«فتيات الحجارة» يدخلن على خط التوتر في كشمير

شاركن في مظاهرات عنيفة ضد قوات الأمن الهندية

تلميذات يلقين الحجارة على قوات الأمن الهندية في إقليم كشمير (إ.ب.أ)
تلميذات يلقين الحجارة على قوات الأمن الهندية في إقليم كشمير (إ.ب.أ)
TT

«فتيات الحجارة» يدخلن على خط التوتر في كشمير

تلميذات يلقين الحجارة على قوات الأمن الهندية في إقليم كشمير (إ.ب.أ)
تلميذات يلقين الحجارة على قوات الأمن الهندية في إقليم كشمير (إ.ب.أ)

كان الحجر الأول ثقيلا في يدها، فسارعت برميه بعيدا ليسقط على ساق أحد الجنود. ولم تنتظر حتى تشهد ردة فعل الجندي قبل أن تلتقط حجرا آخر.
والحجارة هي السلاح المختار للشباب الانفصاليين ضد قوات الأمن الهندية في إقليم كشمير، الذي تغمره الاضطرابات في الهند، أو ربما هو الطوب إن تمكنوا من العثور عليه. ولدى الجنود الهنود المقلاع الخاص بهم كذلك، إلى جانب الأسلحة التقليدية وبنادق الخرطوش التي قتلت وشوهت عشرات الضحايا.
اندلعت جولة جديدة من العنف بين الطرفين، أدت إلى مقتل ما يقرب من 12 شخصا في اشتباكات مع قوات الأمن الهندية، مما أثار احتجاجات طلابية استمرت لعدة أيام في مختلف أنحاء إقليم كشمير. ولقد انضمت طالبات المدارس، بحجابهن وزيهن المدرسي المميز، إلى الاحتجاجات بجانب المتظاهرين من الذكور وبأعداد غفيرة للمرة الأولى في الذاكرة الحديثة لذلك الصراع.
تقول الطالبة نيشا زاهور (18 عاما)، التي تمسك بمقلاع للحجارة خلال المواجهات التي نشبت مع القوات العسكرية في إحدى الساحات الأسبوع الماضي: «لقد سقط العديد من الفتيان قتلى في هذه المواجهات. وحان الدور الآن على الفتيات لأن يخرجن للاحتجاج من أجل الحرية».
ولقد ناشد المسؤولون، الذين يخشون من تجدد أعمال العنف التي تسببت في شلل المنطقة لمدة خمسة أشهر خلال العام الماضي، الجميع بالهدوء وضبط النفس. ولقد طارت رئيسة حكومة كشمير، محبوبة مفتي، إلى نيودلهي خلال الأسبوع الحالي لحث رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على عقد المحادثات مع الانفصاليين. ولقد تأسست فرقة جديدة من الشرطة النسائية للتعامل مع فتيات المدارس، وغير ذلك من القضايا المتعلقة بالأمن العام في الإقليم. كما فرضت حكومة مفتي حظرا لمدة شهر كامل على استخدام مختلف وسائل التواصل الاجتماعي مثل «واتساب»، و«فيسبوك»، و«تويتر»، وغيرها في الإقليم اعتبارا من يوم الأربعاء الماضي، بهدف إبطاء انتشار مقاطع الفيديو المثيرة للغضب بين الشباب، بما في ذلك أحد الفيديوهات الذي قام فيه جنود الجيش الهندي بربط أحد الرجال إلى سيارة الجيب العسكرية لاستخدامه كدرع بشرية في مواجهة المتظاهرين.
يقول المدير العام المسؤول عن قوة الشرطة الاحتياطية المركزية في إقليم جامو وكشمير: «لا أستطيع الإفصاح عن مدى صعوبة ذلك الأمر، ولكنني على ثقة عالية بأنه سوف يتم احتواء التوتر».
ومع ذلك، يعتبر البعض وجود الفتيات الصغيرات في المظاهرات علامة على أن الأوضاع الأمنية في المنطقة باتت خارج نطاق السيطرة. ولقد غرد الوزير الكبير الأسبق في الإقليم خلال الأسبوع الحالي يقول إن الاحتجاجات الطلابية هي القلق الجديد في ذلك الصراع، ونشر صورة لفتاة بالزي المدرسي وهي تركل جانب إحدى سيارات الشرطة. وكانت تمسك بحجر في إحدى يديها، وكرة للسلة تحملها تحت ذراعها.
تجدر الإشارة إلى أن منطقة كشمير الواقعة بين الهند وباكستان كانت محل نزاع مستمر بين البلدين منذ استقلال الهند عن بريطانيا، وقيام دولة باكستان في عام 1947. وشهد الوادي الخصيب الذي يقع عند سفح جبال الهيمالايا التمرد المسلح العنيف في فترة التسعينات من القرن الماضي، ما مهد الطريق في وقت لاحق لكسر حالات الهدوء المتقطعة. ولكن الأغلبية المسلمة في الإقليم ثارت من جديد في يوليو (تموز)، عندما سقط القائد الشعبي برهان واني قتيلا، مما أدى إلى شهور من احتجاجات أودت بحياة 78 مواطنا من سكان الإقليم.
بعد ذلك، وفي 12 أبريل (نيسان)، ارتكب جنود الجيش الهندي خطأ بالظهور في عربات عسكرية مدرعة في اجتماع روتيني مع المدرسين في إحدى الجامعات الحكومية في بولواما لمناقشة مسابقة للرسم، وكان استعراض القوة هو ما أثار مشاعر الغضب لدى الطلاب. فقاموا بإلقاء الحجارة عليهم. وبعد ثلاثة أيام اشتبكوا مع القوات الأمنية داخل أسوار إحدى المدارس. وتعرض أكثر من 30 طالبا للضرب المبرح بالعصي الثقيلة في مكتبة المدرسة، وفقا لأقوال نائب مدير المدرسة، كما تعرض العشرات لإصابات مختلفة.
