الاستخبارات الروسية تعتقل إرهابيين وتحبط هجمات في سخالين

كثفت نشاطها وحذرت من تكتيكات جديدة تعتمدها التنظيمات المتطرفة

جانب من العملية الأمنية في جزيرة سخالين أمس (موقع الأمن الفيدرالي الروسي)
جانب من العملية الأمنية في جزيرة سخالين أمس (موقع الأمن الفيدرالي الروسي)
TT

الاستخبارات الروسية تعتقل إرهابيين وتحبط هجمات في سخالين

جانب من العملية الأمنية في جزيرة سخالين أمس (موقع الأمن الفيدرالي الروسي)
جانب من العملية الأمنية في جزيرة سخالين أمس (موقع الأمن الفيدرالي الروسي)

أحبط الأمن الروسي في سخالين، أقصى شرق روسيا، هجمات إرهابية كان عناصر من تنظيم داعش يخططون لتنفيذها.
وقال المكتب الصحافي لفرع هيئة الأمن الفيدرالي في جنوب سخالين، إن الأمن تمكن، خلال سلسلة عمليات أمنية، من اعتقال عضوين في تنظيم داعش الإرهابي، أحدهما مواطن روسي والآخر من مواطني واحدة من جمهوريات آسيا الوسطى. وكان الرجلان يخططان لتنفيذ عمليات إرهابية مدوية، في أماكن تجمع أعداد كبيرة من المواطنين. وخلال عمليات البحث والتفتيش في أماكن إقامة المعتقلين، عثر الأمن على عبوة ناسفة يدوية الصنع محشوة بقطع معدنية، ومواد لتصنيع العبوات الناسفة، وأدبيات ترويجية للتنظيم.
وأثناء فحص هواتفهما النقالة، عثر المحققون على مخططات لتصنيع العبوات الناسفة. وتزامن الإعلان عن اعتقال الإرهابيين في سخالين مع انطلاق أعمال المؤتمر الدولي للأمن في موسكو، حيث ألقى مدير هيئة الأمن الفيدرالي الروسي ألكسندر بورتنيكوف، كلمة قال فيها إن أجهزة الاستخبارات الروسية لديها معلومات حول مفاوضات يجريها تنظيم داعش مع المجموعات الإرهابية الأخرى لتتحد في إطار مشترك. وأضاف أن قادة «داعش» يغيرون تكتيكهم في العمل، ويقومون بإرسال مقاتلين إلى أفغانستان واليمن، وإلى عمق أفريقيا، ويقومون بتشكيل شبكات إرهابية واسعة، ونقاط ارتكاز وقواعد جديدة، لافتاً إلى أنهم يقومون بهذا العمل «بعد أن أيقنوا أنهم مهددون بالقضاء عليهم في الأماكن الخاضعة لسيطرتهم حالياً».
ويرى مدير الأمن الفيدرالي الروسي أن بقاء التهديد الإرهابي يشير إلى أن الدول التي تشارك في التصدي لهذا التهديد، تقوم بتنفيذ هذه المهمة كل على طريقته، داعياً إلى التخلي عن عقلية الحرب البادرة، وتشكيل جبهة واسعة للتصدي للإرهاب، وصياغة معايير موحدة في هذا المجال لرسم معالم العمل المشترك في مواجهة آفة العصر، معرباً عن قناعته بأن «الأمم المتحدة هي الساحة المثالية للقيام بكل هذا».
وكثّفت الأجهزة الأمنية الروسية نشاطها في التصدي للإرهاب خلال الآونة الأخيرة، بعد التفجير الانتحاري الذي استهدف مترو بطرسبرغ يوم 4 أبريل (نيسان) الحالي، وشهدت أكثر من منطقة روسية عمليات أمنية طالت إرهابيين، بعضهم تلقى تدريبات في معسكرات «داعش».
وفي واحدة من آخر العمليات الأمنية، أعلن المكتب الصحافي في هيئة الأمن الفيدرالي أن عناصر الهيئة في مقاطعة فلاديمير المجاورة لمحافظة موسكو، تمكنوا يوم 19 أبريل الحالي من القضاء على مواطنين اثنين من مواطني جمهوريات آسيا الوسطى، كانوا يُعدون العدة للقيام بأعمال إرهابية في روسيا.
وقال المكتب في بيان رسمي إن «عناصر الأمن الفيدرالي تمكنوا من القضاء على مواطنين اثنين من مواطني واحدة من جمهوريات آسيا الوسطى، أحدهما مواليد عام 1991، والآخر مواليد عام 1987، أبديا مقاومة عنيفة وقاما بإطلاق النيران على عناصر من هيئة الأمن الفيدرالي كانوا يحاولون توقيفهما في مقاطعة فلاديمير». وتؤكد هيئة الأمن الفيدرالي أن «المجرمين كانا على علاقة مع أشخاص يمارسون التجنيد في صفوف التنظيم الإرهابي، وأظهرا اهتماماً بتقنيات تصنيع عبوات ناسفة، وأبديا استعدادا للقيام بعمليات إرهابية على الأراضي الروسية».
وفي 21 أبريل الحالي، أعلنت اللجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب القضاء، في مدينة ستافروبول جنوب روسيا، على إرهابيين اثنين، كانا عضوين في خلية «نائمة» تابعة لتنظيم داعش. وقال المكتب الصحافي للجنة في بيان رسمي، إن عناصر الأمن الروسي حاولوا توقيف سيارة مساء ذلك اليوم، خلال عملية خاصة للحد من نشاط خلية إجرامية نائمة في ستافروبولبايعت تابعة لتنظيم داعش الإرهابي، ورفض المجرمان داخل السيارة الانصياع لأوامر الشرطة وأخذا يطلقان النيران، فوقع اشتباك مسلح تمكن خلاله الأمن من القضاء على الإرهابيين. وأكدت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب أن أحدهما قائد الخلية النائمة، وكان قد تلقى التدريب في معسكرات «داعش»، ووصل إلى الأراضي الروسي لتنفيذ أعمال إرهابية. أما الثاني فهو عضو نشط في الخلية، وكان الاثنان يخططان لارتكاب مجموعة جرائم ذات طبيعة إرهابية، بما في ذلك قتل رجال دين، وغيرهم من شخصيات مدنية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