«الديو» يعود للساحة الغنائية بثنائيات خليجية وعربية

حلمي بكر لـ«الشرق الأوسط»: ما نسمعه الآن يسمى «الديالوغ» وليس «الديو الغنائي»

حلمي بكر
حلمي بكر
TT

«الديو» يعود للساحة الغنائية بثنائيات خليجية وعربية

حلمي بكر
حلمي بكر

عودة الثنائيات الغنائية «الديو»، قد يكون ذلك شعار الفترة المقبلة على الساحة الغنائية، بعدما أعلن مطربون عن مشروعات مشتركة، كان أبرزها تامر حسني وإليسا، اللذان سيقدمان سويا ديو بعنوان «ورا الشبابيك».
وبنظرة إلى آخر عقدين، نجد أن الثنائيات الغنائية لها الفضل في شهرة عدد كبير من النجوم، فقبل ديو «مين حبيبي أنا» لم يكن الجمهور العربي يعرف الكثير عن موهبة الغناء اللبناني وائل كفوري، ولكن بعد تقديمه لهذا «الدويتو» مع نوال الزغبي، أصبح نجما، ومن بعدها كانت «دويتوهات» شيرين عبد الوهاب وتامر حسني ومنها «قلبي غالي» و«قلي بحبك» و«لو خايفة» من أسباب شهرتهما حيث جمعهما في بدايتهما ألبوم واحد وأغنيات مشتركة.
كما قدمت شيرين عبد الوهاب «ديو» مع فضل شاكر، والأخير قدم «ديو» آخر شهيرا بعنوان «آخدني معك» مع اللبنانية يارا... وبدورها اجتمعت يارا في «ديو» رومانسي مع راشد الماجد بعنوان «الحلم الضائع»، وأخيرا قدم راشد «ديو» مع آمال ماهر بعنوان «لو كان بخاطري» وحقق نجاحا كبيرا على مستوى الوطن العربي، كما فازت الأغنية في كثير من الاستفتاءات الجماهيرية الرسمية سواء في الإذاعات المصرية أو الخليجية.
كما قدّم كاظم الساهر مع عدد من المطربات، في مقدمتهن المغربية أسماء المنور الذي قدم معها «ديو» بعنوان «المحكمة» وقد أسهم في ارتفاع شهرتها.
أما «فنان العرب» محمد عبده قدّم «دويتوهات» رومانسية مع عشرات المطربين والمطربات وشكّلا ثنائياً ناجحاً، فهو أوّل من قدّم «دويتو» مع الراحلة ذكرى وهو «حلمنا الوردي»، كما قدّم «دويتوهات» مع يارا «ضي الوجود» ومع كارمن سليمان «وليلة كانت الفرقة» ومع آمال ماهر «شبيه الريح» ومع أصالة «تفرقنا السنين».
أما الدويتوهات الجديدة التي ستشهدها الساحة الغنائية فأبرزها تعاون المطربة «آمال ماهر» مع ماجد المهندس في ديو غنائي بعنوان «اعترف» وتم تصويرها على طريقة الفيديو كليب بتقنيات حديثة في إحدى الدول الأوروبية، كذلك تعاون المطرب «علي الحجار» مع المطربة جمالات شيحة من خلال أغنية بعنوان «الهوى يلبي»، كما نفت التونسية لطيفة تحضيرها لديو غنائي على الطريقة الشعبية مع المطرب الشعبي «أحمد باتشان» بعد تقديمها لديو ناجح مع المطرب الشعبي «أحمد شيبة» بعنوان «ياللي»، والأغنية قد تم تصويرها على طريقة الفيديو كليب.
أما المطرب حمادة هلال فقد تعاون مع مطربة يونانية في أغنية بعنوان «استني استني» وكان من المقرر أن يتم طرحها ضمن أغنيات ألبومه الأخير «عيش باشا» إلا أنه تم تأجيلها ليتم طرحها خلال الموسم الحالي، وتم تكرار الأمر نفسه مع المطرب تامر عاشور الذي قرر استبعاد أغنية «عيش الدنيا» من ألبومه الأخير «خيالي» وهي الأغنية التي تجمعه أيضا بمطربة يونانية تدعى «إليفيتريا»، وذلك لكونها ذات طابع صيفي.
ومن الأغنيات التي تم طرحها خلال الفترة الماضية وحملت توقيعات ثنائية «كل ما أغني» التي جمعت شيرين عبد الوهاب وحسام حبيب وتم ضمها لألبومه الأخير الذي حمل عنوان «فرق كبير»، كذلك أغنية «الماس» التي جمعت السوري سامو زين مع مطرب أميركي يوناني يدعي «أكسنت» وتم ضمها لألبومه الأخير «القمر».
ومن جهته علق الموسيقار والملحن «حلمي بكر» على عودة الثنائيات الغنائية للساحة قال: الدويتو هو نوع من أنواع الغناء المعروفة وهو عبارة عن حوار غنائي في شكل قصة تبادلية بين اثنين من الفنانين تتحدث عن أمور عاطفية أو اجتماعية أو أي شكل من الأشكال، ويحمل الديو رسالة، كما سمعناه في الديو الأشهر الذي غناه العندليب الأسمر «عبد الحليم حافظ» «تعالي أقولك» مع «شادية» خلال أحداث فيلم «لحن الوفاء».
ويعتبر «بكر» أن ما نسمعه الآن من البعض ليس «ديو» بالمفهوم المتعارف عليه لكنه يطلق عليه «ديالوغ» أي عبارة عن سؤال وحوار مكمل لدراما معينة ومرحلة زمنية، وقدم هذا الشكل الغنائي «الديالوغ» المطرب الراحل «محمد عبد الوهاب» عندما شاركته الفنانة «راقية إبراهيم» في أغنيتهما الشهيرة «حكيم عيون» ضمن أحداث فيلم «رصاصة في القلب».
كما هاجم الموسيقار بعض الفنانين الذين قاموا بعمل دويتوهات مؤخرا موضحا: يوجد تحايل من بعض الفنانين الذين قاموا بعمل «ديالوغ» حيث لجأوا لعمله مع وجه جديد وذلك للنيل من شهرته الذي حققها بأغنية معينة، معتقدين أن ذلك سيجلب لهم الشهرة وتوسيع القاعدة الجماهيرية لهم وهذا خطأ فادح، لدينا نماذج كثيرة من هؤلاء النجوم والنجمات دون التطرق لأسماء بعينها، بجانب تشويه البعض للفكرة الحقيقة التي يعتمد عليها «الديو» أو «الديالوغ» بغنائهم كلمات غير مترابطة ومتناسقة مما أدى إلى تراجعهم وفشلهم في تقديمها.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)