مدينة معان.. صداع الحكومات الأردنية

أصل أزماتها الفقر والبطالة.. والتفاعل مع أحداث المنطقة

مدينة معان.. صداع الحكومات الأردنية
TT

مدينة معان.. صداع الحكومات الأردنية

مدينة معان.. صداع الحكومات الأردنية

باتت مدينة معان الأردنية (جنوب) في السنوات الأخيرة، مصدر صداع دائم للحكومات الأردنية المتعاقبة، بعد أن كانت مركز انطلاق للقيادة في تحقيق حلم الثورة العربية الكبرى في مطلع القرن الماضي.
وشهدت المدينة ذات التاريخ الضارب في الجذور، أحداثا متتالية خلال الأعوام الماضية، تباينت أسبابها من سياسية إلى اقتصادية إلى اجتماعية، تدفع بأهلها إلى الثورة والاهتياج دائما. لكن العنصر الاقتصادي يظل دائما هو الأبرز في كل الاضطرابات التي شهدتها المدينة، خاصة في العامين الأخيرين.
وتعاني معان أزمات كثيرة، وتشتكي الفقر والبطالة وتدني الخدمات، وتتكون من تركيبة عشائرية متنوعة، وفوق ذلك فالمدينة تتفاعل مع أحداث المنطقة والإقليم بدءا من الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج والانتفاضة الفلسطينية وآخرها الأزمة السورية.
وشهدت المدينة أعمال عنف وشغبا الأيام الماضية على خلفية مقتل شاب على أيدي عناصر الدرك الأردني، وجرى احتواء هذه الأحداث بعد وساطة عدد من وجهاء المدينة وشخصيات أردنية. وتصاحب أعمال العنف دائما عمليات حرائق وتكسير ودمار للمؤسسات الحكومية والمحال التجارية.
تقول السلطات دائما إن حملاتها الأمنية على المدينة لا تستهدف أهالي المدينة الشرفاء، وإنما تستهدف مطلوبين للعدالة. ويقول وزير الداخلية حسين المجالي إن «الأجهزة الأمنية لم تستهدف أي شخص بفكره السياسي أو العقائدي أو أي تجمع أهلي، والمطلوب هم الخارجون عن القانون». وقال إن «الدولة الأردنية ليست عاجزة عن جلب المطلوبين على قضايا جرمية، إذ ألقت الأجهزة الأمنية القبض على 158 مطلوبا وتبقى 19 شخصا فقط».
ويحذر نواب في البرلمان من سيناريو خطير في المدينة، مشيرين إلى أن ملفها ظل مفتوحا منذ عام 1989، وأن المدينة تعرضت لصورة مشوهة ومقصودة، والبعض صورها مدينة خارجة عن القانون. وعبر سياسيون ومراقبون عن أسفهم لما آلت إليه الأمور في مدينة معان، داعين إلى أهمية تعزيز الأمن وسيادة القانون. وقالوا إن الحل الأمني لم يفلح يوما في معالجة المشكلات، فمشكلة معان ليست وليدة الساعة، ولكنها محصلة أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية قابعة منذ عقود.
يقول الدكتور سعد أبو دية، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية (أحد أبناء المدينة)، لـ«الشرق الأوسط»، إن القاسم المشترك في المشاكل تاريخيا يعود إلى سوء الإدارة التي ارتبطت بالاقتصاد أو بالأمن على الأغلب. وأضاف أن «الإدارة الناجحة يمكن أن تنقذ ما يمكن إنقاذه بالمبادرات والمتابعات، وهذا شيء شبه مفقود في إدارة أزمة معان عبر السنين».
ويشير أبو دية إلى أن مشكلة معان بدأت عام 1983، أثناء الحرب العراقية الإيرانية، بعد اندلاع أزمة الشاحنات العاملة على خط ميناء العقبة - العراق، حيث إن معظم أبناء المدينة كانوا يعملون في هذا الحقل. ويشير إلى أن الإدارة ساهمت وقتها في تفاقم هذه الأزمة عندما سمحت باستيراد شاحنات أفضل من الموجودة مما عطل عمل الشاحنات التي يعمل بها أبناء البلدة. وسهلت تعليمات الحكومة الفرصة للشاحنات الجديدة على حساب القديمة، وعلى أثرها تضرر أبناء معان أكثر بسبب اعتمادهم الكبير على هذا القطاع. وشاركهم أبناء مدينة الرمثا في الشمال في هذه المشكلة، ولكن بصورة أقل ضررا.
