسد وزير دفاعه، الفريق علي عبد الله أيوب، إلى طهران لممارسة الضغوط لأجل إرسال المزيد من الجنود من قبل إيران إلى سوريا. ولقد التقى الوزير السوري مع نظيره الإيراني، العميد حسين دهقان.
جدير بالذكر أن العميد حسين دهقان، الذي كان يؤكد على عزم إيران المساعدة في الدفاع عن سوريا ضد أعدائها ومحاربة الإرهاب، أحجم عن الوعد بإرسال المزيد من المقاتلين الإيرانيين إلى سوريا. وتعتزم إيران أن يقتصر دورها في سوريا على المشورة والإسناد التقني فحسب.
ولقد تأكدت تلك الرسالة من خلال تصريحات الجنرال محمد باكبور، قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني، الذي قال: «ليست هناك حاجة إلى إرسال الوحدات العسكرية من إيران». بدلاً من ذلك، سوف تركز إيران على إرسال «المستشارين والفنيين». ولكن حتى ذلك الحين، فإن الأفراد المكلفين بهذه المهام سوف يأتون من وحدة في الحرس الثوري الإيراني، تُعرف باسم «الصابرين»، وهي المتخصصة في تجنيد، وتدريب، وقيادة وحدات القوات الخاصة في الحروب غير المتناظرة. وأضاف الجنرال باكبور يقول: «تملك عناصر وحدات الصابرين خبرات واسعة في المجالات الفنية والتكتيكية. ونحن على استعداد لإرسال ما يلزم من هذه الوحدات».
غير أن بشار الأسد، على الرغم من ذلك، يريد المقاتلين، وليس المستشارين. وأشار الجنرال باكبور أيضاً إلى أن هناك عدداً غير معروف من المستشارين الإيرانيين قد عادوا بالفعل إلى الوطن. وأردف الجنرال الإيراني يقول: «كان المستشارون الإيرانيون في سوريا مثل الإخوة للضباط السوريين. وذلك هو السبب وراء تعطش السوريين لعودتهم».
وقد يكون من السابق لأوانه الإعلان عن أية تغيرات جذرية في التحليلات الإيرانية للأوضاع السورية. ولكن هناك شيء واحد مؤكد: إن السياسة التي اعتمدتها إيران خلال السنوات الست الماضية قد بلغت ذروتها، ويجري حالياً البحث عن سياسة جديدة.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.