اللعبة الفنية بين القاتل المأجور والضحية

التنويع على الأمكنة في رواية سالمة صالح «الهاوية»

اللعبة الفنية بين القاتل المأجور والضحية
TT

اللعبة الفنية بين القاتل المأجور والضحية

اللعبة الفنية بين القاتل المأجور والضحية

ليست فكرة القاتل المأجور جديدة، فلقد سبق لنا أن قرأناها في عشرات الروايات البوليسية، كما شاهدناها في عدد غير قليل من الأفلام السينمائية، لكن مقاربة سالمة صالح لهذه الفكرة وتمثلها بعمق فني وفكري في آنٍ معا هي التي قلَبَت الأدوار وغيّرت اشتراطات اللعبة فجعلت القاتل المأجور هدفا للضحية التي كانت تنتظر مصيرها المحتوم.
لم تختر الروائية سالمة صالح كدأبها دائما شخصية مسطحة، تُظهر أكثر مما تخفي، بل انتقت شخصية معقدة جدا لا تبوح حتى باسمها الحقيقي في بعض الأحيان، وأكثر من ذلك فإنها قد اختارت لبطل الرواية حسن التمّار ملامح النتوء البارز من جبل الجليد الذي يخفي في الأعماق تسعه أعشاره ولا يجد حرجا في أن يموّه العُشر البارز ببعض الخصائص الغامضة التي تُبعد أوجه الشبه بما يُحيل إليه أو يدلل على شخصيته التي أخفاها ذات مرة تحت اسم «صادق البغدادي»، كما أنكر، غير مرة، أن تكون الصورة المنشورة مع المقالات المذيّلة باسمه هي صورته الشخصية. فالكل واهمٌ ومشتبِهٌ وهو الوحيد الذي يقف على أرض صلبة.

* الشخصية الوجودية
يمكن القول، ببساطة شديدة، بأن شخصية حسن التمار هي شخصية لا منتمية إلى الواقع العراقي رغم أنها منبثقة من أفقر أحيائه الشعبية فهو الصبي الخامس لأسرة فقيرة سوف يصبح تعداد أولادها سبعة، لكنه سيشذّ عنهم جميعا حين يكتشف لذة القراءة مبكرا ويجد متعة كبيرة في الكتب التي يقرأها لكُتّاب معروفين أمثال دستويفسكي، إيتماتوف، وليم فوكنر، دينو بوزاتي، كولن ولسون، أندريه جيد، ألان باتون، فانتيلا هوريا، الجاحظ، سيبوبه، محمد الأنطاكي، الشافعي وغيره من المبدعين الذين حفروا أسماءهم في الذاكرة الجمعية للناس.
لم يكن حسن التمار لا منتميا فقط، وإنما كان شخصا وجوديا بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى، فهو يريد أن يصبح حُرا في تفكيره وإرادته واختياره، ولكن هل يسمح المجتمع العراقي بإتاحة هذا النمط من الحريات في بلد تُحصي سلطاته أنفاس المثقفين المعارضين على وجه التحديد؟ لم يُرِد حسن التمّار من أبيه أن يُرشِده أو يوجّهه حين يكرر جملته التي تأبدت على لسانه: «لا تضيّع وقتك فيما لا نفع فيه. فكّر بمستقبلك»، فهو يستطيع أن يُحدد لوحده النافع من الضار، ويعرف جيدا الطريق المُفضية إلى مستقبله من دون توجيه من أب أو سلطة أو مجتمع.
ورغم حريته الشخصية، وإرادته القوية التي لا تلين فإنه شعر بالخيبة أو الانكسار الداخلي الذي تلمسناه في القصيدة الأولى التي قرأها لأصدقائه في مقهى الخفافين وهي قصيدة ذاتية تتمحور حول التيه والضياع والانحدار إلى الهاوية! يا تُرى، هل أن حسن التمّار هو شخصية «لا سيزيفية» بمعنى من المعاني؟ وهل هو مستلَب ومُصادَر إلى هذه الدرجة بحيث لا يفكر إلا بالهبوط صوب الهاوية؟
لم يُدرك حسن التمّار طبيعة ألمه، ولم يعرف فداحة وجعه ما لم ينتبه إلى معاناة غوركي التي وصفها بـ«الألم الكوني» و«الشعور بأن العالم لا يُطاق، ولا سبيل إلى إصلاحه». لم يكن التمّار عاطلا عن العمل، فقد تخرج للتو من الجامعة، وحصل على وظيفة محرر في صحيفة «المساء»، وبدأ ينشر تحقيقاته بشكل منتظم، كما كان يكتب الشعر كلما دهمته قصيدة على غير موعد. لم تكن حياته خالية من الأصدقاء تماما فلديه مالك القسري، ورياض عبد الرحيم، وهشام عبد الله وقتيبة الجراح ومصطفى الجابر، وسوف تفتح لاحقا زميلته الصحافية رجاء كوّة أضاءت جانبا من حياته العاطفية التي تكاد تخلو تماما من النساء!
لقد شعر التمّار باليأس، والخواء الفكري، وبالعجز الذاتي إزاء تغيير العالم لذلك باع روحه للشيطان مثلما فعل فاوست تماما، واتفق مع رضوان، القاتل المأجور على وضع حد لحياته من دون أن يترك أثرا أو دليلا جنائيا ضده. وقبل أن يتيح لهذا القاتل المأجور فرصة قتله برصاصة مسدس كاتمٍ للصوت كُلف التمار بالسفر إلى ميسان لإجراء تحقيق صحافي عن هروب جماعي من مستعمرة الجذام الأمر الذي أربك رضوان قليلا وجعله يعيد حساباته في المنهاج الجديد الذي تحصّن به الضحية كي يدرأ عنه غائلة الموت التي حاصرت شخصيته المنشطرة التي يريد نصفها أن يحيا، بينما يريد النصف الآخر أن يَلقى حتفه لأنه لم يستطع أن يُسقط وزارة أو يبدّل حكومة في بلده أو يغيّر جزءا من هذا العالم.