وزاد الموقف سوءا في الوقت ذاته وقوع مشكلة أخرى في معان، وهي مشكلة الأراضي؛ إذ إن سكان معان انحصروا في داخل المدينة، وليس لهم أرض في الخارج، وهنا تشددت الحكومة في هذا الموضوع. وهكذا صارت هنالك قضيتان: الشاحنات والأراضي.
ويؤكد أبو دية أن الإدارة المحلية لم تحسن التصرف، ولو فعلت لامتصت الغضب الشعبي. ورغم أن الصحافة العربية في أوروبا أشارت للمشكلة آنذاك، فإن أصوات الإدارة كانت أقوى من صوت معان ولم تحدث أي مبادرة لحل المشكلة، بل جرى تهميشها والتعامل معها على أساس أنها مجرد «شغب».
غياب التنمية:
لم تلتفت السلطات المحلية لقضية أهالي معان وتخلف المنطقة اقتصاديا، ولم يحصل أي تطور في قضية أراضيها، ونتج عن ذلك عيوب أصبحت مزمنة، نتيجة لسوء الإدارة، وتجاهل السلطات المركزية.
وتسببت معالجات الإدارة المحلية في أحداث عنيفة وقعت في 17 أبريل (نيسان) عام 1989 فيما عرف بـ«هبة نيسان»، التي حصلت بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية والبنزين. وكانت الشرارة التي هزت أركان البلاد وتدخل فيها الملك الراحل الحسين بن طلال وقال قولته المشهورة: «إن هذا من سمات الشعوب الحية».
وفي أحداث ارتفاع أسعار الخبز 1996 كان لمدينة معان نصيب في الاحتجاجات ثم تكررت عام 1998، وهي المرة الوحيدة التي كانت أسبابها غير اقتصادية وغير إدارية؛ ذلك أنها ارتبطت بزيارة النائب ليث شبيلات (المعارض) التي أظهرت تضامنا ضد الضربة الأميركية للعراق.
ويقول أبودية: «في عام 2002 وقعت أزمات أشد، وكان تصرف الإدارة فيها قاسيا، إبان حكومة علي أبو الراغب؛ فقد جرى استخدام القوة دون مبرر، إذ جرى اقتحام معان عسكريا، مما كان له ردود فعل غاضبة ظلت في ذاكرة أبناء المدينة، علما بأن الأسباب هذه المرة ارتبطت بإلقاء القبض على مطلوبين متهمين في تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة والأراضي الفلسطينية»، حسبما تناقلته بعض الوسائل الإعلامية حينها.
ويواصل أبودية حديثه قائلا: «في العام الماضي والحالي تكررت نفس الأخطاء الإدارية المحلية، التي لم تراع أمرا مهما وهو أن حسن الإدارة وتطبيق قاعدة (أرسل حكيما ولا توصه) وأن (الحاضر يرى ما لا يراه الغائب)، إذ إن شكوى أهل معان من قطاع الشرطة تحديدا مستمر منذ يونيو (حزيران) 2013 بسقوط ضحايا في تصفيات ميدانية، علما بأنهم مطلوبون لسرقات أو تهريب بضائع من العقبة فقط».
ويتساءل أهل معان: «لماذا تطبق الحكومة إجراءات وقائية في جنوب عمان وتعتمد على العمل الاستخباري في حين أنها في معان تقوم بتصفية ميدانية مثلا، ولا تعتمد العمل الاستخباري حتى لا تريق دما؟».
يضيف الأكاديمي الأردني: «في يونيو (حزيران) 2013 سقط ضحايا.. هم شباب صغار في السن.. ليس لهم وظائف.. وفي مطلع عام 2014 سقط آخر في تصفية ميدانية وكانت الرواية الأمنية غير عادلة؛ إذ إنها تحدثت عن تبادل إطلاق نار.. وقد قابلت الشخص المرافق للقتيل وحدثني أنهما كانا أمام محل شاورما في تلك اللحظة».
وفي مارس (آذار) الماضي سقط شاب (19 سنة) في عملية تصفية ميدانية أيضا، وذكرت الروايات الرسمية أن هذا الشاب من أهل «السوابق» وذكرت أن عليه 79 سابقة.. والسؤال: كيف جمع هذا العدد من الأسبقيات وهو في هذا السن؟ «يمكن أن يكون في موسوعة غينيس للأرقام القياسية».
