تجربة حلب في انتظار إدلب إثر استهداف 11 منشأة طبية

أعنف حملة قصف روسي للمحافظة... وحقوقي: التكتيك هدفه تشريد المدنيين

أعمدة الدخان تتصاعد من نقطة طوارئ في قرية معرزيتا بمحافظة إدلب أمس بعد قصف من الطيران الروسي تسبب بمقتل 4 من الطاقم الطبي (رويترز)
أعمدة الدخان تتصاعد من نقطة طوارئ في قرية معرزيتا بمحافظة إدلب أمس بعد قصف من الطيران الروسي تسبب بمقتل 4 من الطاقم الطبي (رويترز)
TT

تجربة حلب في انتظار إدلب إثر استهداف 11 منشأة طبية

أعمدة الدخان تتصاعد من نقطة طوارئ في قرية معرزيتا بمحافظة إدلب أمس بعد قصف من الطيران الروسي تسبب بمقتل 4 من الطاقم الطبي (رويترز)
أعمدة الدخان تتصاعد من نقطة طوارئ في قرية معرزيتا بمحافظة إدلب أمس بعد قصف من الطيران الروسي تسبب بمقتل 4 من الطاقم الطبي (رويترز)

تصاعدت تحذيرات المعارضة السورية، أخيرا، من أن تكرر روسيا سيناريو مدينة حلب في محافظة إدلب، إثر تكثيف القصف الجوي الذي يستهدف المنشآت الطبية في المحافظة، وبلغ عدد المستشفيات المستهدفة 11 مستشفى بحسب ما أفاد الائتلاف الوطني السوري، بموازاة محاولات تقدم النظام البرية في البلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة بريف حماة الشمالي المتاخم لمحافظة إدلب.
وقتل 10 مدنيين بينهم رضيعان، أمس، في غارات قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن «طائرات روسية على الأرجح» نفذتها على مرفقين طبيين في شمال غربي سوريا، متسببة بتضرر حاضنات أطفال. وهذه هي المرة الثالثة التي تتعرض فيها مرافق طبية في محافظة إدلب لضربات جوية منذ السبت الماضي، في ظل تصعيد جوي روسي، هو الأعنف منذ أسابيع.
لكن الجناح السياسي في المعارضة، يجزم بأن تكرار سيناريو حلب في إدلب، صعب أن يتحقق في هذه الظروف. ويقول عضو الائتلاف الوطني السوري خالد الناصر لـ«الشرق الأوسط» إن «الظروف تغيرت، وبات الروس قلقين، ويتخبطون في مواقفهم»، موضحاً أن الدخول إلى حلب «ما كان ليتحقق لولا اتفاق بين الروس والأتراك، وهو الأمر المستبعد في الوقت الحالي، ذلك أنه بعد الضربة الأميركية لمطار الشعيرات، تغيرت الظروف».
ويتابع الناصر أن التصعيد العسكري بالقصف الجوي الروسي في إدلب: «هو محاولة من الروس والنظام لتثبيت المكاسب التي حصلوا عليها في ظل الوضع الدولي المغاير لما كان عليه في وقت سابق»، مستبعداً في الوقت نفسه «أي محاولة من قبل الروس والنظام للتقدم إلى إدلب، على غرار ما حصل في حلب».
وفي حين حمل الائتلاف الوطني السوري كلاً من نظام الأسد، وروسيا وإيران كامل المسؤولية عن الاستهداف المستمر للمشافي والنقاط الطبية، مجدداً تذكير المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والقانونية بمسؤولياتها تجاه هذه الانتهاكات والجرائم، ينظر الحقوقيون إلى التصعيد الروسي على أنه محاولة لـ«تشريد المدنيين» من إدلب. وأكد مدير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» فضل عبد الغني أن الطائرات الروسية استهدفت 8 نقاط طبية في محافظة إدلب خلال شهر واحد، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الرقم «ضخم إذا ما قورن بالواقع الصحي في إدلب»، بالنظر إلى أن المنشآت الطبية الموجودة في المحافظة «لا تلبي بالأصل احتياجات السكان».