* مستعمرة الجُذام
يلعب التنويع على الأمكنة دورا مهما في إثراء النص الروائي سواء أكان هذا التنويع داخل بغداد حيث تنتقل شخصيات الرواية من مقهى الخفافين إلى مقهى حسن عجمي أو نجمة الصباح أو سواها من مناطق عمل بعض الشخصيات الرئيسة مثل التمّار الذي يعمل في جريدة المساء أو القاتل المأجور رضوان الذي يتواجد في موقف السيارات أو غيره من الشخصيات الموزعة في أرجاء العاصمة. غير أن الالتفاتة الذكية للروائية سالمة صالح تتمثّل بإرسال التمّار إلى مستعمرة الجذام في ناحية البتيرة التابعة لمحافظة ميسان حيث يُتاح له أن يراجع حياته ويتأملها من جديد، ثم يمضي في رحلته إلى البصرة قبل أن يقفل راجعا إلى بغداد كي يواجه قاتله المأجور رضوان.
لا يقتصر الانشطار على شخصية التمّار وإنما يتعداه إلى رضوان، أو بالأحرى قاسم مطر، الذي تستّر بهذا الاسم الذي ناداه به صاحب العمل خطأ وتقبله من دون أن يعقّب عليه. فقد قرر رضوان أن يقبل بهذه التسمية إلى أن يحين الأوان لتغييرها ويستعيد اسمه الحقيقي.
يحاول التمار جاهدا العثور على رضوان لكنه يفشل، فلم يعد يتردد إلى مقهى نجمة الصباح، ولم يذهب إلى موقف السيارات وكأن السحر قد انقلب على الساحر وبات هو الضحية المطاردة فيما أصبح التمار قاتلا غير مأجور!
لقد ذهب التمّار إلى شقة رضوان وانتظره هناك لكن النوم غالبه، وحين أيقظه صوت المصعد انتفض فزعا ووضع سبابته على زناد المسدس لتنتهي الرواية عند هذا الحدث المفتوح فلقد صرّح من قبل بالفم الملآن أنه لا يريد أن يموت، يا ترى، هل أن الكوّة الصغيرة التي فتحتها رجاء قد أعادت شدّهُ إلى الحياة مجددا رغم مناخها المُعتم، وفضائها القمعي الذي يجرّد الإنسان من إنسانيته وحريته وإرادته الوجودية التي أشرنا إليها سلفا؟

