تركيا تقصف «العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» في العراق وسوريا

مسلحون من ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية يتفقدون مكان قصف جوي تركي عند جبل كراتشوك قرب بلدة المالكية بأقصى شمال شرقي سوريا (رويترز)
مسلحون من ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية يتفقدون مكان قصف جوي تركي عند جبل كراتشوك قرب بلدة المالكية بأقصى شمال شرقي سوريا (رويترز)
TT

تركيا تقصف «العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» في العراق وسوريا

مسلحون من ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية يتفقدون مكان قصف جوي تركي عند جبل كراتشوك قرب بلدة المالكية بأقصى شمال شرقي سوريا (رويترز)
مسلحون من ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية يتفقدون مكان قصف جوي تركي عند جبل كراتشوك قرب بلدة المالكية بأقصى شمال شرقي سوريا (رويترز)

نفَّذ سلاح الجو التركي غارات، فجر أمس (الثلاثاء) على مواقع لحزب العمال الكردستاني، في أول هجوم من نوعه على مواقع الحزب في جبل سنجار بشمال غربي العراق، إضافة إلى غارات مماثلة على مواقع ومراكز قيادة لميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تمثل الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في شمال شرقي سوريا.
وقال بيان لرئاسة هيئة أركان الجيش التركي إن المقاتلات التركية شنت في الثانية من فجر اليوم (أمس الثلاثاء) بتوقيت تركيا (الحادية عشرة مساء الاثنين بتوقيت غرينتش) غارات جوية على ما سمها البيان «أوكار الإرهاب التي تستهدف وحدة بلادنا وشعبنا في جبل سنجار شمال العراق وجبل كراتشوك شمال شرقي سوريا». وأكد البيان أن الغارات جاءت في إطار حقوق تركيا التي يكفلها القانون الدولي، مشيراً إلى أنها نجحت في إصابة جميع الأهداف التي تم تحديدها مسبقاً، قائلاً إن حزب العمال الكردستاني وامتداداته في سوريا والعراق قام بشكل مكثف خلال الفترة الأخيرة باستخدام سوريا وشمال العراق، من أجل إدخال الإرهابيين والسلاح والذخيرة والمواد المتفجرة إلى تركيا.
وأضاف البيان أن «الإرهابيين» الذين تسللوا إلى تركيا بهذا الشكل، نفذوا باستخدام الأسلحة التي هربوها معهم، عدة هجمات على المخافر الحدودية التركية، لافتاً إلى أن المناطق التي استهدفتها الغارات تحولت إلى «أوكار للإرهاب»، تُستَخدم لشن هجمات إرهابية تتسبب في مقتل وإصابة المدنيين والجنود ورجال الأمن الأتراك.
كذلك قال البيان إن الجيش التركي وقوات الأمن يشنون بعزم وإصرار عملية شاملة لمكافحة الإرهاب ضد العمال الكردستاني داخل الحدود التركية وخارجها، عندما يقتضي الأمر، و«إن العملية ستستمر إلى أن يتم تحييد آخر إرهابي».
رئاسة الأركان التركية من جانبها نشرت صوراً ومقاطع فيديو لقصف المواقع شمال العراق وسوريا، أظهرت تدمير مستودعات ذخيرة في جبل كراتشوك وموقع مبيت ومعسكر تدريب في جبل سنجار. وقالت مصادر عسكرية تركية إن القصف على جبال سنجار وكراتشوك شمال شرقي سوريا دمر 40 هدفاً تم تحديدها بدقة قبل القصف.
وفي وقت سابق من مساء أول من أمس (الاثنين)، قال الجيش التركي إن مقاتلات تابعة له دمرت 4 مواقع لـ«العمال» في منطقة متينا شمال العراق، عقب تلقي القوات التركية معلومات استخبارية آنية عن وجود تحرك لعناصر العمال الكردستاني في المنطقة المذكورة.
وداخل سوريا، بحسب مصادر متعددة، شن عدد كبير من الطائرات الحربية التركية، قَدَّرته بعض المصادر بـ26 طائرة، بشكل متزامن، عشرات الغارات التي استهدفت مقرات عسكرية ومراكز قيادة ومخازن أسلحة تابعة لميليشيا «وحدات حماية الشعب الكردية» التي قالت إنها فقدت 18 من عناصرها في القصف.
وتُعدّ هذه أول غارات ينفذها سلاح الجو التركي في سوريا منذ الإعلان عن انتهاء عملية «درع الفرات» في مارس (آذار) الماضي التي دعم فيها الجيش التركي فصائل من «الجيش السوري الحر»، وأسفرت عن تطهير مناطق في شمال سوريا من مسلحي تنظيم داعش الإرهابي، فضلاً عن قطع الصلة بين مناطق سيطرة حزب الاتحاد الكردي السوري.
