ليبيا... تقارب الجنرالات

أول حوار بين ضباط الجيش منذ 2011

ليبيا... تقارب الجنرالات
TT

ليبيا... تقارب الجنرالات

ليبيا... تقارب الجنرالات

انفتحَ باب جديد للحوار بين ضباط في الجيش الليبي، قبل أيام، يعد هو الأول من نوعه منذ الانتفاضة المسلحة التي أدت إلى إسقاط نظام معمر القذافي ومقتله في عام 2011. وبعيدا عن الأضواء، يعوِّل فريق من السياسيين والنشطاء والوجهاء الليبيين، في الوقت الراهن، على إحداث تقارب بين جنرالات القوات المسلحة، لإنقاذ الدولة من الفوضى، بشرط أن يتم التوافق أولا على كل شيء، قبل الإعلان عن تشكيل مؤسسة متكاملة مثلما كانت عليه قبل ست سنوات. ويتخوف الليبيون من تدخل دول أجنبية في شؤونهم، بما في ذلك التلويح الأوروبي بإرسال قوات إلى شواطئها.
كان الجيش الليبي موحدا في عهد معمر القذافي، ثم تعرض لانقسامات حادة بسبب تباين مواقف كبار قادته من تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ما بين مؤيد ومعارض. ومنذ ذلك الوقت تورط الكثير من القادة العسكريين، من توجهات مختلفة، في حروب داخلية أدت إلى تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتسببت في إثارة مخاوف دول الجوار من خطر انتشار الجماعات المتطرفة وهشاشة الحراسة على الحدود البرية ومنافذ الدولة البحرية والجوية. ويشعر قادة الجيش اليوم بأن الخطر يزداد، وإمكانية التدخل العسكري الخارجي أصبحت تلوح في الأفق، وهو أمر مثير لقلق جنرالات القوات المسلحة.
وبالإضافة إلى الأمم المتحدة والدول الكبرى، تبذل مصر وتونس والجزائر جهودا حثيثة لمساعدة الليبيين على الخروج من المأزق الذي يهدد الدولة الغنية بالنفط، والحيلولة دون أن تصبح «دولة فاشلة». وعلى باب فندق فاخر يقع على مرمى حجر من مطار القاهرة الدولي، توقف جنرال ليبي في بدلة سوداء وربطة عنق حمراء، وقال وهو يبتسم في أمل «لم نصل بعد إلى تصور. ما زلنا في مرحلة اختبار الدرب». وفي المساء كان هناك لقاء آخر في حديقة فندق على شاطئ النيل، بين ثلاثة ضباط ليبيين، كل منهم برتبة عميد.
الأول من القيادات العسكرية في مدينة مصراتة ذات التسليح القوي. وهي مدينة تقع على بعد 200 كيلومتر إلى الشرق من العاصمة طرابلس. وكان هذا العميد من المؤيدين لتدخل الناتو للتخلص من نظام القذافي. واليوم، يبدو ممسكا بكوب القهوة، وهو يشعر بالإرهاق من سنوات الاحتراب التي راح ضحيتها ألوف الشباب، وتشريد نحو مليوني ليبي، وخسائر بمليارات الدولارات.
أما الثاني، فمن قيادات مدينة الزنتان، في جنوب غربي طرابلس، وكان أيضا من مؤيدي تدخل الناتو، بل أشرف على فتح المجال لإسقاط أسلحة قادمة من إحدى الدول الأجنبية، للمنتفضين المسلحين الذين كانوا يطلقون على أنفسهم لقب «ثوار». وأشار في كلمات مقتضبة إلى ما معناه أن الوقت قد حان لـ«توحيد المؤسسة العسكرية وفتح حوار بين العسكريين بعيدا عن التجاذبات السياسية والجهوية. ما نريده هو إعادة بناء الجيش وترك السياسة لما يقرره الليبيون بعد وضع دستور للدولة. الخطر الآن هو أن ليبيا يمكن أن تنتهي كدولة».
ومع أن هذين القائدين كان يجمعهما النضال المشترك للقضاء على حكم القذافي، إلا أن الخلافات نشبت بينهما بداية من عام 2014؛ بسبب الصراع على تقاسم النفوذ بين المسلحين في العاصمة، حيث تسبب هذا النزاع في احتراق مطار طرابلس الدولي. واليوم يسعى كل منهما لطي صفحة الماضي وفتح ملف جديد من أجل المستقبل. ولكن لكل منهما «مخاوف من تزايد النشاط الإيطالي في مناطق عدة في ليبيا بحجة مواجهة الهجرة غير الشرعية».
العميد الثالث من بنغازي. ووصل متأخرا إلى الفندق آتياً من مطار برج العرب قرب مدينة الإسكندرية المصرية. وهو عسكري محسوب على المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي. وكان حفتر نفسه من المناصرين لتدخل الناتو. إلا أنه حين أعلن إعادة تنظيم جانب من صفوف الجيش، قبل ثلاث سنوات، واجه معارضة من جانب عدد كبير من القيادات العسكرية في الغرب الليبي، أي من مصراتة وجبل نفوسة والزنتان وغيرها، معتبرين ما قام به «انقلابا».