* التمّار شاعرا
لا شك في أن القصائد الثلاث التي وردت في متن جميلة ومعبرّة وهي تحيل بشكل أو بآخر إلى أجواء الشعراء الستينيين الذين كانوا يكتبون هذا النمط من القصائد النثرية التي تنطوي على مضامين كونية لا تختلف كثيرا عن الألم الكوني الذي كان يعاني منه شاعر الرواية وبطلها حسن التمّار الذي قد يكون قريبا من شخصية شريك حياتها، الشاعر والروائي فاضل العزاوي.
رواية «الهاوية» تتضمن أيضا الكثير من الموضوعات الآسرة التي تجذب القارئ بسبب غرابتها وفحواها الإنساني كما هو الحال في التقرير الذي كتب عن مدينة آسيوية يحملن فيها النساء الآسيويات نيابة عن جميلات السينما وبعض الثريات في هذا العالم اللواتي يتفادين بالنقود «تشويه» بطونهنّ الضامرة حتى لا يفقدن جمالهن، كما أشرنا سلفا إلى مستعمرة الجذام وما تنطوي عليه من تحريك للمشاعر الإنسانية التي تتفاعل مع هذه الثيمة المؤثرة التي أوجزتها الكاتبة بعبارات مكثفة، مركزة، لا تحتمل الترهل والتطويل.



ديمي مور «في حالة صدمة» بعد فوزها بأول جائزة تمثيل خلال مسيرتها

مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)
مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)
TT

ديمي مور «في حالة صدمة» بعد فوزها بأول جائزة تمثيل خلال مسيرتها

مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)
مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)

حصلت الممثلة ديمي مور على جائزة «غولدن غلوب» أفضل ممثلة في فئة الأفلام الغنائية والكوميدية عن دورها في فيلم «ذا سابستانس» الذي يدور حول ممثلة يخفت نجمها تسعى إلى تجديد شبابها.

وقالت مور وهي تحمل الجائزة على المسرح: «أنا في حالة صدمة الآن. لقد كنت أفعل هذا (ممارسة التمثيل) لفترة طويلة، أكثر من 45 عاماً. هذه هي المرة الأولى التي أفوز فيها بأي شيء بصفتي ممثلة»، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

الممثلة ديمي مور في مشهد من فيلم «ذا سابستانس» (أ.ب)

تغلبت الممثلة البالغة من العمر 62 عاماً على إيمي آدمز، وسينثيا إيريفو، ومايكي ماديسون، وكارلا صوفيا جاسكون وزندايا لتفوز بجائزة أفضل ممثلة في فيلم موسيقي أو كوميدي، وهي الفئة التي كانت تعدّ تنافسية للغاية.

وقالت مور في خطاب قبولها للجائزة: «أنا في حالة صدمة الآن. لقد كنت أفعل هذا لفترة طويلة، أكثر من 45 عاماً. هذه هي المرة الأولى التي أفوز فيها بأي شيء بصفتي ممثلة وأنا متواضعة للغاية وممتنة للغاية».

اشتهرت مور، التي بدأت مسيرتها المهنية في التمثيل في أوائل الثمانينات، بأفلام مثل «نار القديس إلمو»، و«الشبح»، و«عرض غير لائق» و«التعري».

وبدت مور مندهشة بشكل واضح من فوزها، وقالت إن أحد المنتجين أخبرها ذات مرة قبل 30 عاماً أنها «ممثلة فشار» أي «تسلية».

ديمي مور تحضر حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب» الـ82 في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا (رويترز)

وأضافت مور: «في ذلك الوقت، كنت أقصد بذلك أن هذا ليس شيئاً مسموحاً لي به، وأنني أستطيع تقديم أفلام ناجحة، وتحقق الكثير من المال، لكن لا يمكن الاعتراف بي».

«لقد صدقت ذلك؛ وقد أدى ذلك إلى تآكلي بمرور الوقت إلى الحد الذي جعلني أعتقد قبل بضع سنوات أن هذا ربما كان هو الحال، أو ربما كنت مكتملة، أو ربما فعلت ما كان من المفترض أن أفعله».

وقالت مور، التي رُشّحت مرتين لجائزة «غولدن غلوب» في التسعينات، إنها تلقت سيناريو فيلم «المادة» عندما كانت في «نقطة منخفضة».

وأضافت: «لقد أخبرني الكون أنك لم تنته بعد»، موجهة شكرها إلى الكاتبة والمخرجة كورالي فارغيت والممثلة المشاركة مارغريت كوالي. وفي الفيلم، تلعب مور دور مدربة لياقة بدنية متقدمة في السن على شاشة التلفزيون تلتحق بنظام طبي غامض يعدها بخلق نسخة مثالية من نفسها.