وقال عبد الغني إن هذا التكتيك الروسي «يهدف لتشريد المدنيين من المحافظة، كونه يبلغهم برسائل القصف بأنه سيقتحمون المحافظة» التي تعد معقل المعارضة في الشمال، مضيفاً: «الروس يبعثون برسائل عبر القصف تتضمن تحذيرات للمدنيين بأنهم يجب أن يخلوا المنطقة»، لافتا إلى أن هذا التكتيك «هو نفسه الذي استخدمته روسيا والنظام السوري في أحياء حلب الشرقية بعد أن أصبحت المنشآت الطبية مستهدفة، مما يُفقد المدينين فرص النجاة».
ولفت عبد الغني إلى أن القصف الروسي «دمر كثيرا من المعدات الطبية، وبات الوضع الصحي في إدلب كارثياً، حيث خرجت المستشفيات في بعض المناطق عن الخدمة، وبات المرضى ملزمين بالسفر مسافات طويلة، مما يهدد حياتهم بالخطر». كما أشار إلى أن بعض النقاط الطبية الموجودة ضمن المغاور «تعرضت للقصف أيضاً، مما يعني أن أياً ما كانت المنشآت الطبية لم تعد آمنة».
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن «طائرات حربية يرجح أنها روسية استهدفت فجر الخميس بأربع غارات متتالية مستشفى قرب قرية دير شرقي» في ريف إدلب الجنوبي. وأدى القصف إلى تضرر مضخة الأكسيجين في المستشفى وبالتالي انقطاع الأكسجين عن المرضى، ما أودى بحياة «6 مدنيين بينهم رضيعان، كانوا موجودين في العناية المشددة وحواضن الأطفال»، كما أصيب آخرون بجروح بعضهم في حالات خطرة.
وفي وقت لاحق الخميس، استهدفت غارات جوية «يرجح أنها روسية» أيضا، وفق المرصد، نقطة طبية في قرية معرزيتا في ريف إدلب الجنوبي، ما تسبب بمقتل «4 عاملين في الكادر الطبي».
ويأتي استهداف المرفقين الطبيين الخميس بعد يومين من استهداف طائرات «يرجح أنها روسية» محيط مستشفى ميداني في بلدة كفر تخاريم في ريف إدلب الشمالي الغربي ما أدى لخروجه من الخدمة، وفق المرصد.
كما استهدفت طائرات لم يعرف إن كانت روسية أم سوريا السبت مستشفى ميدانياً داخل مغارة في منطقة عابدين، وتسببت أيضا بخروجه من الخدمة وإصابة 5 من أفراد طاقم عمله.
وارتفعت أعداد المستشفيات المستهدفة في إدلب، بحسب الائتلاف الوطني السوري، إلى 11 مستشفى. وقال الائتلاف في بيان أمس: «كانت المشافي ولا تزال هدفاً رئيساً لنظام الأسد والاحتلال الروسي، وقد شهد الشهر الجاري تصاعدا محموماً في استهداف المرافق الطبية، بشكل يبدو مدروساً وممنهجاً، في سياق قصف يستهدف قتل الحياة بالكامل؛ إذ لا يمكن لأحد أن يصنفه خارج إطار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والخرق الكامل لاتفاق الهدنة، ولقراري مجلس الأمن (2268) و(2254)».
وتعرض ريف إدلب الجنوبي الخميس لتصعيد في القصف الجوي، تسبب بمقتل 4 مدنيين، بينهم 3 أطفال في قرية معرشورين، بالإضافة إلى 3 مدنيين هم سيدة واثنان من أطفالها في خان شيخون، إلى جانب طفلتين في قرية سرجة. ولا يزال عدد القتلى مرشحاً للارتفاع نتيجة وجود جرحى في حالات خطرة، فضلا عن مفقودين.
هذا التصعيد، هو الأعنف من قبل الطيران الحربي الروسي على المحافظة، وأسفر عن مقتل وإصابة 20 شخصاً على الأقل. وواصلت الطائرات الحربية استهداف الريف الإدلبي، حيث نفذت مزيداً من الضربات التي استهدفت بلدة بسنقول قرب مدينة أريحا، ومناطق في مدينة جسر الشغور والحلوز والغسانية والعالية بريف جسر الشغور الغربي، وتلة النبي أيوب والتمانعة وخان شيخون بريف إدلب الجنوبي، كما خلفت قتلى في نقطة طبية بمعرزيتا، وفي استهدافها لبلدة معرشورين وقرية سرجة وبقصفها لمشفى الجامعة الطبية السورية بدير الشرقي وفي خان شيخون.
إلى ذلك، أعلنت هيئة الأركان العامة الروسية أن القوات الجوية الفضائية الروسية نفذت في سوريا أكثر من 23 ألف طلعة ونحو 77 ألف ضربة منذ بداية العملية الروسية هناك.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.