ومن بين المقرات التي دُمّرت في شمال شرقي سوريا، أمس، مقر القيادة العامة حيث يوجد مركز الإعلام والإذاعة ومركز الاتصالات وبعض المؤسسات العسكرية في مدينة المالكية السورية القريبة من الحدود التركية، كما شملت الغارات نقاطاً عسكرية عدة داخل منطقة الحسكة.
وقالت مصادر دبلوماسية في أنقرة لـ«الشرق الأوسط» تعليقاً على القصف الجوي التركي إن هذا القصف «تقرر بعد مشاورات مكثفة بين الجناحين السياسي والعسكري وطرحت للنقاش أكثر من مرة في لقاءات واتصالات لمسؤولين أتراك مع نظرائهم في الولايات المتحدة وروسيا».
ولفتت إلى الزيارة التي قام بها وزير الدفاع التركي فكري إيشيك إلى واشنطن، ولقائه نظيره الأميركي جيمس ماتيس، الأسبوع الماضي، التي أكد إيشيك بعدها أن الإدارة الأميركية «باتت أكثر تفهُّماً للموقف التركي من حزب العمال الكردستاني وامتداداته في سوريا والعراق»، كما صدرت إشارات عن واشنطن في هذا الاتجاه.
ولفتت المصادر إلى أن تركيا قدمت جميع الأدلة إلى التحالف الدولي وروسيا على الخطر الذي تتعرض له من جانب الأكراد في سوريا والعراق، لكن هذه الأدلة لم تؤخذ على محمل الجد، ولم تلقَ تركيا الدعم اللازم من هذه الأطراف.
واعتبرت المصادر، قصف جبل سنجار «رسالة مفادها أن تركيا قد تنفذ العمليات اللازمة في أي وقت من أجل وقف خطر حزب العمال الكردستاني وامتداداته في سوريا والعراق، وأنها تستخدم حقوقها في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الآتية من البلدين سواء من (داعش) أو (العمال الكردستاني) ووحدات حماية الشعب الكردية، ولا يمكن لأي طرف أن يعارضها في استخدام حقها القانوني في حماية أمنها القومي وأرواح مواطنيها».
في غضون ذلك، نقل الكاتب المقرب من الحكومة في صحيفة «حرييت» التركية عبد القادر سيلفي عن قائد سلاح الجو التركي عابدين أونال خلال حضوره، مساء الأحد، حفل استقبال بمناسبة يوم السيادة الوطنية والطفولة في تركيا، مع رئيس الأركان خلوصي أكار وقائد قوات الدرك يشار جولر، أن الجيش التركي لديه خطط في سنجار.
ونقل سيلفي عن القادة العسكريين أنه قد حان الوقت للقيام بعمليات في سنجار بعد انتهاء عملية «درع الفرات» في شمال سوريا.
وقال أونال إن لديهم دائماً خططاً على المستويين العسكري والسياسي بشأن المناطق المحاذية للحدود التركية في سوريا والعراق، وإن تركيا لن تسمح بأن يقيم العمال الكردستاني قاعدة ثانية في سنجار على غرار جبال قنديل في شمال العراق، وإن هذه الخطط قد تُنفَّذ الآن أو تنفذ في المستقبل، حسب الضرورة.
ومن جانبه، قال قائد قوات الدرك الجنرال يشار جول إن القوات التركية «كسرت ظهر العمال الكردستاني» داخل تركيا، وإن هناك بعداً خارجياً الآن، فـ«التطورات على حدودنا في سوريا والعراق متشابكة مع الداخل ويستفيد منها العمال الكردستاني، والقوات التركية ستتخذ كل ما يلزم لوقف التهديدات من سوريا والعراق».
وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين استبق الضربات الجوية التركي في سوريا والعراق، قائلاً، في مؤتمر صحافي، الاثنين، إن القوات التركية على أتم الاستعداد والجاهزية التامة للرد على أي خطر إرهابي يهدد أمن وسلامة حدودها، سواء من الجانب السوري أو العراقي.
وأضاف كالين أنّ بلاده تراقب عن كثب تحركات المنظمات الإرهابية الناشطة في سوريا والعراق، وأنها ستتدخل فور ملاحظتها أي تهديد من قبل تلك المنظمات على أمن حدودها.
إلى ذلك، قال عبد الله أغار خبير الشؤون الأمنية ومكافحة الإرهاب، لـ«الشرق الأوسط» إن القصف المتزامن الذين شنته مقاتلات تركية في سوريا والعراق يعد عملية «غير مسبوقة من شأنها تغيير المعادلات والموازين على الأرض».
ولفت إلى أن العملية لم تقتصر على قصف بطائرتين أو ثلاث، وإنما شاركت فيها أسراب مختلفة من المقاتلات، وأُحِيطَت بسرية تامة، واستهدفت مواقع تقصفها تركيا للمرة الأولى، معتبراً أن هذه العملية مختلفة عن العمليات التي ينفذها الطيران التركي في جبال قنديل شمال العراق، وتحمل رسالة قوية، وسيكون لها تأثيرات سياسية لدى مختلف الأطراف الداعمة لـ«العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب الكردية» التي قرأت الرسالة التركية بالتأكيد، إضافة إلى البعد العسكري.



حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.