من التاريخ: حكم قراقوش

من التاريخ: حكم قراقوش
TT

من التاريخ: حكم قراقوش

من التاريخ: حكم قراقوش

«لو كررت الكذبة مجموعة من المرات ستصبح حقيقة»، هذه الجملة الشهيرة هي للدكتور «جوبلز»، وزير إعلام هتلر وألمانيا النازية، والمقصود بها أن الشعوب كثيرا ما لا تتحقق من الصدق في بعض المقولات، بالتالي تكون على استعداد لكي تصدق الأكذوبة في نهاية المطاف، فتصبح أمرا مصدقا بين أفراد الشعب، وعلى الرغم من تحفظنا الشديد على هذه المقولة وقائلها، فإنها قد تكون حقيقية في بعض المناسبات التاريخية، فالكثير من الشخصيات التاريخية التي نقرأ عنها اليوم إنما هي مرتبطة بالشخصية سالفة الذكر، وبالتالي فإن بعضهم يُوصم لأسباب غير موضوعية، وآخرين يعلو شأنهم دونما استحقاق، فهذه سُنة البشر، فلا مناص من هذا المرض التاريخي غير الموضوعي، ولعل أبرز مثال على ذلك هو «قراقوش»، تلك الشخصية التي لو سألت عنها المصريين لخافوا منها، وتمنوا ألا يروها في حاضرهم لأنها تشكلت كجزء من ذكرى غير مرغوب فيها بالعقل الباطن الجمعي للمصريين، والذي استقر للأسف على فرية نأمل أن نسهم بمحوها في هذا المقال.
إن شخصية «قراقوش» هي شخصية حقيقية وليست من نسج الخيال، فكُتب التاريخ أوردتها، وهي شخصية مهمة خدمت كلا من صلاح الدين الأيوبي وعمه أسد الدين شيركوه، وهو عبد خصي من آسيا الصغرى دخل في خدمة الأخير وذهب معه إلى مصر خلال حملته لصالح السلطان نور الدين محمود، وقد لُقب الرجل باسم بهاء الدين بن عبد الله الأسدي، فاسم عبد الله لأنه لا نسب له، والأسدي نسبة إلى أسد الدين شيركوه، وتصفه أغلبية الكتب التاريخية بأنه كان شخصية جادة للغاية ولديها جلد كبير على العمل والتنظيم والإدارة، فبزغ نجمه خاصة في مجالات الدواوين والهندسة، فهو بحق رجل دولة، ولكنه ليس بالضرورة عبقرية عسكرية، فلم يُسجل التاريخ للرجل أي مآثر عسكرية عظيمة، وإن كان له دوره بطبيعة الحال في حصار عكا، والذي انتهى بالاستسلام، وأغلب الظن أن أفضل وصف له هو أنه كان الذراع اليمنى لكثير من حكام مصر، بدءا من أسد الدين شيركوه، مرورا بصلاح الدين وأولاده وإخوته، ولعل أفضل ما ميزه هو أنه رجل لم يغير في أي وقت من الأوقات ولاءه، ولم يبع نفسه لكل مزايد على السلطة، فظل على عهده إلى أن مات سيده الواحد تلو الآخر، وهي قيمة نادرة في ذلك الوقت، لا سيما مع تعدد الأقطاب السياسية وتناحرها.
لقد أتى «قراقوش» مع سيده أسد الدين شيركوه إلى مصر، وخدم في جيشه وكان من المؤتمنين على سره، ولكن بعد موت الرجل وتولى صلاح الدين رئاسة وزراء مصر خلفا له في فترة عصيبة من فترات التاريخ المصري، أقسم الرجل على الولاء له، وقد عهد له صلاح الدين بأهم مهمة لرجال دولته في ذلك الوقت، حيث عينه رئيسا للديوان السلطاني بعدما اتخذ القرار الجريء بإنهاء الخلافة الفاطمية في مصر وتحويل مذهب الدولة من الشيعة إلى السنة بإعادة مصر إلى أحضان الخلافة العباسية الواهنة، وقد كان صلاح الدين يخشى الدسائس في القصر وخطورتها على الشرعية الجديدة التي يسعى لتثبيتها، وقد كان «قراقوش» الرجل المناسب، فلقد أحكم قبضته على القصر تماما، ويقال إنه فرق بين بقايا ذكور الأسرة الفاطمية والنساء منعا للتكاثر تفاديا لمطالبات مستقبلية بولاية العرش، حيث وضعهم في «حارة برجوان»، وقد قام الرجل بعد فترة غير طويلة بتصفية القصر تدريجيا من كنوزه وجواريه تمهيدا لإنهاء نيف ومائتي عام من الحكم الفاطمي، حتى إنه قام أيضا بتصفية مكتبة القصر تحت حجة أنه كان يعتقد أنها تحتوي على كثير من كتب التشيع الذي كان سلطان مصر الجديد يسعى للقضاء عليه، وفي التقدير هنا أن هذا الشخص لم يكن على دراية فكرية أو موضوعية بقيمة مثل هذه المكتبة، ومن ثم جاءت فكرة تصفيتها دونما مراجعة.