وسبب الشكوى المستمرة عند أهل معان أن هذه التصفيات لا مبرر لها ولا تطبق في مكان آخر في الأردن، بسبب السرقة، إذ إن كل السرقات في معان لا تصل إلى ثمن سيارة مسروقة في جنوب عمان. والخلاصة أن هناك أسبابا مباشرة، وهي عدم كفاءة الإدارة في التعامل مع هذه القضايا.
ويختم أبو دية قوله إن القاسم المشترك في أحداث معان كلها ارتبط بالاقتصاد، وزاد الطين بلة سوء الإدارة وعدم المتابعة من قبل الحكومات المتعاقبة. «هناك أمور أخرى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند الدخول في بعض التفاصيل، وهي عدم مشاركة أبناء المدينة في الوظائف القيادية والمهمة في عمان، مثل الديوان الملكي والرئاسة والخارجية. وباختصار العلاج ليس صعبا لو توفرت إدارة وإرادة سياسية ترغب في الحل».
لكن السلطات دائما ترد بأن حملاتها الأمنية على المدينة لا تستهدف أهالي المدينة الشرفاء، وإنما تستهدف المطلوبين للعدالة. وقال وزير الداخلية حسين المجالي أمام مجلس النواب أخيرا إن «الأجهزة الأمنية لم تستهدف أي شخص بفكره السياسي أو العقائدي أو أي تجمع أهلي، والمطلوبون هم الخارجون عن القانون». وقال إن «الدولة الأردنية ليست عاجزة عن جلب المطلوبين على قضايا جرمية، إذ ألقت الأجهزة الأمنية القبض على 158 مطلوبا وتبقى 19 شخصا فقط».
وفي الأحداث الأخيرة في أبريل الماضي قتل شاب وهو خارج إلى المسجد بالخطأ خلال مداهمة قوات الأمن أحد الأحياء لإلقاء القبض على أحد المطلوبين، الأمر الذي أثار حفيظة الأهالي، مما حدا برئيس البلدية، ماجد الشراري، إلى إعلان الحداد في المدينة لمدة ثلاثة أيام، متهما الأجهزة الأمنية باتخاذ إجراءات عشوائية بحق سكان المدينة، كما اتهم وزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية بحياكة ما وصفه بـ«المؤامرة» ضد أهالي معان.
وقرر الشراري تعليق الدوام طيلة فترة الحداد؛ حيث أغلقت بنوك ودوائر حكومية ومحال تجارية أبوابها استجابة لرئيس البلدية. فعد الشراري أن الحكومة فشلت بإدارة الأزمة مع سكان المدينة، مبينا أنه لا بد من المكاشفة وتوضيح الحقائق. وأكد أن المدينة تعيش تهميشا وإقصاء من قبل الحكومات المتعاقبة، حيث انعدام التنمية وفشل المشاريع فيها.
وأشار الشراري إلى حالة الفراغ الأمني وسط المدينة منذ سنوات، التي تجلت في مظاهر أبرزها «عدم وجود الأمن وعدم قيام الأمن بالدور المنوط به، خاصة مع ترحيل مركز أمن المدينة من وسط البلدة وعدم قيامها بتنفيذ الأحكام القضائية وإلقاء القبض على المطلوبين بأسلوب الأمن الاستخباري».
وانتقد قيام الحكومة بانتهاج سياسة مرفوضة قانونيا وشعبيا من خلال إجراءات «غير مسؤولة» في الملاحقة والانتهاء بالقتل، مما ولد الاحتقان لبعض المطلوبين أمنيا وسرعة مشاركتهم في أعمال التخريب والشغب عند تنظيم أي موقف احتجاجي.
وطالب الشراري «بمحاسبة بعض المسؤولين ممن ساهموا في الوضع المحتقن داخل المدينة، إلى جانب مناقشة قضايا المدينة العالقة منذ سنوات للخروج من الأزمة المتفاقمة والمتراكمة، حتى يجري تجاوز السلبيات والبدء بمشروع وطني مشترك مع الحكومة لإيجاد حلول تساهم في إنهاء الأزمة من جذورها».