ولقد أججت هذه الحادثة المزيد من الاحتجاجات التي استمرت خلال الأسبوع الحالي وتضمنت مشاركة الفتيات للمرة الأولى، وفقا لأقوال صدف بشرى الأستاذة المساعدة لمادة الصحافة في جامعة كشمير المركزية. وظن كثير من الطالبات أن مدارسهن هي من أكثر الأماكن أمنا للتعبير عن غضبهن من قيود عائلاتهن المسلمة الصارمة، كما قالت الأستاذة بشرى التي أضافت: «إنه نوع جديد من الاحتجاج بسبب وجود الجنس اللطيف الذي أصبح جزءا لا يتجزأ منه الآن».
ولقد شهدت زاهور وصديقاتها، الطالبات في الصف الثاني عشر في المعهد الحكومي العالي للطالبات في ناواكادال في سرينغار، التقارير الإخبارية بشأن تعرض التلاميذ للضرب المبرح. ولقد شهدن الفيديوهات التي انتشرت انتشار النار في الهشيم. ولكنهن انطلقن إلى الشوارع عندما سمعن أن طالبة شابة قد أصابها حجر ألقته قوات الأمن الهندية ثم توفيت بسببه متأثرة بجراحها. وتبين أن الخبر كاذب.
وأغلق مديرو المدرسة الأبواب الحديدية لإبقاء الطالبات في الداخل، ولكن مع انتهاء اليوم الدراسي لم يكن هناك ما يمكنهم فعله لإيقافهن. وانطلق المئات من الفتيات عبر الشوارع، مما أجبر المتاجر والشركات على إغلاق أبوابها، وهتفت الفتيات «نحن نريد الحرية!»، و«اذهبوا إلى الهند، ارجعوا إلى بلادكم!». ووصلوا إلى خط قوات الشرطة شبه العسكرية الذين يصطفون حاملين دروع مكافحة الشغب. وأطلقت قوات الشرطة الغازات المسيلة للدموع. وردت الفتيات بإلقاء الحجارة. وفي نهاية الأمر، سقطت العديد من الفتيات على الأرض يعانين من النزيف أو فقدان الوعي.
وفي المدرسة، جلست الطالبات على المكاتب الخشبية البسيطة المعتادة داخل الفصول الدراسية الخاوية وتذكرن اندفاعهن في صفوف المحتجين بالحجارة المخالفين للقوانين. وكن، بطريقة ما، مثل أي فتاة من سن المراهقة. ولقد حاول المدرسون إسكات أصواتهن العالية داخل الفصول. وهن معجبات بنجم البوب الهندي هاني سينغ وجاستن بيبر. وكن يسخرن من القواعد المدرسية الصارمة التي تجبرهن على دفع عشر روبيات في اليوم بسبب عدم الالتزام بارتداء الزي المدرسي الأبيض بالكامل.
واعترفت البنات أن الترعرع في إحدى أكثر المناطق اشتعالا في العالم له تأثيره الأكيد عليهن. وهن يصفن قوات الأمن الهندية بقولهن «الكلاب السوداء»، وألفاظا أخرى تعتبر جارحة للمقيمين في المناطق الأكثر فقرا في الهند.
وقالت واحدة فقط منهن إنها تريد لإقليم كشمير أن يظل تابعا للسيادة الهندية. وترى طالبة أخرى أن قوات الشرطة الهندية تهاجم الحي الذي تسكن فيه كل مساء. وقالت الطالبة إيشرات بشير، وعيناها مليئة بالدموع، كيف أنها فقدت شقيقها البالغ من العمر 16 عاما في الأيام الأخيرة بسبب أحداث العنف المستمرة، وأضافت تقول: «هذه الأحداث مستمرة. وإن لم نحتج ونتظاهر، فما الذي يمكننا فعله؟».
في وقت لاحق، جلست زاهور في منزلها الذي لا يبعد كثيرا عن المدرسة، وأمسكت بهاتفها الجوال ذي الشاشة المكسورة لتراجع صور خالها المتوفي، رياس أحمد شاه (22 عاما) الذي كان يعمل حارس أمن في أحد المصارف والذي تعتقد الشرطة أنه تعرض للقتل على أيدي قوات الأمن الهندية في شهر أغسطس (آب) الماضي. إن وفاة خالها هي ما يحفزها على الخروج والاحتجاج كما تقول. وجاءت السيدة فريدة شاه، والدة الطالبة نيشا، لتقدم عصير المانجو، ثم جلست بجوار ابنتها، وقالت إنها فخورة للغاية بخروج ابنتها في المظاهرات والاحتجاجات. وأردفت السيدة فريدة تقول: «إنها تفعل الشيء الصحيح. لقد قتلوا خالها بكل وحشية ومن دون سبب واضح. وتلك هي الطريقة الوحيدة للتعبير عن غضبنا».
وسألتها: «ماذا عن الحجارة التي تلقيها ابنتك على قوات الأمن شبه العسكرية؟» فردت محدقة بابنتها «أتفعلين ذلك؟». ومنحتها نظرة صارمة؛ جزء منها يرفض ذلك وجزء آخر يؤيد ما تفعل. ثم قالت: «حسنا، لقد كان رياس بمثابة أخ لها، أكثر مما كان خالها».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ « الشرق الأوسط»



لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.