لبنان: مساع لاستيعاب التوتر بين «حزب الله» والتيار الوطني الحر

الحزب يأخذ على العونيين تبنيهم «الخطاب القواتي الطائفي»

لبنان: مساع لاستيعاب التوتر بين «حزب الله» والتيار الوطني الحر
TT

لبنان: مساع لاستيعاب التوتر بين «حزب الله» والتيار الوطني الحر

لبنان: مساع لاستيعاب التوتر بين «حزب الله» والتيار الوطني الحر

تعوّل القوى السياسية اللبنانية على تطورات تعيد تحريك ملف قانون الانتخاب الذي يشهد ركودا غير مسبوق، قبل يومين من جلسة مجلس الوزراء التي تنعقد الخميس، ومع اقتراب البلاد من الدخول في «المهل القاتلة» إن كان مهلة 15 مايو (أيار)، موعد الجلسة النيابية التي يسعى البعض لأن تُقر تمديدا ثالثا للبرلمان، أو مهلة 20 يونيو (حزيران) تاريخ انتهاء ولاية المجلس الحالي.
وترجح مصادر في قوى 8 آذار أن يجدد أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله في إطلالة إعلامية مرتقبة اليوم تمسكه بموقف الحزب الداعي لاعتماد النسبية الكاملة وترك النقاش مفتوحا على عدد الدوائر، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه سيحاول أيضا التخفيف من حدة التوتر بين حزبه و«التيار الوطني الحر» من خلال التأكيد على متانة التحالف بين الطرفين رغم الاختلافات التي قد تبدو كبيرة في وجهات النظر حول قانون الانتخاب، وهو ما كان قد سبقه إليه وزير الخارجية جبران باسيل بالتأكيد على أن التفاهم مع حزب الله «قاعدة ثابتة لا يغير فيها لا عنوان جريدة ولا أي أمر آخر، وهو لنحمي فيه لبنان وكل اللبنانيين».
واتخذت السجالات بخصوص الصيغة الانتخابية المثلى، في الآونة الأخيرة منحى طائفيا، من خلال سعي كل طرف لتحصيل مكاسب طائفته. ففيما يعتبر الثنائي المسيحي المتمثل بـ«التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» أنّه قادر ومن خلال تمتين تحالفه هذا على «استعادة حقوق المسيحيين وتأمين المناصفة الفعلية لجهة الضغط باتجاه إقرار قانون انتخابات يضمن انتخاب النواب المسيحيين الـ64 بأصوات الناخبين المسيحيين»، تتعاطى باقي المكونات بريبة مع الخطاب الجديد الذي يعتمده طرفا «التيار» و«القوات»، فيما يبدو «حزب الله» أكثر الممتعضين مما يقول مقربون منه أنّه «تبن عوني للخطاب القواتي الطائفي بعدما كان التيار الوطني الحر الحزب شبه الوحيد محليا العابر للطوائف والملتزم خطابا وطنيا بامتياز».
وفي هذا السياق، اعتبر النائب عن «حزب الله» علي فياض في تصريح يوم أمس، أن «ما يجري من نقاش وطني هو موضوع مهم وجوهري وحيوي، ولكن لا يستدعي هذا المستوى من التجييش، بل على العكس يحتاج إلى مزيد من الروية والتعاطي بمسؤولية ومرونة للوصول إلى نتائج تقوم على تسويات»، مناشدا الجميع «العودة إلى الهوية الوطنية والابتعاد عن التجييش أكان سياسيا أم مذهبيا أو طائفيا».
وفي الوقت الذي تحاول فيه معظم المرجعيات الروحية المسيحية الدعوة للتمسك بالتحالفات السياسية ذات البعد الوطني والابتعاد عن الخطاب الطائفي، لا تبدو مترددة بدعم الثنائي المسيحي بمعركته المعروفة بـ«استعادة الحقوق المسيحية». وفي هذا الإطار، ينبّه رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي من أن «العودة للتكتلات الطائفية من شأنه أن يعيدنا سنوات إلى الوراء، كمسيحيين ومسلمين على حد سواء»، لافتا إلى أن «التقوقع يؤذي المجموعات التي تمارسه كما المجموعات الأخرى التي تعيش معها». ويضيف المطران قصارجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لبنان حاليا عبارة عن أقليات مجتمعة، وبالتالي مصلحة الجميع الحفاظ على هذا التنوع القائم للحفاظ على وجود المجموعات المختلفة»، مشددا في الوقت عينه على وجوب «تفهم الهواجس المسيحية، على أن يتم ذلك بعيدا عن الخطاب الطائفي الانعزالي خاصة أن لبنان لا يمكن أن يقوم على التوازن العددي بل على التوازن الوطني الذي إن تم التعرض له تلاشى الوطن تلقائيا».
وتبدو الأحزاب المسيحية التي لا تدور في فلك «القوات» و«التيار»، الأكثر استياء من الخطاب الذي يعتمده مؤخرا الحزبان المذكوران. وهو ما يعبّر عنه القيادي في تيار «المردة» شادي سعد، مشددا على وجوب «التمييز بين الخطاب الطائفي ومصلحة المسيحيين»، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الخطاب الطائفي الغرائزي مدمّر، أما العمل لمصلحة المسيحيين فيكون بالانفتاح الوطني ضمن خط الحفاظ على الحقوق». ويضيف سعد: «مصلحة المسيحيين لا ترتبط بتحالفات ظرفية، بل بمعادلات علمية. كما أن قوتهم بالحفاظ على بعضهم البعض وليس بمحاولة تركيب قوانين انتخابية وأفلام لإلغاء الآخر». ويرى سعد أنه «وتحت شعار استعادة الحقوق المسيحية، يتم حاليا طرح قوانين لا تضمن إلا مصلحة حزبين مسيحيين كانا يطالبان سابقا، وبالتحديد التيار الوطني الحر، بالنسبية الكاملة على أساس الدوائر المتوسطة، وبعدما وافق عليها حزب الله وتيار المستقبل تراجعا عنها لحسابات لا تمت بصلة لمصلحة المسيحيين وحقوقهم».
ويعتبر الوزير السابق سجعان قزي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «ليس من مصلحة المسيحيين أصلا أن يعرقلوا إقرار قانون يطمحون لأن يصحح الخلل القائم على صعيد التمثيل النيابي بل لا شك هي مصلحة فرقاء آخرين». وإذ ذكّر قزي بأن «التكتلات الطائفية ليست قائمة على الصعيد المسيحي وحده»، اعتبر أنه «ما دمنا نعيش في وطن لا يلتزم العلمنة سنبقى نرى القوى الطائفية تستبسل بهدم الدولة بعدما وضعت كل القضايا الوطنية جانبا».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.