وطالت أعمال الشغب والحرق ثلاثة أفرع لبنوك ومؤسسة حكومية في المدينة واستخدمت قوات الدرك الغاز المسيل للدموع بكثافة لتفريق محتجين عمدوا إلى إغلاق بعض الشوارع الرئيسة والفرعية بالحجارة والإطارات المشتعلة، فيما تعرضت آلية مدرعة إلى «العطب».
ورد ملثمون مجهولون بإطلاق النيران على المراكز الأمنية والمقار الحكومية من المنازل دون التبليغ عن وقوع إصابات، فيما أرسلت تعزيزات أمنية للمدينة للسيطرة على الوضع إلا أن هذه القوات سرعان ما انسحبت إلى خارج المدينة نتيجة مهاجمتها من قبل الأهالي.
من جهته، رأى رئيس لجنة متابعة قضايا معان الدكتور محمد أبو صالح أن معالجة الأزمة في معان تجري من خلال اعتراف جميع الأطراف بالأخطاء التي يرتكبونها وتحمل مسؤولية هذه الأحداث، مطالبا بإقالة الحكم المحلي في المحافظة لإيجاد أرضية مناسبة للشروع بالدخول وبدء حوارات مسؤولة معها وبحث حلول مناسبة للخروج من الأزمة بعيدا عن الاحتقان والتشنج كون هذه القيادات جزءا من المشكلة القائمة الآن.
وطالب أبو صالح في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» بتفعيل آليات التنمية المحلية داخل المدينة من خلال إجراءات حكومية حقيقية تهدف إلى معالجة جميع المشاكل الاجتماعية والأمنية الموجودة في المحافظة، فضلا عن تعزيز وتفعيل دور المؤسسات الأمنية داخل المحافظة من خلال العمل على تطبيق القانون والحفاظ على كرامة المواطن، إضافة إلى تعزيز أطر التعاون بين أجهزة الأمن ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد وسد الفراغ الأمني داخل وسط المدينة، بحيث يؤدي الدور في خدمة المجتمع والحفاظ على حقهم وإشاعة الأمن واستقرار المدينة.
وقال أبو صالح: «إن لغة التهديد التي يتحدث بها وزير الداخلية لن تجدي نفعا مع أبناء معان، كونها اتهاما لأبناء المدينة بالدفاع عن الخارجين عن القانون، وهذا يتناقض تماما مع مطالبنا بتطبيق القانون على الجميع دون تمييز»، مؤكدا أن هذه التهديدات هي تبرير لفشل السياسات الأمنية التي اتبعتها الحكومة المحلية بالتعامل مع قضايا المواطنين، وخاصة الخارجين عن القانون، حسبما تسميهم الأجهزة الأمنية.
وأضاف أن «معان لم ولن تأبه لتلك التهديدات، بل بالعكس ستزيدها عزما وتصميما على المطالبة بحقوقها ومحاسبة من يرتكب الأخطاء بحقها، فنحن مع القانون إذا كان من يطبق القانون يحترم القانون، ولكن المعطيات والتناقضات التي تتعامل بها الحكومة المحلية وبدعم من وزارة الداخلية هي التي خلقت الأزمات وأدت إلى حدوث هذه الأحداث، فنحن نطالب بتحقيق من جهات يتمتع بالمصداقية والحيادية لإطلاع الشارع الأردني على الانتهاكات التي يتعرض لها المواطن في معان وعدم المصداقية في التعامل مع قضايا المدينة من قبل الأجهزة المعنية، وجعل نحو 80 في المائة من أبناء المدينة في خندق واحد ضد الإساءة والتصرف غير المسؤول من قبل الأجهزة الرسمية».
* واقع المدينة:
صدر تقرير رسمي أخيرا حول واقع التنمية ونسب الفقر والبطالة في معان أثار تساؤلات وانتقادات فاعليات شعبية ومهتمين بالشأن التنموي في المحافظة، بعد أن أظهرت نتائجه أن المحافظة تتصدر أعلى نسب للفقر بواقع 26.6 في المائة مقارنة بـ14.4 على مستوى المملكة.
كما أظهر التقرير أيضا أن معان تحتل ثاني أعلى نسبة للبطالة وهي 19 في المائة مقارنة بـ12.2 في المائة على مستوى المملكة. وأرجعت هذه الفاعليات ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في المحافظة إلى ضعف النشاط الاقتصادي وتدني حجم الاستثمارات الأجنبية والمحلية في معان رغم أنها تربض فوق مخزون من الموارد الطبيعية غير المستغلة.
