إردوغان ونيجيرفان بارزاني بحثا التعاون ضد «الكردستاني» في سنجار

الرئيس التركي جدد التأكيد على عدم استهداف «البيشمركة»... وتلميحات إلى عملية برية

صورة وزعتها الرئاسة التركية لإردوغان لدى استقباله نيجيرفان بارزاني أمس
صورة وزعتها الرئاسة التركية لإردوغان لدى استقباله نيجيرفان بارزاني أمس
TT

إردوغان ونيجيرفان بارزاني بحثا التعاون ضد «الكردستاني» في سنجار

صورة وزعتها الرئاسة التركية لإردوغان لدى استقباله نيجيرفان بارزاني أمس
صورة وزعتها الرئاسة التركية لإردوغان لدى استقباله نيجيرفان بارزاني أمس

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع رئيس وزراء كردستان العراق نيجيرفان بارزاني سبل التعاون في القضاء على وجود عناصر حزب العمال الكردستاني في سنجار شمالي العراق. وقالت مصادر دبلوماسية تركية لـ«الشرق الأوسط» إن إردوغان أكد لبارزاني خلال لقائهما في قصر «ما بين» الرئاسي في إسطنبول أمس، مجددا، أن تركيا لم تستهدف بقصفها لجبل سنجار الثلاثاء الماضي، قوات البيشمركة وأنها ترغب في استمرار التنسيق والتعاون مع حكومة كردستان في هذا الشأن.
ويشارك بارزاني إلى جانب وزير الموارد الطبيعية في كردستان العراق أشتي هاورامي في مؤتمر المجلس الأطلسي للأمن والطاقة في إسطنبول.
وأضافت المصادر أن إردوغان شدد خلال اللقاء على أن تركيا لن تسمح بقيام قاعدة ثانية للعمال الكردستاني في جبل سنجار على غرار جبال قنديل في شمال العراق.
وذكرت وسائل إعلام قريبة من الحكومة التركية أمس أن أنقرة تتطلع إلى دعم أربيل للضربات التي تنفذها في سنجار وأن اللقاء ين إردوغان وبارزاني بحث فرص القيام بعملية برية في أعقاب الحملات الجوية التي تشنها المقاتلات التركية لتدمير مواقع ومخابئ عناصر العمال الكردستاني في سنجار.
وكانت صحيفة «يني شفق» القريبة من الحكومة كشفت مؤخرا عن أن الجيش التركي يخطط لعملية برية باسم «درع دجلة» في سنجار، على غرار عملية درع الفرات» التي نفذها في شمال سوريا في الفرتة ما بين أغسطس (آب) 2106 ومارس الماضي والتي استهدفت تنظيم داعش الإرهابي ووحدات الشعب الكردية في الوقت نفسه. وتهدف العمليات التي تنفذها تركيا في سنجار بالدرجة الأولى إلى قطع الاتصال بين سنجار وجبال قنديل، قاعدة العمال الكردستاني في شمال العراق، إضافة إلى قطع الطريق بين عناصر العمال الكردستاني في شمال العراق ووحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا.
وكان سلاح الجو التركي شن غارات، الثلاثاء الماضي، على مواقع للعمال الكردستاني في جبل سنجار شمالي العراق، وأخرى لوحدات حماية الشعب الكردية في جبل «قره جوخ» شمال شرقي سوريا وأعلن الجيش التركي تحييد نحو 70 من عناصرهما كما قتل 5 من عناصر البيشمركة وأصيب 9 آخرون.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مساء الثلاثاء، أن الغارات التركية على مناطق شمال العراق لا تستهدف قوات البيشمركة، معربا عن أسفه لمقتل بعض عناصرها في القصف. وقال إردوغان «إن الغارات لم تستهدف البيشمركة، ولم يكن من المفترض وجود عناصر منهم في النقاط المستهدفة، لا سيما أننا أبلغنا رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، والولايات المتحدة، وروسيا قبل الغارات». وتابع: «تم إبلاغ تركيا بعد الغارات بمقتل 5 أو 6 عناصر من البيشمركة، بالطبع هذا أمر غير مرغوب فيه، شعرنا بالأسف لحدوث ذلك على الرغم من أننا أبلغناهم بالغارات مسبقا».
وكانت حكومة بغداد نددت الثلاثاء بالغارات الجوية التركية على شمال العراق وقال المتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي في بيان إن «الحكومة العراقية تدين وترفض الضربات التي تقوم بها الطائرات التركية على الأراضي العراقية وتعتبرها انتهاكا للقانون الدولي والسيادة العراقية وتؤثر سلبا على جهود العراق والمجتمع الدولي في الحرب على الإرهاب».
بدورها، أعلنت وزارة البيشمركة في كردستان العراق أن القصف التركي قرب جبل سنجار «غير مقبول».
وذكرت وزارة البيشمركة في بيان أن قصف البيشمركة من قبل المقاتلات التركية، غير مقبول. وعزت الوزارة في بيانها حدوث هذه المشاكل إلى وجود حزب العمال الكردستاني في المنطقة، داعية مسلحي الحزب «إلى الانسحاب من جبل سنجار وتمكين إعادة الحياة إليه».
وفي اليوم التالي للقصف، نقل القنصل التركي في أربيل محمد عاكف تعهد حكومة أنقرة بعدم تكرار خطأ قصف المقاتلات التركية لمواقع قوات البيشمركة الكردية في سنجار خلال زيارته لوزير البيشمركة الأربعاء، حيث عبر عن أسفه لقصف موقع لقوات البيشمركة ومقتل عدد من المقاتلين، وقدم تعازيه باسم الحكومة التركية، معربا عن استعداد الحكومة التركية لتقديم العلاج الطبي للجرحى. من جهته شكر الوزير الكردي موقف تركيا، مشيرا إلى أن قوات البيشمركة قوات نظامية قانونية تقاتل إرهابيي «داعش» مع قوات التحالف، وقدمت مئات الشهداء، مؤكدا وجوب عدم تكرار مثل تلك الحوادث.
كما أعرب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم عن حزنه وتعازيه في اتصال مع رئيس إقليم كردستان مسعود الأربعاء وشدد على مواصلة بلاده التعاون مع الإقليم في محاربة الإرهاب خلال الفترة المقبلة أيضاً.



الخريطة... والحرب

يهدف التدمير الإسرائيلي إلى إعادة هندسة خريطة قطاع غزة كي تتناسب مع أهداف تل أبيب العسكريّة وتسهيلها (رويترز)
يهدف التدمير الإسرائيلي إلى إعادة هندسة خريطة قطاع غزة كي تتناسب مع أهداف تل أبيب العسكريّة وتسهيلها (رويترز)
TT

الخريطة... والحرب

يهدف التدمير الإسرائيلي إلى إعادة هندسة خريطة قطاع غزة كي تتناسب مع أهداف تل أبيب العسكريّة وتسهيلها (رويترز)
يهدف التدمير الإسرائيلي إلى إعادة هندسة خريطة قطاع غزة كي تتناسب مع أهداف تل أبيب العسكريّة وتسهيلها (رويترز)

خريطة طريق. خريطة للبحث عن الكنز المدفون. خريطة ذهنيّة في عقل ووعي الإنسان تساعده على التموضع في محيطه الجغرافيّ، كما تساعده على تحديد مكان وجود أعضاء جسمه بإحداثيات ثلاثية الأبعاد كي تنتظم حركته. يوجّهنا النجم القطبي إلى الشمال الجغرافيّ. وترقص إبرة البوصلة دائماً باتجاه الشمال المغناطيسيّ. يتمثّل هوس الإنسان في نقل الصورة الذهنيّة إلى واقع مرئي وملموس إذا أمكن. نتج مفهوم المعادلة الصفريّة (Zero Sum game) في الحروب خلال الصراع على الأرض إبان وبعد الثورة الزراعيّة. ما تربحه أنت، أخسره أنا، والعكس صحيح. الأمر الذي أدّى إلى تكوّن مبدأ «المعضلة الأمنيّة» بين الدول (Security Dilemma).

في عام 1494 ساهم البابا ألكسندر السادس في توقيع معاهدة «تورد سيلاس» بين البرتغال وإسبانيا. وبموجب هذه المعاهدة رُسمت خطوط على الكرة الأرضيّة تقسّم العالم بين الإمبراطوريّتين. صدف أن مرّ أحد الخطوط الطوليّة في أميركا الجنوبيّة ليضع البرازيل الحاليّة تحت سيطرة البرتغال. أما باقي دول الجنوب فكانت تحت السيطرة الإسبانيّة. هكذا غيرت الخريطة الأدوار الجيوسياسيّة للدول المعنيّة. تعوق الثقافة كما الموانع الجغرافيّة البرازيل من لعب دور مهم في محيطها. لذلك تبحث البرازيل دائماً عن دور بعيد عن القارة الأميركيّة، وخاصة أن قدرها مرتبط مباشرة بإرادة العم سام في الشمال. هكذا هي قدريّة الخريطة.

قسّمت الخريطة المشرق العربيّ إلى مناطق نفوذ في عام 1916 مع سايكس وبيكو. في عام 2011 أصدر الكاتب الإنجليزي جيمس بار كتاباً تحت عنوان «خط في الرمل» (A Line in the Sand)، يقول فيه ما معناه إن السير مارك سايكس الإنجليزي طلب أن يكون هناك خطّ مرسوم في رمال الصحاري يصل عكّا في فلسطين، بمدينة كركوك في العراق، على أن يكون تحت السيطرة الإنجليزيّة. والسبب بالطبع هو الثروة النفطيّة. في ذلك الوقت كانت البحريّة الإنجليزيّة والتي كانت تهيمن على محيطات وبحار العالم، تُحدّث نفسها بالانتقال من استعمال المحرّك البخاري إلى استعمال المحرّك الانفجاري الداخلي (Internal Explosion Engine).

الخريطة

يرجع أصل كلمة الخريطة إلى اللغة اللاتينيّة (Mappa)؛ أي المنديل أو قطعة قماش كانت تستعمل لبدء المباريات. بعدها تطوّرت الكلمة لتصبح جملة «Mappa Mundi»؛ أي خريطة العالم المُكتشف والمعروف آنذاك. عندما ننظر إلى الخريطة، يتكوّن في عقلنا صورة العالم والأمكنة المرسومة. تساعدنا الخريطة على فهم المساحة وعلاقتها بالوقت، ولكل خريطة المقياس الخاص بها. تختصر الخريطة العالم بكل أبعاده؛ الجغرافيّة، الطوبوغرافيّة كما الديموغرافيّة. تحدّد الخريطة الحدود السياسية بين البلدان، فتنتج بذلك القوانين الدوليّة كما مفهوم السيادة. هناك خرائط سياحيّة، كما خرائط للثروات الطبيعيّة. والأخطر عادة هو الخرائط العسكريّة، والتي بطبيعتها تُجرّد الإنسان من إنسانيّته (Dehumanize) فتبرّر قتله دون تردّد أو ندم. في فيتنام مثلاً، أصدر الجيش الأميركي خرائط تصنّف أمكنة معيّنة على أنها مناطق «قتل». بكلام آخر، كل شيء يتحرّك داخل هذه المناطق، هو هدف لا بد من تدميره. تبسّط الخريطة الوقائع والتعقيدات في كل أبعادها، فتحوّلها إلى رموز وخطوط.

تساعد الخريطة القائد العسكريّ على رسم خطوط المناورة لحربه. فيوزّع عليها القوى الصديقة كما القوى العدوّة. لتتحوّل بذلك الحرب إلى فكرة في عقل القائد، فيستسهل خوضها بعيداً عن تعقيدات الواقع الماديّ. اعتمد القادة قديماً صندوقة الرمل لإسقاط (Projection) الخريطة عليها بأبعادها الثلاثة بهدف تسهيل عملية التخطيط للحرب. حالياً، يعتمد القادة العسكريون العالم الرقمي في لعبة الحرب، لتتحولّ صندوقة الرمل القديمة إلى عملية تفاعليّة (Interactive).

حرب غزّة

غيّرت «حماس» هندسة وخريطة القطاع، فبنت شبكة من الأنفاق فقط لتعقيد مهمّة الجيش الإسرائيليّ. يسعى الجيش الإسرائيليّ في المقابل إلى تدمير القطاع (Tabula Rasa)، خاصة ما هو فوق الأرض، وذلك بهدف الوصول إلى ما تحتها. إذاً، يهدف التدمير إلى إعادة هندسة خريطة القطاع كي تتناسب مع أهدافه العسكريّة وتسهيلها. ابتكر الجيش الإسرائيليّ خرائط جديدة ليتواصل مع الغزيّين فيما خصّ إخلاء المناطق التي ينوي مهاجمتها. لكنه تجاهل أن الوسيط (Medium) الرقمي بينه وبين الغزيّين والذي من المفروض أن يُعمّم هذه الخرائط على سكان غزّة، هو وسيط ميت، وذلك في ظلّ غياب الإنترنت، والكهرباء. وفي انتظار نهاية المأساة في قطاع غزّة. فهل يحقّ لنا التفكير في مستقبل خرائط المنطقة ككلّ؟