النظرة إلى حفتر
لكن جهود حفتر باتت الآن تثير الانتباه، وتجبر الخصوم على إعادة النظر. ومد عسكريون من المحسوبين على نظام القذافي يد العون لحفتر، أخيرا، في مواجهة التنظيمات المسلحة والمتطرفة. ويقول العميد المشار إليه «ليبيا أصبحت في خطر. نخشى من مزيد من الفوضى ومن الانقسامات. نحن، كما قال المشير حفتر مرارا، لا شأن لنا بالسياسة، ما نريده وما نتحاور حوله كعسكريين، في الوقت الراهن، هو أن مؤسسة الجيش لا بد أن تعود، وهذا ما فشل فيه السياسيون خلال السنوات الماضية، وآن الأوان لكي يقوم رجال القوات المسلحة بالمهمة».
الأمم المتحدة، من جهتها عملت لإنجاح الحل السياسي الذي نتج من الاتفاق المعروف باسم «الصخيرات»، لكن المجلس الرئاسي الذي انبثق عن هذا الاتفاق، منذ أواخر عام 2015، عجز عن حل مشكلة إدارة الحكم في ليبيا. وحالياً توجد ثلاث حكومات وثلاثة برلمانات. في الغرب هناك حكومتا «الوفاق الوطني» برئاسة فايز السراج، و«الإنقاذ» برئاسة خليفة الغويل. وفي الشرق «الحكومة المؤقتة» برئاسة عبد الله الثني. أيضاً، في طرابلس نرى المؤتمر الوطني (البرلمان السابق) برئاسة نوري أبو سهمين، ومجلس الدولة (جزء من البرلمان السابق) برئاسة الدكتور عبد الرحمن السويحلي. ويوجد في طبرق شرقا البرلمان الحالي برئاسة المستشار عقيلة صالح. ولقد وقفت هذه الأجسام السياسية والتشريعية وراء مجاميع مسلحة يحارب بعضها بعضا، وهي، في معظمها، عبارة عن خليط من ضباط وجنود كانوا في الجيش الليبي القديم، ومدنيين يحملون السلاح.
الجنرال الآتي من مصراتة، المدينة التي كان عليها العبء الأكبر في محاربة تنظيم داعش وطرده من مدينة سرت أواخر العام الماضي، يقول: «بعد نهاية الحرب في سرت، حاولت بعض الجماعات السياسية في طرابلس وفي مصراتة، استغلال قوتنا للهجوم على الموانئ النفطية التي يسيطر عليها حفتر في الشرق والمشاركة في الهجوم على القبائل المعروف أنها محسوبة على نظام القذافي في الجنوب، وبخاصة في كل من مدينة سبها ومدينة بني وليد. وحين رفضنا ذلك، تعرضنا للمؤامرات. وانقلب المتشددون، قبل نحو شهر، على المجلس البلدي لمصراتة».
ويضيف موضحا، أن عدد مَن قُتلوا في الحرب على «داعش» في سرت يبلغ أكثر من 800، وليس 300 كما كان يتردد. ونحو 700 من هؤلاء الضحايا من أبناء مدينة مصراتة، ونحو 120 من المدن الليبية الأخرى. بينما بلغ عدد المصابين نحو 3 آلاف. ما أريد أن أقوله وأن يفهمه إخوتنا من العسكريين الليبيين الذين بدأنا فتح قنوات تواصل بيننا لأول مرة منذ رحيل القذافي، هو أننا لن نحارب من أجل جماعة أو تيار أو جهة. سنحارب من أجل ليبيا فقط».
للعلم، وصل من مصراتة وطرابلس، إلى القاهرة، دفعتان من الجنرالات، خلال شهر. كانت جلسات تمهيدية لرتب عسكرية مهمة مصابة بالإرهاق من طول فترة الاقتتال والاحتراب في الصحراء الليبية الشاسعة. وبعد ذلك بأسبوعين وصل نحو عشرين رتبة عسكرية من مناطق جبل نفوسة والزنتان وورشفانة وغيرها. ويقول أحد القادة العسكريين من القبائل القوية في غرب ليبيا «هناك حراك جديد في عموم البلاد. تستطيع القول إننا نتخلص رويدا رويدا من حالة الاستقطاب التي كانت موجودة بين العسكريين المنتمين أساسا للجيش. الحراك الجديد حراك وطني يتواصل مع الجميع، ويرفع شعار «توحيد المؤسسة العسكرية».
من ناحية أخرى، منذ بداية الأزمة الليبية كان يتواصل مع الأطراف الداخلية، دبلوماسيون ومسؤولون دوليون وإقليميون محاولين رأب الصدع السياسي. ووفقا لمصادر اجتماعات الضباط الليبيين في القاهرة، شاركت تونس بقوة في تسهيل اللقاء الذي عقد بين المستشار صالح والدكتور السويحلي، في العاصمة الإيطالية روما، الأسبوع الماضي. كما قام وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، الجزائري، عبد القادر مساهل، بجولة في ليبيا من أجل تقريب وجهات النظر بين الزعماء المتخاصمين.
في المقابل، أخذت مصر تعمل على الملف الليبي، بطريقة مختلفة، منذ أشهر، حين أوكلت هذا الملف للفريق محمود حجازي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية. وأشرفت لجنة حجازي على عقد لقاءات استماع «مفتوحة وصريحة» لمئات عدة من خصوم القوى السياسية والقبلية والإعلامية الليبية، لكن الخطوة اللافتة تعد، وفقا للمصادر العسكرية الليبية، فتح الباب المصري للقاءات في القاهرة لأول مرة بين قادة عسكريين كانوا يحاربون بعضهم بعضا حتى وقت قريب.
مصدر أمني مصري قريب من لقاءات الجنرالات الليبيين، قال «يبدو أنهم يسعون لاستغلال حالة الإرهاق التي أصابت الجميع في ليبيا. أعتقد أنهم يريدون رفع شعار يهدف إلى جمع الليبيين حول توحيد الجيش والبحث عن سبل للتوافق بين كبار القادة العسكريين».

أنواع ثلاثة
واليوم يوجد ثلاثة أنواع من القيادات العسكرية الليبية: الأول، العاملون مع المشير حفتر. والثاني، المنخرطون في المجالس العسكرية للمدن، وهم يعملون مع مسلحين مدنيين، وتتركز هذه الظاهرة في المنطقة الغربية من البلاد. والثالث، الضباط الذين يطلق عليهم أنصار النظام السابق، ومنذ مقتل القذافي ظلوا يرفضون المشاركة في العمل في الجيش تحت علم «الثورة» ذي الخطوط الملونة. وما زال بعض منهم يرفع علم الدولة في عهد القذافي ذي اللون الأخضر.
حفتر ظل منذ 2014 يحاول إنشاء مؤسسة عسكرية، ولكن واجهته عراقيل تتمثل في تمسكه بمبادئ «ثورة 17 فبراير 2011»، وهو أمر يرفضه عدد من قادة الجيش السابقين الذين كانوا يحاربون مع القذافي. غير أن لقاءات العسكريين الأخيرة في القاهرة أعطت زخما جديدا يمكن البناء عليه. كما أن بعض القادة ممن كانوا يتهمون حفتر بأنه يدير «ميليشيا انقلابية وليس جيشا»، ويرفضون أي دور له، بدأوا يتحدثون حول الطاولة بطريقة مختلفة.
ويقول جنرال مصراتة، وهو يعدل من ربطة عنقه الحمراء «لقد بدأت تحدث عملية تواصل شبه مستمرة من أجل تطوير الحوار والنقاش. جئنا للقاهرة للأسباب نفسها... وعلى عكس التصورات السابقة، توصلنا إلى أنه «لا توجد مدينة ذات لون أبيض وأخرى ذات لون أسود، واتفقنا على أن كل المناطق فيها مشتركات وفيها تباين أيضا. وأن كل هذه الأمور قابلة للمناقشة والأخذ والرد».
كذلك، جرى التطرق إلى أنه في «بعض الأحيان تتغلب بعض التيارات في بعض المناطق، بحكم خلو الساحة. لكن، الأكيد، أن كل منطقة تستطيع أن تخلق مشكلة للطرف الآخر، كما أن الطرف الآخر لديه القدرة على خلق مشكلة عكسية». ولهذا؛ يبدو أن حوار الجنرالات يسير على نحو فيه قدر من الندية والجدية وحساب القوى الشعبية والقوة العسكرية... «حين يتمكن طرف في المنطقة الغربية من صنع مشكلة مع حفتر، فإن الطرف المقابل يمكنه خلق مشكلة مماثلة».
ويوضح أحد الزعماء العسكريين أنه... «من غير المقبول الاستمرار في شيطنة مدينة، أو الزعم بأن كل سكانها كذا وكذا (يقصد جانبا من ميليشيات مصراتة التي شاركت مع ميليشيات الإسلاميين في محاربة حفتر وبرلمان صالح)، أو أنهم مسؤولون عن المشكلات التي تمر بها البلاد. الليبيون لديهم العنف في كل شيء، وهم عصبيون جدا... الحب بعنف والكراهية بعنف. كل شيء لدينا بعنف».
ويضيف، أنه من المعروف أن الوضع في غرب ليبيا شديد التعقيد عموما؛ إذ إن القوة العسكرية للقذافي كانت تتركز هناك، وجرى فيها معظم القتال المهم في عام 2011: «وبالتالي تكونت مراكز قوى استغلتها بعض الأطراف. والمقصود بها بعض التيارات الإسلامية»، مشيرا إلى أن «الميليشيات المتطرفة استغلت ألوف الشبان، غالبيتهم من مصراتة، من أجل خوض حروب خاصة بها خلال الأعوام الأخيرة، وهذا الأمر اتضح الآن ونعمل على عدم تكراره... ما نحن فيه حقا هو القيام بتهدئة شاملة بين المدن والقبائل في المنطقة الغربية، باستثناء بعض الأعمال الإجرامية، مثل إغلاق طريق هنا وآخر هناك».
أيضاً، يتحدث العسكريون الليبيون الذين يترددون على القاهرة عن أن الحل، انطلاقا من مؤسسة الجيش، أمر ممكن... «كان الأمر قابلا للتحقق حين أوقف ضباط في الجيش - بغض النظر عن انتمائهم لحفتر أم لا - الاحتراب بين مدن عدة في الغرب، كما حدث في الزاوية وورشفانة والزنتان. هذا الأمر الجديد أصبح واضحا على الأرض منذ العام الماضي، إلا أنه لم يتم تطويره والبناء عليه بشكل إيجابي؛ لأن المناكفات السياسية بين البرلمان والمؤتمر الوطني (البرلمان السابق) تلقي بظلالها على الأوضاع».
في هذه الأثناء، في الخلفية، يقوم تيار وطني يضم عناصر قبلية وناشطين من مناطق غرب ليبيا، بدور مهم من وراء الستار، من أجل إنجاح محاولات توحيد الجيش في مؤسسة قوية. ويقول أحد عناصره، وكان برفقة ضباط وصلوا أخيرا للعاصمة المصرية: «طبعا الحوار الذي نؤيده ونسهل له الطريق، يستفز التيارات المتشددة في ليبيا. وكان من آخر التداعيات التي تُشير إلى فاعلية التيار الوطني، الهجوم من جانب المتشددين على المجلس البلدي في مصراتة». ويضيف: ومع هذا لن نتوقف عن العمل؛ لأن علاقتنا جيدة بجميع الأطراف، سواء في المجلس الرئاسي، أو مجلس الدولة، أو المؤتمر الوطني، أو البرلمان. لقد فتحنا أبوابا كثيرة خلال وقت قصير.
مما أثمرت عنه لقاءات القاهرة، إعادة الجانب المصري لفتح خط الطيران الجوي بين مطار مدينة مصراتة ومطار برج العرب، لكن مع استمرار شرط مراجعة وثائق السفر في مطار الأبرق الموجود في الشرق لليبي، ويخضع لسلطات برلمان صالح وجيش حفتر. وبنظرة من قرب، من السهل أن تلاحظ وجود استعدادٍ للحوار بين أطراف رئيسية لم يكن من المتصوّر، حتى وقت قريب أن تجلس معا في غرفة واحدة.

لقاء صالح والسويحلي
من ناحية أخرى، مع أنه لم تخرج عن لقاء روما بين صالح والسويحلي نتائج ذات شأن، إلا أن لقاء الرجلين، يُنظر إليه باعتباره يعكس القدرة على التواصل بين زعماء الشرق وزعماء الغرب. ويقول جنرال ليبي، وهو يهم بمغادرة الفندق للعودة إلى بلاده مع مجموعة من معاونيه: اليوم هناك تحولات في الموقف السياسي لكثير من الشخصيات التي لم تكن ترضى بأي حوار مع الأطراف في الشرق. ويضيف: لم يستطع أحد الاستفادة من الإقصاء المتبادل. ويتابع: «اليوم، نحن نقول لخليفة حفتر، لا تطلب الشرعية من البرلمان. ولكن اطلبها من ضباط القوات المسلحة في المدن الليبية، من خلال حوار عسكري، وأن تعلن أن المؤسسة العسكرية لا علاقة لها بالسياسة، وأنها ستحترم رغبة الشعب الليبي عند إجراء الانتخابات، وأن يقول حفتر إنه ملتزم بأن يكون تحت السلطة السياسية حين يكون هناك دستور دائم للدولة، وأن يأتمر الجيش الوطني بأمر السلطة السياسية».
ويقول عقيد في الجيش الليبي من طرابلس أثناء مشاركته في لقاء آخر بالقاهرة «أبناء المؤسسة العسكرية في ليبيا لديهم احترام لبعضهم بعضا. ويمكن للحوار أن يثمر بين حفتر والضباط الكبار في المناطق العسكرية، مثل (كتلة مصراتة) وما حولها، و(كتلة ورشفانة) وما حولها، و(كتلة طرابلس) وما حولها، و(كتلة الزاوية)، و(كتلة جيل نفوسة والزنتان) وما حولها، و(كتلة المنطقة الجنوبية الغربية والجنوبية الوسطى)، مثل سبها وبراك الشاطئ». ويضيف أن «مراكز الثقل العسكرية الرئيسية هي، في الحقيقة، مجرد أربع أو خمس مراكز، وأعتقد أن إقامة حوار عسكري يحدد قيادة عسكرية جامعة توافقية، أفضل من النظام الهرمي. هذا هو المناسب لليبيا؛ لأن ليبيا دولة شاسعة. دول أخرى تعمل وفقا لنظام الجيوش... لكن القذافي كان يخدم بنظام المناطق العسكرية؛ لأن المناطق العسكرية هي الأنسب لدينا»، مشيرا إلى أنه «من الخطأ توحيد المؤسسة العسكرية بقرارات سياسية؛ لأنه حتى الآن لا يوجد طرف سياسي جامع يمكن الاتفاق عليه. الأمن أصبح مطلبا أول لليبيين قبل السياسة وقبل الاقتصاد».

