غابات سوريا ضحية أخرى للحرب

تسمم التربة وتلوث المياه وتعرض الحيوانات النادرة للسرقة والصيد الجائر

غابات سوريا ضحية أخرى للحرب
TT

غابات سوريا ضحية أخرى للحرب

غابات سوريا ضحية أخرى للحرب

أرخت الحرب التي شنها النظام السوري بظلالها أيضا على الغابات وما تحويه من أنواع نباتية وحيوانية، وذلك من خلال القصف العشوائي بالبراميل المتفجرة والصواريخ، وغيرها من وسائل الدمار التي طالت غابات بأكملها، وبخاصة في المناطق الساخنة والقريبة إلى الحدود التركية والأردنية.
ناقش تقرير اقتصادي أصدرته «مجموعة عمل اقتصاد سوريا» ضمن سلسلة تقاريرها حول الخريطة الزراعية السورية، تحت عنوان «غاباتنا والنظام البيئي الإيكولوجي لسوريا المستقبل»، أثر الغابات وخدماتها بيئياً واجتماعياً وفي محيطها الحيوي في سوريا.
والبيئة السورية غنية في تنوعها النباتي والحيواني؛ نظرا لتنوع التضاريس والمناخ والترب في سوريا، إلا أن الحرب أثّرت كثيرا على البيئة وهددت الكائنات الحية كافة فيها، براً وبحراً وسماءً، ودمّرت موائل طبيعية للحيوانات والأصول الوراثية، وتآكلت وتسممت الترب الزراعية نتيجة استخدام المتفجرات، إضافة إلى تلوث المياه في أغلب مصادرها، وجريانها. كما تعرضت بعض الطيور والحيوانات النادرة للنهب والصيد الجائر، وبخاصة في المحميات الطبيعية كالغزلان والنسور والنعام، وغيرها، إضافة إلى انحسار الغطاء النباتي في الكثير من مناطق الغابات الطبيعية والمحميات؛ ما أدى إلى هجرة بعض الطيور وانقراضها، مساهما في إحداث خلل في التنوع الحيوي. ومن الأنواع الحيوانية المهددة بالانقراض على سبيل المثال طائر أبو منجل الشمالي والقطقاط الاجتماعي والنعار السوري.
ويشير التقرير إلى أن الحرب ساهمت في إشعال حرائق كبيرة في غابات الفرلق، وأتت على مساحات من الغابات بمئات الهكتارات، إضافة إلى حرائق أخرى في غابات كسب ومنطقة أبو قبيس، حيث طالت عشرات الهكتارات من محميتها، وأدت إلى حرق أنواع نادرة من الأشجار. وتعرضت المحمية إلى حرائق هائلة في عام 2012، وبخاصة في مناطق جباتا الخشب، وعين التينة والحميدية، كانت حصيلتها احتراق مجموعات كبيرة من أشجار البلّوط والسنديان.
وغفل التقرير عن الإشارة إلى الضرر الذي لحق بكثير من المساحات الخضراء في سوريا، نتيجة النزف اليومي للأشجار تسبب فيه انقطاع الكهرباء وعدم وصول الوقود إلى السكان؛ ما دفعهم إلى تقطيع الأشجار واستخدامها في الطهي والتدفئة، خصوصا في المناطق التي تعرضت للحصار الاقتصادي والعسكري من قبل النظام، مثل القسم الشرقي من مدينة حلب وريف دمشق.
وتشكل الغابات 2.7 في المائة من مساحة سوريا وتقدر بـ491 ألف هكتار، إضافة إلى 35 ألف هكتار أراضٍ حراجية أخرى، و231 ألف هكتار مغطاة بالأشجار. رغم أن نسبة الغابات ومساحاتها في سوريا متواضعة مقارنة ببلدان عربية أخرى، فهي العاشرة ضمن الدول العربية من حيث المساحة.
ورغم مساحة الغابات الضئيلة في سوريا، فإنها تتميز بندرة وأهمية الأنواع النباتية كأصول وراثية لمعظم أشجار الفاكهة والحيوانية النادرة في أغلبها، إضافة إلى أنواع النباتات الطبية والعطرية الغنية بمواصفاتها العلاجية والتصنيعية الدوائية.
ويشدد التقرير على أن الحفاظ على الغابات واجب وطني تضطلع به الحكومة ومنظمات المجتمع الأهلي والمواطنون؛ لما لها من أهمية بالغة في عملية التنمية اقتصاديا واجتماعيا وسياحيا، ومن أهم التعديات عليها (خارج أضرار الحرب)، الحرائق المفتعلة التي يقوم بها الأفراد، بقوة الحاجة أحيانا، كما تلعب مافيات الأخشاب والحطب دورا رئيسيا في التعدي، إضافة إلى قيام البعض بالصيد الجائر.
وقال معد التقرير الدكتور عبد العزيز ديّوب، إن «الغابات السورية في خطر داهم».
من جهته، أكد رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، الدكتور أسامة قاضي، أن التوعية البيئية في سوريا المستقبل يجب أن تكون واحدة من الأهداف الرئيسية على جدول أعمال أي حكومة انتقالية مقبلة، مشددا على أن الوعي الإيكولوجي سيعيد سوريا لأخذ موقعها بصفتها مساهما عالميا في تعزيز القيم المناخية والبيئية من وجهة نظر اقتصادية وأخلاقية معاً.
وأشار إلى بعض الإجراءات الفاعلة التي ينبغي اعتبارها في أي استراتيجية اقتصادية - بيئيّة مقبلة، منها أن تكون الزراعة أكثر كفاءة، بما في ذلك استخدام الأسمدة ومبيدات الآفات الزراعية واستخدام المياه، واستخدام أصناف المحاصيل المتنوعة والمواءمة بشكل جيد، والحد من النفايات في جميع مراحل الإنتاج والاستهلاك، والنهوض بالنظم الغذائية المستدامة.
وطالب التقرير في نهايته بالحفاظ على الغابات والثروة الحراجية من خلال توصيات عدة، منها سن القوانين والتشريعات الرادعة للرعي والقطع الجائر وافتعال الحرائق، والحد من انجراف الترب الزراعية للغابات من خلال استخدام الوسائل المناسبة، والقيام بحملة تشجير وطنية لإعادة تأهيل الغابات التي تعرضت للأذى، إضافة إلى التوعية المنهجية في المدارس.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم