مجلة رابطة الكتاب السوريين: ملف عن «وعي الثورة» ودراسات ومواد إبداعية

غلاف المجلة
غلاف المجلة
TT

مجلة رابطة الكتاب السوريين: ملف عن «وعي الثورة» ودراسات ومواد إبداعية

غلاف المجلة
غلاف المجلة

أصدرت رابطة الكتاب السوريين العدد الثالث من مجلة «أوراق» متضمنا مجموعة من الدراسات الفكرية والسياسية والنظرية، وملف العدد، ومجموعة من المقالات والدراسات الأدبية وجديد إنتاج عدد من الكتاب السوريين والعرب في القصة والسرد والشعر والرأي والأدب الساخر، وحصاد الوضع السوري في ظل استمرار الحملة الشرسة التي يشنها النظام على الشعب السوري.
كتب الدكتور صادق جلال العظم مصدرا العدد: «منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في سوريا تحول ياسين الحاج صالح إلى أبرز شخصية سياسية - ثقافية - فكرية تغوص تحت الأرض وتبحث بمذكراتها الدورية من قبو ما في العالم السفلي. لكن بخلاف رجل القبو الروسي دوستويفسكي، غير معروف الاسم وفارض العزلة على نفسه بنفسه، فإن اسم ياسين معروف جيدا جدا وهو لم يفرض أية عزلة طوعية على نفسه للحظة واحدة».
أما الشاعر فرج بيرقدار، فكتب في الملف نفسه: «ياسين الحاج صالح؟! يصعب على مثلي أن يقدم عنه شهادة موضوعية، وذلك لاعتبارات كثيرة، أولها أن شهادتي مجروحة... فأنا متعاطف معه سلفا كسجين رأي سابق، ومتعاطف معه ككاتب، وأيضا كصديق، أو ربما كفرد من أسرتي. هناك تشابه بين أسرتينا على أكثر من صعيد، بما في ذلك كثرة المعتقلين السياسيين من كل أسرة، مع رجحان الكفة لصالح أسرة ياسين، إذ لم تعتقل سلطات الأسد من أسرتي سوى ثلاثة إخوة من أصل ستة..»..
وتحت عنوان «على كوكب الأمير السجين» كتب أحمد عمر أن ياسين الحاج صالح أرخ في «وقائع أساسية» لأهم المراحل أو للتغييرات في دزينة وثلث من السنين، على كوكب السجن الذي يقع خارج مجرة درب التبانة: العصر البرونزي في حياة ياسين، العصر النحاسي في حياة ياسين، العصر الحديدي في حياة ياسين، ثم اكتشاف النار، وبداية عصر التدوين والقراءة في صيدنايا التي تقع في المجموعة الشمسية.
وعرض المفكر العربي عزمي بشارة مجموعة من الأفكار والأسئلة بشأن المأزق والآفاق للمشروع الوطني الفلسطيني، فقال: «كي نكون قادرين على إطلاق حكم قيمي واضح على ما يجري في بلادنا بشأن قضية فلسطين، لا بد من تنقية الطاولة من كل المصطلحات والطبقات المتراكمة التي خلفتها الهيمنة الصهيونية على الخطاب السياسي بشأن فلسطين، وصراعات الآيديولوجيات والأنظمة العربية، والمفاوضات السياسية، وإسقاطات صراعات الهوية والتاريخ في أوروبا وأميركا بشأن المسألة اليهودية علينا، وغير ذلك كثير. عندها يمكننا أن نرى قضية فلسطين كقضية شعب سلب وطنه، وهجر من أرضه».
عن الألم السوري، كتب دارا عبد الله: «سوء التغذية وقلة الهواء وعدم وجود أشعة الشمس، يمنع التئام الجروح في فروع المخابرات، أي جرح حتى ولو كان بسيطا سيتعفن ويلتهب. أبو سمير مقاتل مسلح من (الجيش الحر) في مدينة دوما بريف دمشق، تم تحويله إلى فرع الخطيب بعد انتهاء التحقيق. الجرح عميق في قدمه اليمنى، والطعن بحربة الكلاشنيكوف تم بإصرار وبرود وصبر، كصبر من يحفر بمسمار في قطعة خشب، لم يكن جرحا متولدا من عراك مستعجل أو اشتباك عابر، كان جرحا مدروسا ومخططا له».
وللدكتور مجمد جمال الطحان قراءة في اعتقاله بعد اختطافه من باب البيت: «حين كنت أمد يدي للسلام عليهما، وضعاني في سيارة أجرة، ولم أدرِ إلى أي جهة يتبعان».
تضمن العدد أيضا سردا مسرحيا للكاتب عبد العزيز كوؤدو بعنوان «لحظة صمت» يعرض في زمن الحرب مشهدا عن زمن الحب.
في «صورة القائد العظيم» يسخر خطيب بدلة من زمن لم يكن فيه لا حب ولا حرب، سوى حب القائد العظيم وصوره الأعظم منه، إنه الزمان الذي اختفت فيه الحيطان السورية وراء أكبر ألبوم صور عرفه العالم، ثم جاء ابنه فسقطت الصور مع الحيطان تحت براميل الطائرات الروسية.
هشام الواوي بدأ بحزب الدكان وتوقف عند دكان الحزب: «لم يغير موت رأس النظام من الأمر شيئا، فظلت قسماته حاضرة وممسكة بكل شيء بانتقال السلطة إلى نجله بشار، انتقالا أظهر قلة اكتراث بمؤسسات وهيئات ابتكرها النظام نفسه، بتمزيق إحدى صفحات الدستور، و(التعفيس) و(التعجيق) فوق ظهور أعضاء مجلس الشعب بجعل الرئيس أصغر عمرا من أصغر أعضائه! وبعد نوبات البكاء الجماعي المنتظم على (الزعيم)، المضبوط بإيقاعات (يا شباب العرب هيا، وانطلق يا موكبي)، بقي كل شيء على حاله، فتخثرت نظرات المارة على مشهد وحيد، واعتادت عليه، وتواطأت معه، فاستسلمت له ببرود».
نسرين طرابلسي لا تعرف الاستسلام، والاستسلام لا يعرفها. معظم الشاميات هكذا. إن لم يعترف النظام بأن الثورة السورية ثورة؟! «حسن جدا.. إنها ملحمة، فيها يخرج الناس للرقص والغناء، فيقتلون، فيعاودون الخروج لدفن قتلاهم رقصا وغناء.. فيقتلون. سكابا يا دموع العين سكابا... على شهدا سوريا وشبابا.. إنها رقصة الموج الهادر، معجزة كل القرون، شعب يموت راقصا».
في العدد الثالث من مجلة «أوراق»، أوراق أخرى كتبها راجي بطحيش، محمد جميح، تمام هنيدي، فادي عزام، فراس النجار، رفقة شقور، كريم عبد، وفريق الملف الذي أعده عدي الزعبي وحسام الدين محمد.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.