من ناحيته، حذر القيادي البارز في التيار السلفي الجهادي محمد الشلبي الملقب بـ«أبو سياف» من النهج السياسي الأمني في المدينة من قبل بعض المسؤولين مما قد يؤدي إلى حدوث مواجهات مع قوات الأمن، مشددا على أن التيار السلفي ليست له أي علاقة بأحداث معان، مبينا أن أي مشاركة للتيار، لا قدر الله، ستقلب الأمور رأسا على عقب ويكون الجميع خاسرا فيها بما فيه الوطن.
وبين أن الرايات السوداء التي ظهرت بشكل لافت في المدينة ترتفع قبل عشرات السنين في البلدة، أي قبل وجود جبهة النصرة أو الدولة الإسلامية، وهي راية العقاب، حيث كانت ترفع سابقا في المناسبات أو للتعبير عن حالات وردود فعل غاضبة، فليس المقصود منها جبهة النصرة أو الدولة الإسلامية، والمواطنون يعدونها راية إسلامية.
ولفت أبو سياف إلى جهود متواصلة من قبل التيار للتهدئة وضبط النفس، خوفا من تفاقم الأمور ووقوع ما لا تحمد عقباه، محملا أجهزة الحكومة مسؤولية ما يحدث في المدينة «لعدم تقديرها ودراستها الوضع القائم هناك وامتصاص غضب المواطنين بدل استفزازهم».
إلا أن الدكتور أبو صالح قال إن ما يشاع من تشكل قاعدة لجبهة النصرة وتنظيم داعش في معان هو من أجل إعطاء تبرير لدى الأجهزة الأمنية لاقتحام البلدة والبحث عن أسلحة مزعومة يجري تهريبها إلى سوريا.
وكان وزير الداخلية الأردني، حسين المجالي، قد قال أمام مجلس النواب إن أعمال الشغب التي شهدتها معان، كانت من قبل «فئة خارجة عن القانون وأرباب السوابق». وأضاف المجالي أن هذه الأعمال تخللها اعتداء على الممتلكات العامة والخاصة تمثلت بحرق ثلاثة بنوك ومبنى ضريبة الدخل واعتداء على مدرستين داخل المدينة.
وأشار إلى استمرار الاعتداء المتمثل في إلقاء الزجاجات الحارقة وإطلاق النار على القوة الأمنية الموجودة في المدينة لبسط السيطرة الأمنية والنظام العام.
وتسعى القوة الأمنية لإلقاء القبض على تلك الفئة وضمان أمن وطمأنينة المواطنين داخل مدينة معان وإنهاء حالة العبث بأمنهم من قبل هذه الفئة، حسب المجالي. وقال المجالي إن الذين قاموا بالاعتداء تعمدوا إعاقة عملية إسعاف خمسة من المصابين من قوات الدرك (جهاز أمني تابع لوزير الداخلية) ونقلهم إلى مستشفى معان الحكومي.
وحول بداية الأحداث وما أعقبها من تطورات، قال المجالي إن قوات الدرك تعرضت لإطلاق نار من أسلحة أوتوماتيكية من إحدى البنايات داخل المدينة ومركبة يستقلها عدد من ذوي السوابق والخارجين عن القانون أثناء قيام أفرادها بواجبهم بحثا عن مطلوبين أمنيا.
وتابع أن «هذا دعا قوات الدرك إلى استخدام القوة المناسبة، ما نجم عنه وفاة أحد الأشخاص وإصابة آخر إصابة بليغة، بالإضافة إلى أضرار مادية جسيمة بآليات قوات الدرك».
وأكد أن «العملية الأمنية في مدينة معان مستمرة وتستهدف عددا محدودا من الخارجين عن القانون والمطلوبين قضائيا وأمنيا وكل من يثبت تورطه بحادثة الاعتداء على قوات الدرك وأعمال الشغب وما رافقها من اعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة وترويع المواطنين».
ونفى وجود حملة أمنية في معان، واصفا ما يحدث بـ«إجراءات من أجل القبض على 19 مطلوبا من الخارجين عن القانون وبسط الأمن هناك».
وحذر بالقول إن الدولة «لن تسمح لأي فئة في شتى مناطق المملكة بالتطاول على القانون وسيادته تحت أي ظرف كان».



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.