بعد نجاحه الباهر في هذه العملية المهمة، تولى «قراقوش» أمر تدبير الدولة المصرية، وعلى الرغم من أن وظيفته لم تكن واضحة كل الوضوح، فإنها كانت أقرب ما تكون إلى رئيس وزراء، حيث عُهد له بتنظيم مصر مرة أخرى بعد القضاء على الدولة الفاطمية، وإليه ترجع جهود تحسين الأحوال وشق الترع والاهتمام بالزراعة وشؤون الناس، وفي عهده وضعت الأسس لبناء القلعة الشهيرة في المقطم، والتي لا تزال اليوم أثرا مهما من آثار القاهرة يقف المرء متأملا لها ولما تحمله من أسرار، وذلك على الرغم من أن البناء لم ينته في عهده، كذلك فقد قام أيضا بشق مجاري المياه حول القاهرة، كما أنه أقام بعض التحصينات العسكرية لضمان حماية مصر من الحملات الصليبية، وقد عهد له صلاح الدين بالقيام على الشؤون المصرية في الكثير من المناسبات عندما كان في الشام يحارب الصليبيين.
وقد ظل صلاح الدين يرى في «قراقوش» رجل الدولة الذي يثق فيه، إلى الحد الذي انتقل إلى خدمة ابنه «العزيز» بعد موته، وظل «قراقوش» على نشاطه وهمته في خدمة الرجل في مصر، إلى الحد الذي دفع السلطان بمهمة الوصاية على عرش ابنه «المنصور» والذي كان لا يزال دون العاشرة من عمره، وهي المهمة التي قام بها على أكمل وجه إلى أن أصر «الأفضل»، عم السلطان، على أن يتولى هذه المهمة، وظل الرجل على عهده مع الأسرة الأيوبية، يخدم سلاطين مصر الواحد تلو الآخر، دون أن تغويه السلطة أو تفتنه امرأة أو يستميله مال، وقد أوردت بعض كتب التاريخ صفاته المحمودة ودوره العظيم مع السلاطين الأيوبيين كرجل دولة له قيمته وقامته وأعماله الجليلة.
ولكن كيف يتحول عمل رجل مثل هذا ليكون مجالا للتندر المصري والرفض السياسي والأخلاقي لكل أعماله، والتي يعترف بها التاريخ ويشهد بها أغلبية المؤرخين؟ وحقيقة الأمر أن الرجل على ما يبدو وقع في صدام مع أحد الشعراء والأدباء في ذلك العصر، وهو «ابن مماتي»، والتقدير أن هذا الخلاف كان سببه تحالف «قراقوش» الأمين مع المماليك التي كانت تابعة لسيده صلاح الدين بدلا من فريق آخر يتبع أخاه، فكان «ابن مماتي» ينتمي للفريق الثاني، بالتالي ألّف كتابه هذا لتشويه صورة الرجل أمام العامة والخاصة وضرب مصداقيته بين الشعب المصري ولدى النخب المجاورة لمركز السلطة، وبالتالي فإن كتاب «الفاشوش في أحكام قراقوش» ما هو إلا مجموعة من النوادر غير المنطقية في مجملها، والتي لا يمكن أن تصدر من رجل دولة بحنكة رجل مثل «قراقوش»، فهي مليئة بالمتناقضات والقصص القصيرة التي ترقى لتكون مجالا للسخرية والهجاء والتهكم وليس الحقيقة، ولكنها كانت في واقع الأمر كفيلة بأن تدمر صورة الرجل عبر الأجيال، إلى الحد الذي أصبح يُستخدم في مصر على اعتباره رمزا للطغيان والجبروت والمطالب غير المنطقية من قبل الحاكم، وهكذا تكررت الأكاذيب على يد الشعراء لتصبح حقيقة غير واقعية في العقل الباطن لدى شعب.
ولعل ما قد يعزي «قراقوش» في قبره هو أن شيئا مماثلا قد حدث لغيره في عصر غير بعيد عنه وفي مصر أيضا، وهي لكافور الإخشيدي، رجل الدولة، والذي كانت خلفيته تتشابه مع «قراقوش» أيضا، فكان عبدا خصيا آلت له مصر وأسس الدولة الإخشيدية، ومع ذلك، فعندما يأتي ذكره فإن الجميع ينسون قدراته كرجل دولة وكيف استفادت مصر منه باستقلالها بعيدا عن خلافة منتهية الصلاحية في بغداد، فهم لا يتذكرون إلا قصيدة المتنبي التي هجته لأنه لم يمنحه العطاء المطلوب والتي قال له فيها:
لا تشترِ العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد
صار الخصي إمام الآبقين بها
فالحر مستعبد والعبد معبود



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.