بوادر حسن نية
وفيما يعد بوادر حسن نية من جانب قطاع من عسكريي المنطقة الوسطى والغربية والمعروفين بأنهم خصوم الجنرال حفتر، جرى رفض تحريك القوات في نطاق نفوذ الجيش الوطني، والابتعاد عن خطوط التماس مع رجال حفتر. أما أهم ثلاث نقاط بدت من لقاءات العسكريين الليبيين في القاهرة حتى الآن، فهي كالتالي:
الأولى، بذل جهود حثيثة وغير مسبوقة من جانب العسكريين لاستعادة مؤسسة الجيش وتوحيدها، على أن يبدأ ذلك بتشكيل لجنة من سبعة ضباط للتحضير لحوار واسع. وهذا أمر لا يتعارض مع تطلعات الأمم المتحدة واتفاق الصخيرات ودول الجوار. والثانية، دعم الحراك الوطني المدني المؤيد لحوار قيادات الجيش، وهو الحراك الذي يتمركز في غرب ليبيا، ويرفض استخدام المجاميع المسلحة في حروب ضد مدن أو قبائل. والثالثة، استقطاب الجناح المعتدل في التيار الإسلامي، واستبعاد المتشددين و«جناح الصقور» الذي يريد إطالة عمر الميليشيات على حساب إيجاد مؤسسة عسكرية قوية وموحدة بغض النظر عن اسم من يقودها.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.