«حزب الله» أداة النفوذ السياسي للأسد بعد 12 عاماً على خروج قواته من لبنان

لم تبقَ خريطة التحالفات اللبنانية، المناهضة للوجود السوري في لبنان، على ما كانت عليه قبل 12 عاماً. فتدفق اللاجئين بعد الأزمة السورية، رفع المخاوف من السوريين في لبنان، مما دفع بعض الكتل السياسية إلى المطالبة بفتح قنوات اتصال مع النظام للتنسيق لإعادة اللاجئين، وتلاه تغير في مواقف بعض الكتل السياسية التي فتحت باب العلاقات مع النظام، قبل أن تغلقه مرة ثانية على ضوء الثورة السورية.
ولم تفلح الضغوط التي قادت إلى انسحاب القوات السورية، ومعها النفوذ السياسي السوري في لبنان، بالحفاظ على «المكتسبات السياسية» في مرحلة ما بعد عام 2005. فقد شهد لبنان تغيراً أساسياً في عام 2010 مع زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» آنذاك، والرئيس اللبناني الحالي ميشال عون إلى سوريا، مفتتحاً عهداً جديداً من العلاقات رغم أنه كان من أشد خصوم دمشق، لكنه برّر العلاقات بأنه يعارض سوريا «حين تحتل لبنان»، أما بعد خروجها من لبنان، فإنه يتعاطى معها كعلاقات طبيعية بين دولتين تتمتعان بسيادة.
وسبق زيارة عون، تغير في عام 2009، مع زيارة رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك سعد الحريري دمشق، مفتتحاً عهداً جديداً من العلاقات، سرعان ما تدهورت بين الحريري وسوريا على ضوء الأزمة السورية وإعلان الحريري تأييده للثوار. كما شهدت تغيراً آخر تمثل في تغيير رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط موقفه من دمشق، في عام 2010، قبل أن تتبدل المواقف مرة أخرى بعد الأزمة السورية.
وكان التيار الوطني الحر، وجنبلاط والحريري، من أبرز القوى إلى جانب قوى أخرى في «14 آذار»، التي دفعت لإخراج النفوذ العسكري السوري من لبنان.
غير أن التغييرات التي طرأت على الملف، بعد ثلاث سنوات، تعود إلى «المصلحة الوطنية العليا التي تفرضها، بمعزل عن المصلحة الشخصية»، كما قال وزير العدل الأسبق إبراهيم نجار لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «عندما توليت وزارة العدل في عام 2008، قال لي رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة إن منطق الدولة هو الذي يجب أن يسود، وليس المنطق الشخصي، وبالتالي، مصلحة الدولة تتقدم على كل تلك المصالح».
وقال نجار: «مصلحة الدولة العليا هي التي دفعت الحريري، ومعه 13 وزيراً في حكومته، لزيارة دمشق في عام 2009، ذلك أن سوريا، من الناحية الجغرافية، هي المنفذ الأول للبنان إلى الدول العربية، والمنفذ البري الوحيد على العالم»، مشدداً على أن «منطق الدولة والحسابات الوطنية يتقدم على كل المواقف الأخرى».
وأعرب نجار عن قناعته بأن المواقف الشخصية «لم تتغير كثيراً من النظام السوري بعد 2005»، لافتاً إلى أن دمشق «تركت حزب الله لها في لبنان، تساعده ويساعدها في داخل سوريا، واحتفظت به كحق بالمقاومة ضد إسرائيل رغم أنه لم يحصل ترسيم للحدود بين لبنان وسوريا في الجنوب بشكل نهائي وواضح، بينما تعتبر الأمم المتحدة أن ترسيم الحدود مع إسرائيل تم إنجازه».
واعتبر أن رغم انسحاب الوجود السوري العسكري من لبنان «لكن بقي له حلفاء في الداخل اللبناني فاعلون ومؤثرون، وبقيت لهم حيثية»، في إشارة إلى «حزب الله».
وقال نجار: «بقي السوريون مع حلفائهم في لبنان. ورغم أن قدرة التأثير في الحياة السياسية اللبنانية تراجعت إلى حد ما ظاهرياً، فإنه في الواقع ثمة تنسيق كامل ووثيق بين الحزب ودمشق».
وتراجع التأثير السوري في لبنان بشكل كبير منذ بدء الثورة السورية. وعما إذا كان يعتقد أن رحيل العامل السوري أوجد نفوذاً بديلاً لإيران في لبنان على ضوء العلاقة بين الحزب وإيران، قال نجار: «إيران لاعب استراتيجي على مستوى المنطقة، لكن السوريين لهم نفوذهم في الداخل اللبناني بالنظر إلى التنسيق الوثيق لهم مع الحزب».
وأخلت القوات السورية ثكناتها وفكّكت حواجزها في 26 أبريل (نيسان) 2005، إثر الضغط الشعبي اللبناني الذي طالب بانسحاب القوات السورية من لبنان، بعد اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري. وبانسحابها، تراجع النفوذ السياسي بشكل كبير لأنصار دمشق، وتبدلت الوقائع السياسية على ضوء تراجع التدخل المباشر بالحياة السياسية اللبنانية، كما أنه حوّل العلاقات اللبنانية السورية إلى علاقات «طبيعية»، عبر تبادل التمثيل الدبلوماسي وافتتاح سفارة سورية في لبنان في عام 2008.
ولا تتمتع دمشق في هذا الوقت بحلفاء لها في الداخل اللبناني، كما كان الأمر في السابق. وإضافة إلى قوى 14 آذار، التي أشهرت الخصومة مع النظام السوري بشكل كبير، تميز موقف النائب وليد جنبلاط المعادي للنظام، كما أنه لم تُسجل أي زيارة لرئيس البرلمان نبيه بري إلى دمشق بعد انطلاق الثورة السورية، ولو أن ممثلين عن حركة أمل التي يقودها رئيس البرلمان، شاركوا بمناسبات في سوريا.
ويعد الآن حزب الله أبرز حلفاء النظام، فضلاً عن «الحزب العربي الديمقراطي» الذي يقوده رفعت عيد ويمثل العلويين في الشمال، إضافة إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث السوري، إلى جانب شخصيات مؤيدة لدمشق مثل وزراء سابقين ونواب سابقين.