البرلمان التونسي يناقش قانون المصالحة مع رموز النظام السابق

يعرض البرلمان التونسي اليوم مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية المثير للجدل على لجنة التشريع العام، في محاولة لحسم الجدل الدائر بين الائتلاف الحاكم، بزعامة حزب النداء وحركة النهضة، وأحزاب المعارضة، التي بدت أكثر تماسكاً من الائتلاف الحاكم في تصميمها على رفض هذا القانون.
وهددت المعارضة بالنزول إلى الشارع وحشد المعارضين لقطع الطريق أمام «فساد رجال أعمال النظام السابق»، معتبرة أن قانون المصالحة يمثل مخرجاً آمناً لرجال الأعمال الذين راكموا ثروات هائلة على حساب الموطنين ومصلحة الوطن، وحاولوا التهرب من المساءلة، على حد تعبير عدد من القيادات السياسية المعارضة.
وتشرع لجنة التشريع العام بالبرلمان في مناقشة فصول قانون المصالحة، وإدخال تعديلات عليه قبل أن تتم إحالته على التصويت خلال الجلسة العامة للبرلمان. ويراهن الائتلاف الحاكم على الأغلبية داخل البرلمان لتمرير هذا القانون، الذي يتطلب 109 أصوات من إجمالي 217 صوتاً ليحظى بالتصديق، فيما تعمل المعارضة على حشد الرافضين له من مختلف التيارات السياسية، وتهدد بالاحتجاج والنزول إلى الشارع.
وكان مشروع قانون المصالحة قد تم اقتراحه من طرف الرئيس الباجي قائد السبسي على البرلمان، خلال يوليو (تموز) 2015، لكنه لقي معارضة شديدة من قبل عدة تيارات سياسية، ومن المنتظَر أن يعرض هذه المرة في نسخة معدلة. واعتبر المنصف المرزوقي، رئيس الجمهورية السابق، أن الوثائق المسرَّبَة حول خطة عمل رئاسة الجمهورية لتمرير قانون المصالحة، تبرز حجم التجنيد غير المسبوق للرئاسة، واستعمالها لكل الوسائل لتمرير قانون كان بمثابة تبادل خدمات بين رجال أعمال مولوا الحملة الانتخابية لحزب النداء في انتخابات 2014، وحزب سياسي استفاد من كل التمويلات وفاز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وفي هذا السياق، قال محمد الحامدي رئيس حزب التحالف الديمقراطي (معارض)، إن عرض هذا القانون على البرلمان لا يختلف في شيء عن «تبييض الفساد»، وتكريس سياسة الإفلات من العقاب، وهو ما يتعارض مع الدستور المصادَق عليه سنة 2014.
وجدد الحامدي موقفه الداعي إلى تنسيق التحركات للتصدي لهذا القانون وتعطيل تمريره.
من جانبه، قال زهير المغزاوي رئيس حركة الشعب (حزب قومي معارض) لـ«الشرق الأوسط»، إن إعادة عرض مشروع قانون المصالحة مع رموز الفساد في النظام السابق تعتبر خطأ فادحاً، خصوصاً أنه يأتي في ظل الاحتجاجات الاجتماعية المطالِبَة بمشاريع التنمية، وتوفير فرص العمل للعاطلين، مؤكداً أن مناقشة هذا القانون في وقت تحتج فيه الجهات الفقيرة يعيد إلى أذهان المحتجين ملفات الفساد المالي والاقتصادي المختلفة التي عرفها النظام السابق، على حد قوله.
وفي المقابل، نظم رفيق عبد السلام، القيادي في حركة النهضة، ورشة عمل مع ممثلين للحركة الدستورية (مقربة من «حزب النداء») تحت عنوان «المصالحة الشاملة: الآفاق والأبعاد»، وخلالها اتفق الطرفان اللذان يقودان الائتلاف الحاكم، على ضرورة طي صفحة الماضي، وبناء الثقة في المستقبل. وفي هذا الشأن، قال عبد السلام إن حركة النهضة تأكدت من أن النجاح لا يمكن أن يحققه طرف سياسي بعينه، ولذلك لا بد من الجلوس حول طاولة الحوار، وإنقاذ البلاد من المخاطر المتعددة التي تتهددها، مستبعداً وجود صفقة سياسية بين النهضة والنداء لتمرير قانون المصالحة.
وأوضح عبد السلام أن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية هي التي تفرض التسريع بسياسة المصالحة، وتوجيه قسط كبير من مداخيل هذه المصالحة نحو تنمية المناطق التونسية الأكثر فقراً.
ومن جانبه، دعا رؤوف لخماسي، القيادي في حزب النداء، إلى التخلص من الإرث الذي خلفته صراعات الماضي بين العائلة الدستورية والعائلة الإسلامية، وقال إن ما يجمعهم اليوم هو كيفية بناء مستقبل أفضل.