بحرية طرابلس تسيطر على ناقلتي نفط للاشتباه بالتهريب

إيطاليا تطالب بعودة الأمم المتحدة إلى ليبيا لتحقيق الاستقرار

صورة ارشيفية لعنصر من الجيش الليبي في حقل رأس لانوف النفطي (رويترز)
صورة ارشيفية لعنصر من الجيش الليبي في حقل رأس لانوف النفطي (رويترز)
TT

بحرية طرابلس تسيطر على ناقلتي نفط للاشتباه بالتهريب

صورة ارشيفية لعنصر من الجيش الليبي في حقل رأس لانوف النفطي (رويترز)
صورة ارشيفية لعنصر من الجيش الليبي في حقل رأس لانوف النفطي (رويترز)

استولت قوات بحرية تابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية، مساء أول من أمس، على سفينتين للاشتباه بقيامهما بتهريب النفط بعد اشتباكات بالأسلحة النارية، استمرت بضع ساعات غربي العاصمة طرابلس.
وقال أيوب قاسم، المتحدث باسم البحرية الليبية، إن ناقلة ترفع علم أوكرانيا وسفينة ترفع علم دولة أفريقية ضبطتا في وقت سابق، لافتا إلى أن الاشتباكات استمرت ثلاث ساعات. لكن القوات نجحت في الاستيلاء على الناقلتين.
ووقعت الاشتباكات في منطقة سيدي سعيد غربي طرابلس، لكن قاسم لم يذكر وقوع أي ضحايا، ولم يقدم تفاصيل عما حدث لطاقمي السفينتين أو جنسياتهم.
وكثيرا ما تضبط القوات الليبية سفنا تهرب النفط والأسلحة قبالة سواحلها، في وقت أصبحت فيه ليبيا ملاذا لمهربي المهاجرين الذين يستغلون الاضطرابات في البلاد لشحن مهاجرين عبر البحر إلى أوروبا.
إلى ذلك، دعت وزيرة الدفاع الإيطالية روبيرتا بينوتّي إلى عودة الأمم المتحدة إلى ليبيا، معتبرة هذه العودة بمثابة «عامل إيجابي ومهم جدا بالنسبة لنا».
وقالت روبيرتا في تصريحات لصحيفة «ميسّاجّيرو» الإيطالية أعادت بثها وكالة أنباء «آكي» الإيطالية، إن «وكالتي الأمم المتحدة اللتين تتعاملان مع المهاجرين: المفوضة السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، يمكنهما استئناف أنشطتهما بالتعاون معنا على أساس الاتفاق بين إيطاليا والحكومة الليبية، الذي ينص على وجه التحديد أن تدار شؤون المهاجرين في ليبيا من قبل الأمم المتحدة».
وأكدت بينوتّي أن بلادها «ستلعب دورا رئيسيا في أعمال الأمم المتحدة في ليبيا»، معتبرة أن التعاون سيكون حتميا، خاصة أن الجنرال الإيطالي باولو سيرّا هو المستشار العسكري لبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا»، مشيرة إلى أن «إيطاليا هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي أعادت فتح سفارتها في طرابلس، وهناك ملحق عسكري إيطالي لكافة الاتصالات».
من جهته، قال وزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو إنه «يجب علينا تحقيق الاستقرار في ليبيا»، وأضاف في تصريحات له أمس أن استقرار ليبيا إذا تحقق فإنه «ستتحقق لنا منفعة كبيرة، وسوف نحقق نتائج كبيرة وفورية من ناحية تدفقات الهجرة»، وتابع موضحا أن «هذا ما يهدف إليه المجتمع الدولي، ولقد قمنا حتى الآن بدفع فاتورة هذا العمل غير المكتمل من قبل المجتمع الدولي، وقد حان الوقت الآن لإتمام هذه المهمة... ونحن نسير إلى الأمام على المستوى الثنائي أيضا»، لافتا إلى اتصاله هاتفيا مع فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق المدعومة من بعثة الأمم المتحدة، وقال بهذا الخصوص: «عملنا من خلال تعزيز اجتماع في روما بين شرق وغرب ليبيا، نحن لا ننتظر واقفين حتى يتحرك الآخرون، وفي الوقت نفسه نمضي قدما».
في المقابل، اعتبر فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، أن محاولة الخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية يجب أن تمر عبر العمل الجماعي للتغلب على التحديات التي تواجه ليبيا، سياسيا وأمنيا وعسكريا، وقال في كلمة ألقاها أمس أمام ملتقى الأزمة المالية الذي عقد بالعاصمة طرابلس، إن المجلس الرئاسي لحكومته لا يتنصل من تحمل مسؤولياته، مبرزا أنه حاول إيجاد حلول للأزمة، وعمل بشكل مستمر مع شركائه لوضع السياسات النقدية في البلاد، واعتبر أن الأزمة الاقتصادية هي نتيجة للأزمة السياسية، التي لن تحل إلا بالحوار، وقال بهذا الخصوص إنه لن يجري حوار مثمر بناء في ظل التصعيد العسكري مثل الذي يقع حاليا في الجنوب، وإنه «لا بد من وقف التصعيد بكافة أشكاله ومصادره إذا أردنا الاستقرار وانتعاش الاقتصاد، وعودة السفارات والشركات والمؤسسات والاستثمارات الأجنبية، وأن تستعيد المنظومة المصرفية ثقة التجار والمواطنين ورجال الأعمال، وتختفي كل أعراض الأزمة، من شح السيولة وتراجع سعر الدينار وتردي عدد من الخدمات الأساسية».
وبعد ست سنوات من الإطاحة بمعمر القذافي ما زالت ليبيا تعاني اضطرابات ومعارك بين فصائل مسلحة متنافسة، قاتلت من قبل ضد القذافي، ثم تحولت للاقتتال في صراع متعدد الأطراف على السلطة. وكثيرا ما يجري أيضا استهداف البنية التحتية النفطية في قتال، أو عمليات حصار، مع سعي الجماعات المتنافسة للحصول على الثروة أو النفوذ.
في غضون ذلك، أعلن فرحات الحرشاني، وزير الدفاع التونسي، أن الجيش سيحمي المنشآت الحيوية والنفطية في محافظة تطاوين جنوب البلاد خشية تسلل متشددين من ليبيا المجاورة إلى هذه المنطقة، التي يحتج فيها متظاهرون منذ أسابيع للمطالبة بالتنمية والحصول على فرص عمل.
وقال الحرشاني إن «الوحدات العسكرية ستعمل على حماية المنشآت الحيوية والنفطية في تطاوين في ظل التهديدات الإرهابية والوضع الذي تشهده ليبيا المجاورة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.